محاولة للفهم - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاولة للفهم

نشر فى : الجمعة 12 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 13 يوليه 2013 - 3:32 ص

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه

 

شرعية مرسي سقطت قبل تدخل الجيش، سقطت بخروج الملايين للمطالبة برحيله وبالانتخابات الرئاسية المبكرة، كان يمكن لمرسي، بل كان ينبغي عليه، أن يدعو هو للاستفتاء، أو لانتخابات رئاسية مبكرة قبل ٣٠ يونيو عندما بدا واضحا أن الاعداد ستكون بالملايين، أو بعدها عندما خرج الملايين للشوارع، ولكنه آثر ألا يفعل.

 

فكان - بقصد أو بغير قصد - السبب في تخيير المصريين بين المرين: تدخل الجيش أو الحرب الأهلية، ولا ينفي هذا المسؤولية عمن تورطوا في خطاب تحريضي يؤول للعنف، ولكن مرسي - بحكم موقعه - كان وحده بيده الحل، ولا ينفي هذا وجود ملايين مؤيدة له، ولكن أولا أعداد المعارضين كانت أكبر وثانيا خروج الملايين في ذاته كان مؤشرا على أزمة شديدة العمق، لم يكن رد الفعل مناسبا لها على الإطلاق، بل لم تكن هناك استجابة لها أصلا، كما ظهر في تمسك مرسي لآخر لحظة لا ببقائه من غير طرح الأمر للاستفتاء فحسب، وإنما ببقاء حكومة هشام قنديل، التي اعترض الكافة عليها وطالبوا بتغييرها، بمن فيهم حزب الحرية والعدالة.

 

- بناء على ذلك فإن المطالبة بعودته تلاعب لا معنى له، والمطالبة بالاستفتاء على ذلك تأخرت بحيث صارت مستحيلة وقد تخطاها الموقف تماماً، وحشد قيادات الإخوان قواعدهم على هذا الأساس فيه قدر كبير من عدم المسؤولية، لأنهم يرفعون سقف التوقعات إلى ما فوق المستحيل، ويلفتون أنظار أنصارهم بعيدا عن المشهد الرئيس - وهو خروج الملايين رافضة لمرسي ومطالبة برحيله، وهو العمدة في سقوط شرعيته- إلى مشهد التدخل العسكري بتصويره على أنه هو الذي أخرج الرئيس من المشهد.

 

وبقطع النظر عن الخلاف حول ما إذا كان الذي حصل انقلاب عسكري أو لا، فإن الحقيقة هي أنه جاء على خلفية حركة شعبية واسعة، وأن مرسي وحده كان بإمكانه عصمة الساحة السياسية من التدخل المباشر للعسكر بالدعوة للاستفتاء أو الانتخابات، ولكنه - كما سبق - اثر إلا يفعل.

 

•••

- وقيادات الإخوان إما أنهم يدركون استحالة عودته أو لا يدركونها، فإن كانت الثانية فينبغي عليهم، وعلى القواعد معهم، إعادة تقييم الوضع، ومواجهة الحقائق، بدلا من الدفع في مسار لا ينتج إلا دما، ولا يكسب من ورائه شيئا، فيكون الدم بلا ثمن، ويكون في رقبة من سبق النشاط عنده الفكر، وسبق السعي الوعي، وسبق الحراك الإدراك، وإن كانت الأولى فينبغي عليهم أن يصارحوا قواعدهم بذلك، لأنه ليس من الأمانة دفعهم فيما قد يؤدي - لا قدر الله - لسفك الدماء من غير أن يكونوا على بينة من السبب الذي لأجله تبذل الدماء، وإن كان التصعيد بغرض تحسين شروط التفاوض - وهو الراجح عندي - فينبغي توضيح ذلك، وتوضيح ما الذي يتم التفاوض عليه، وهل يتعلق بتأمين أفراد بأعينهم من المساءلة القانونية، أم تأمين الوجود السياسي، أم وجود الجماعة.

 

- ولا يصح التلبيس على الناس ودفعهم للموت بإقناعهم أن ذلك دفاع عن الدين أو عن المشروع الإسلامي، فالحاصل أن ما نعيشه هو صراع سياسي محض، فمرسي خلال السنة التي حكم فيها لم يضبط متلبسا بإصدار أي تشريع، أو انتهاج أي سياسة، يمكن وصفها بالإسلامية (والمقصود بالإسلامية هنا ما أمر به الشرع الشريف أو نهى عنه بعينه، لا ما يدخل في دائرة المباحات أو المصالح المرسلة).

 

بل الثابت مثلا أن تراخيص الملاهي الليلية امتدت ثلاث سنوات، وان العلاقات بأمريكا توطدت، وأن سفارة إسرائيل بقيت على حالها، ومن ثم فإن الذي دفع الناس للشوارع لم يكن إسلامية مرسي ليكون الدفاع عنه دفاعا عنها، وإنما الذي دفعهم للخروج سوء إدارته، وكل الأسباب التي سيقول عنها أنصاره مؤامرة (داخلية، جيش، أعلام، عدم تعاون البيروقراطية الخ) إنما تقع تحت هذا البند، وهو عنها مسؤول.

 

وقد نصحه الكثيرون، من لا يحصون عددا، باتخاذ الإجراءات حيالها، فلم يستجب، ودافع أنصاره عن ذلك وقالوا انه يدرك ما يفعل، واتهموا من طلب منه ذلك بعدم الحكمة، وليس هذا وقت العتاب وليست الشماتة من حسن الخلق، فلا داعي للاستفاضة في تلك النقطة.

 

•••

- ليس ثمة ما هو أخطر على أهل هذه البلد من الانزلاق في العنف والدم والحرب الأهلية، ومنع ذلك مسؤولية الجميع، وآمل ألا يكون الوقت قد تأخر، ومنع نزيف الدماء لا يقتضي "التوافق"، فهو مستحيل، بل ستظل خلافاتنا قائمة، بل والصراعات السياسية ستزداد، وإنما يجب الحرص على إلا تؤدي لاقتتال أهلي، وذلك يكون أولا باتخاذ موقف صارم حيال التحريض عليه، وإذا كانت القنوات الاسلامية قد أغلقت تعسفيا لأنها - كما قال المدافعون عن القرار - تحرض على العنف والكراهية، فإنها ليست وحدها في ذلك، بل ثمة خطاب إعلامي سائد في قنوات كثيرة يحرض على الإسلاميين ويدعو لاستئصالهم من المجتمع، وليس ذلك من قبيل حرية الرأي، فالاعتراض على وجود أي طرف في السلطة حق لا أنازع فيه، لكن ليس من حق أحد الاعتراض على "وجود" فصيل هام وكبير في المجتم.

 

من حقك أن تختار من يحكمك لكن ليس لك أن تختار من يعيش معك في المجتمع، والفرق بين الأمرين كبير وجلي، وإعلاميون مثل يوسف الحسيني ولميس الحديدي والكثير من الجنرالات المتقاعدين والخبراء الاستراتيجيين يتجاوزون هذا الخط بوضوح، ومعاقبة هذا التجاوز واجبة في كل وقت، وهي أوجب في هذا الوقت، والرئيس المؤقت يستطيع إصدار التشريعات اللازمة لهذا الأمر، وواجب مؤسسات الدولة تنفيذها على كافة الأطراف، لا اتخاذ إجراءات استثنائية حيال طرف دون الآخر.

 

•••

- ما هو الحل المباشر لهذه الأزمة؟ لا أعرف، ولكني أعرف أن معارضة الإخوان والسعي لإسقاط مرسي لا يعني القبول بدولة مبارك، ولا يعني "الثورة على الثورة" كما حاول عبد المنعم سعيد أن يقول: جزء كبير من هذه الموجة من الحراك هي استكمال لما كان في ٢٠١١، يحمل نفس المطالبات بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ويرفض عسكرة الدولة وأمننتها، والتنامي المرعب في فجوات الدخل، وبعضها - ومنه عبد المنعم سعيد، وتوفيق عكاشة، ولميس الحديدي، وغيرهم من أعضاء لجنة السياسات - يتحركون فعلا بمنطق الثورة على الثورة، والسعي لإحياء نظام مبارك، وهم مع ذلك أكثر نفوذا، يساعد في ذلك موقف الإخوان (سواء عند وجودهم في السلطة بالسماح بعودة الفلول وبالفعل الإداري، أو بعد خروجهم منها باتخاذ مواقف من شانها تبرير عسكرة الدولة وتقوية هذا الخطاب).

 

وهذا الموقف من الإخوان - بالتالي - لا يضرهم فحسب، وإنما يضر معهم كل الفئات الاجتماعية والسياسية الرافضة للدولة التسلطية القمعية، ولذا فعليهم إعادة توجيه بوصلتهم، لتكون معركتهم لا عودة مرسي - وهي معركة خطا كما سبق - وإنما الدفاع عن مساحات الحريات السياسية والاجتماعية التي تحققت خلال السنتين الماضيتين، وسيستفيدون هم من ذلك ضمان استمرار الوجود وعدم القمع، ومن ثم الفرصة الأخرى في السياسة، وسنستفيد جميعا بمنع صعود خطاب الدولة التسلطية مرة أخرى، وبإيجاد القوة اللازمة لمواجهة عودتها، وبإيجاد مساحات من العمل المشترك تقلل من فرص الاقتتال الأهلي، والمسؤولية هنا تقع لا على الإخوان فحسب، وإنما يجب فعلا تهميش هذا الخطاب التسلطي من قبل الأطراف الأخرى، ومعه الخطاب الاستبعادي والاقصائي، ويجب أن يكون السعي تجاه المصالحة الوطنية سعيا جادا لا تكرارا للجان الصورية.

 

•••

- أرجو من الإخوان أن يتأملوا قليلا في المشهد بالرجوع خطوة للوراء: ماذا سيستفيدون من هذا التصعيد؟ هل ثمة فرصة في عودة مرسي؟ ولو تنزلنا وقلنا بإمكان العودة هل يتصور إمكان أن يباشر مهام الرئاسة بعد كل ما حصل؟ أتصور - والله تعالى أعلم - أن الإخوان في حاجة للمراجعة العقلانية الهادئة بشكل عاجل، واعلم صعوبة ذلك في تلك اللحظة بالذات.

 

لكني لا أظنه أوجب عليهم من الآن، مع علمي بالمشقة النفسية الحالة، اعتقد انه يجب عليهم أولا إنهاء التصعيد، وثانيا القيام بمراجعات وتقييم آت للفترة الماضية على مستويات مختلفة تبدأ بتقييم استفادة "المشروع الإسلامي" (مع تحفظي الشديد على هذا المصطلح) من صعودهم السياسي، لتقييم الأخطاء، للمراجعآت الفكرية الأعمق وليس هذا مجال التفصيل فيها، وأخطر الخطر عليهم وعلى غيرهم أن يكتفوا بتعليق كل شيء على سماعة المؤامرة وان يصعد خطاب الصمود.

 

وثالثا يحتاج الإخوان تجديد قياداتهم، فهو أمر طبيعي أن يحصل في المحطات الكبرى، وتأجيل مرات منذ بدء الثورة حتى إن قيادة الإخوان صارت الشيء الوحيد في البلد الذي لم يطرأ عليه تغيير حقيقي في السنوات الأخيرة (كل القيادات تغيرت: الأزهر والكنيسة والجيش والرئاسة والشرطة وكافة الوزارات والأحزاب الكبرى، ولا يرد على ذلك بقاء بعض قيادات الأحزاب الهامشية في مكانها)، وهناك خطوات أخرى أتصور وجوبها وليس هذا وقت الخوض فيها.

 

- الخطاب التحريضي ضد العرب، وبالأخص السوريين والفلسطينيين، فيه مستوى غير مسبوق من التدني والتجرد من كل قيم الوطنية والإنسانية والاستعداد لشيطنة شعوب بأكملها تربطنا بها مصالح ومسؤوليات وتأريخ من اجل التمادي في شيطنة فصيل سياسي تعميقا لخطاب الاستئصال، وكلنا سيدفع ثمن هذا الخطاب من أمننا القومي ودورنا الإقليمي، وقبل ذلك وبعده من انسانيتنا، قد يكون هناك مجرم فلسطيني أو سوري كما قد يكون هناك مجرما من أي بلد، بل يستحيل عادة غياب هذا الأمر.

 

أما الشيطنة في الإعلام والتحريض بالشبهات فأرى انه مما يستوجب عقابا فعلا، باعتباره خطاب كراهية، وإلا فلا يستحق مرسي أي لوم لا هو ولا عبد المقصود وحسان وغيرهما على قتل المواطنين الأربعة الشيعة في أعقاب الخطاب التحريضي غير المسؤول في مؤتمر سوريا في الاستاد، وهذا الخطاب يروجه إعلاميون بمنتهى البجاحة في برامجهم، واستمراره لا يدل على وجود أي مساحات من حرية الرأي، وإنما يدل على تقاعس في التعامل مع جرائم التحريض والكراهية.

 

•••

- الأزمة الحالية تؤكد مرة أخرى كارثة عدم وجود سياسة في مصر لعدم وجود قيادات سياسية في أي طرف قادرة على الإدارة والتفاوض والتعامل مع المواقف والجماهير، وهذا سببه احتكار الدولة لصناعة القيادات السياسية منذ حوالي ١٥٠ سنة، وهو أمر شاذ جداً: القيادات السياسية في مصر خلال تلك الفترة كلها إنتاج البيروقراطية والجيش، لا المجتمع، وعلاج تلك المشكلة لا يكون بغير الاهتمام بالعمل النقابي والمحلي، وبعدهما البرلماني، فمن هذه المنصات تخرج القيادات السياسية ذات الكفاءة والمصداقية والأمانة، وظني أن هذا الاهتمام تأخر كثيرا فوصلنا لما وصلنا اليه، والتأخر أكثر من ذلك عواقبه فعلا وخيمة.

التعليقات