عن توسع بريكس في سؤالين وإجابتين! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن توسع بريكس في سؤالين وإجابتين!

نشر فى : الجمعة 15 سبتمبر 2023 - 6:35 م | آخر تحديث : الجمعة 15 سبتمبر 2023 - 6:35 م
أولا: لماذا قررت الدول الأعضاء فى تجمع «بريكس»، وهى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، قبول انضمام مصر وإيران والسعودية والإمارات ومعها إثيوبيا والأرجنتين إلى التجمع اعتبارا من ٢٠٢٤؟
فى المقام الأول، استهدفت الدول الأعضاء تعميق الحضور الجغرافى للتجمع فى الجنوب العالمى وإضفاء درجة أعلى من القدرة على تمثيل تنوعات الجنوب (من الشرق الأوسط مرورا بشمال وشرق أفريقيا إلى جنوب أمريكا اللاتينية) والتعبير عن مصالحها.
فى المقام الثانى، أرادت الدول الأعضاء ضم فاعلين إقليميين ذوى ثروات طبيعية وقدرات اقتصادية وأسواق ومقومات سياسية وتاريخية متميزة. لإيران والسعودية والإمارات ثروات نفطية هائلة. وحققت السعودية والإمارات خلال السنوات الماضية وفرات مالية كبيرة وظفتها فى تنويع المجالات الإنتاجية للاقتصاد وخلق مجالات عديدة للاستثمار فى التكنولوجيا والبنى التحتية والصناعة والخدمات. تمتلك مصر سوقا يعد الأهم فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبنى تحتية متطورة ولديها من مقومات القدرات البشرية والموقع الجغرافى والتاريخ المرتبط بطموحات الجنوب العالمى (مناصرة حركات التحرر الوطنى وحركة عدم الانحياز والدور النشط فى مجموعة الـ٧٧) ما يجعل من عضويتها فى التجمع، على الرغم من المصاعب الاقتصادية والمالية والتحديات التنموية التى تواجهها اليوم، أمرا مرحبا به. وتتشابه مصر فى هذه الخصائص والمقومات مع إثيوبيا والأرجنتين.
فى المقام الثالث، وبالنظر إلى الاختلافات الجوهرية بين الأعضاء الجدد فيما خص التحالفات الإقليمية والدولية، يعبر القرار عن «توافق الحد الأدنى» بين الأعضاء المؤسسين. فإيران التى يقاطعها الغرب وتعتمد على الصين وروسيا فى الحد من الآثار السلبية للعقوبات الغربية والوفاء بمتطلباتها الاقتصادية، تحفظت على انضمامها البرازيل والهند وجنوب أفريقيا خشية أن يتحول التجمع سياسيا إلى تكتل مناهض للولايات المتحدة وأوروبا. ومن هنا، كان فى انضمام السعودية والإمارات المتحالفتين تقليديا مع الغرب، فضلا عن ثروات وقدرات البلدين، خطوة واعية للحد من التداعيات السياسية والجيواستراتيجية لعضوية إيران. وبالمثل، تعبر عضوية مصر وإثيوبيا، وبيننا وبين إثيوبيا توترات متصاعدة بسبب ممارساتها الانفرادية حول سد النهضة وقضايا الأمن المائى، عن رغبة الأعضاء المؤسسين فى اتباع سياسة متوازنة تجاه البلدين وتجاه الإقليم الذى تمثله كل منهما فى القارة الأفريقية (شمال وشرق أفريقيا). وفى المقابل، ضغطت البرازيل من أجل ضم الأرجنتين كممثل جديد لأمريكا اللاتينية، على الرغم من تحفظات الدول الأخرى بسبب الأزمة الخانقة التى يعانى منها اقتصادها.
• • •
ثانيا: كيف نجح أعضاء تجمع «بريكس» المؤسسين فى إيجاد توافق الحد الأدنى بشأن الأعضاء الجدد؟
هنا يمكن الإشارة إلى عدة اعتبارات ترتبط بالمصالح الاستراتيجية للأعضاء المؤسسين، من بينها أمن الطاقة والحصول على موارد طبيعية حيوية ومواجهة الهيمنة الغربية على النظام الاقتصادى والمالى العالميين والحد من العزلة والتداعيات السلبية للعقوبات والتوسع باتجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال وشرق أفريقيا وأمريكا اللاتينية لمنافسة أو مزاحمة الغرب.
فالصين والهند، وعلى الرغم من خلافاتهما الحدودية وتنافسهما على مواقع النفوذ فى آسيا، يجمعهما كونهما من المستوردين الكبار عالميا للطاقة. بانضمام إيران والسعودية والإمارات إلى «بريكس»، صارت دول التجمع تسيطر على إنتاج ما يقرب من ٤٢ بالمائة من البترول والغاز الطبيعى. بانضمام إيران والسعودية والإمارات ومصر، صارت مسارات تجارة الطاقة العالمية، مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس، تحت إدارة دول أعضاء فى التجمع. وفضلا عن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تمتلك الأرجنتين احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعى وتعد من أكبر المنتجين العالميين لمادة «الليثيوم» الضرورية لتصنيع البطاريات الكهربائية التى يسهم الاقتصاد الصينى فى تطويرها بكثافة وتعمل شركات هندية عملاقة على الدخول فيما خصها إلى حلبة المنافسة. وتتمتع إثيوبيا بثروات طبيعية فتحت خلال العقود الماضية أبواب استثمارات كبيرة إن من الأعضاء المؤسسين كالصين أو من الأعضاء الجدد كالسعودية والإمارات، وهى استثمارات من المرجح تزايدها بعد الانضمام للتجمع.
أما فيما يتعلق بمواجهة الهيمنة الغربية، فقد تطورت سياسات تجمع «بريكس» بين تأسيسه فى ٢٠٠٩ بعضوية البرازيل وروسيا والهند والصين وانضمام جنوب أفريقيا فى ٢٠١٠ وبين قرار الموافقة على انضمام الأعضاء الجدد فى ٢٠٢٣ من مجرد تنشيط التعاون الشامل بين الدول الأعضاء وبينها وبين بلدان الجنوب العالمى إلى البحث عن إصلاح المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية وربما صياغة بدائل لها. ولهذا الأمر ارتباط وثيق بالمصالح الروسية والصينية. فروسيا المعاقبة غربيا منذ غزوها لأوكرانيا تبحث عن الحد من الاعتماد العالمى على الدولار الأمريكى، وعن تقليل التداعيات السلبية لإخراجها من نظام التحويلات البنكية «سويفت» (المعتمد أيضا على الدولار)، وعن تقوية عملتها الوطنية «الروبل» بالتوسع فى المبادلات التجارية بالعملات الوطنية مع الأعضاء المؤسسين والأعضاء الجدد للتجمع ومع عموم بلدان الجنوب.
أما الصين، فتعمل منذ تسعينيات القرن العشرين على إصلاح المؤسسات المالية كصندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية باحتواء النفوذ الغربى الكاسح بداخلها، وتشترك معها فى هذا الهدف الاستراتيجى روسيا وبدرجة أقل الهند. صنعت الصين بين التسعينيات واليوم شبكات بديلة للتعاون الاقتصادى والتجارى والاستثمارى مع بلدان الجنوب، كما تظهر مبادراتها الكبرى الحزام والطريق ويدلل توسعها فى المبادلات التجارية بالعملات الوطنية داخل تجمع «بريكس» وخارجه وقيادتها لتأسيس بنك التنمية الجديد داخل التجمع. بانضمام الأعضاء الجدد للتجمع، تأتى دول كمصر والأرجنتين الراغبتين فى تقليل الاعتماد على الدولار وفى تنويع مصادر تمويل الجهود التنموية بالتشجيع على تنشيط أعمال بنك التنمية وتأتى أيضا دول كالسعودية والإمارات لديها مصلحة حيوية فى تقليل الاعتماد على الدولار فى تجارة الطاقة ولديها وفرات مالية كبيرة تستطيع أن تسهم بها فى استثمارات التنمية المستدامة داخل «بريكس» وفى الجنوب العالمى إن حضرت الإرادة السياسية. أما الحديث عن عملة «بريكس»، فيبدو اليوم بحسابات توافقات الحد الأدنى بين الأعضاء المؤسسين وبحسابات تفاوت المصالح والمقومات والقدرات بين الأعضاء الجدد هدفا جيواستراتيجيا وسياسيا بعيد المنال.
وفيما خص الحد من العزلة الدولية وتعميق حضور «بريكس» فى أقاليم الجنوب العالمى، ففى ذلك مصلحة حيوية للسياسة الروسية التى أفسد غزوها لأوكرانيا علاقاتها التى كانت جيدة ببعض الدول الأوروبية المؤثرة كألمانيا وفرنسا والتى تعمل بقوة على التوسع فى شبكات العلاقات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية مع بلدان الجنوب وبعيدا عن الغرب فى كل مكان (حتى وإن كان هذا المكان هو كوريا الشمالية أو جزر المحيط الهندى والهادى التى تتنافس عليها معها الصين والهند وبالقطع الولايات المتحدة). ويزيد انضمام الأعضاء الجدد إلى تجمع «بريكس» من الأوراق الروسية فى هذا الصدد ويرفع من قدراتها على توظيف العضويات الجديدة كرافعة للدعم السياسى والتنسيق الدبلوماسى.
كذلك تستفيد الصين والهند فى ظل صعودهما الاقتصادى والجيواستراتيجى المطرد من توسع «بريكس» باتجاه الشرق الأوسط حيث صار الطلب الإقليمى على مزاحمة الولايات المتحدة وأوروبا صريحا وحيث المصالح الحيوية الكثيرة من إمدادات الطاقة إلى الثروات الطبيعية الأخرى والأسواق الهامة. وتشترك الصين والهند مع البرازيل وجنوب أفريقيا فى النظر إلى تعميق الحضور الجغرافى للتجمع فى بلدان الجنوب العالمى كمرادف لهدف استراتيجى عريض هو أن يتحول «بريكس» إلى ممثل للجنوب العالمى ومعبر عن طموحاته المشروعة فى التحرر من الهيمنة الغربية وضغوطها المستمرة على قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وعن آمال الوصول إلى التنمية المستدامة التى تتطلب اليوم مواجهة اختلالات فى التقدم العلمى والثروة وفى التعامل مع تداعيات التغير المناخى التى تراكمت فى بلادنا بفعل ماضى الاستعمار الأوروبى وحاضر الهيمنة الغربية قبل أى شىء آخر.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات