(مولود فى 25 يناير).. صورة صادقة لواقع ملتهب ومستقبل يدعو للتفاؤل - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(مولود فى 25 يناير).. صورة صادقة لواقع ملتهب ومستقبل يدعو للتفاؤل

نشر فى : الخميس 15 ديسمبر 2011 - 9:15 ص | آخر تحديث : الخميس 15 ديسمبر 2011 - 9:15 ص

تبقى العلاقة بين ثورة 25 يناير والسينما بلا حدود، وستبقى كل الشرائط الفيلمية التى ترصد أهم حدث فى تاريخ مصر الحديث على نهايتها مفتوحة.. تطرح تساؤلات وترسم صورا تثير الدهشة والحيرة، لأن معظم صناع الأفلام شباب شاركوا فى أحداث الثورة بالفعل، وكانوا جزءا منها وبداخلهم شعور ــ مع مرور الوقت ــ بأن الثورة لم تكتمل بعد، وأن الأحداث الجديدة ربما تحتاج لأن نقلق ونتيقظ، لأن المستقبل ما زالت ملامحه يخفيها ضباط فى سماء ميدان التحرير وميادين أخرى انتفضت وما زالت. ومن هؤلاء المخرجين الشباب يأتى المخرج أحمد رشوان بفيلمه «مولود فى 25 يناير» الذى يشارك فى مسابقة المهر العربى بمهرجان دبى السينمائى، وقد يدعوك عنوان الفيلم من اللحظة الأولى إلى التفاؤل، وأن هناك لحظة ميلاد جديدة لوطن ومواطن، لزمان ومكان، ولكن مع نهاية الميلاد تكتشف أن هناك ثمة مخاضا يدعوك للحيرة تجاه قراءة الأيام المقبلة، وإذا كانت إحدى الأمهات التى شهدت داخل الشريط السينمائى على الثورة موجهة كلامها للشباب الثوار، وقالت: «أنتم خرجتم الخوف من جوانا». «لا خوف بعد اليوم»، فإن ثمة علامات القلق تبدو دائما على وجه المؤلف والمخرج أحمد رشوان، الذى كان أكثر واقعية مع نفسه ومع المشاهد.. فهو يروى الأحداث حسب رؤيته وموقفه الشخصى من ثورة يناير ذلك الحدث الذى انتظره طويلا، ولم يكن يدرى متى سينفجر، المهم اعترف رشوان عبر حوار صادق أنه لم يكن يذهب إلى ميدان التحرير يوم 25 يناير، انتظر.. وعندما شعر بأن الحدث العظيم بات واقعا، نزل الميدان يرصد بكاميرته وبعينه صحوة شعب مصر بكل فئاته.. وكيف يفجر جون عن المكبوت بداخلهم سنوات طويلة، وبنعومة شديدة تكاد تصل لدرجة الرومانسية رغم سخونة الحدث صوتا وصورة، رصدت مشاهد الفيلم الشعارات متضمنة الأمنيات والرغبات (ارحل يعنى امشى) (الشعب يريد إسقاط النظام) (حرية حرية)، كانت الأحداث فى فيلم رشوان تجسد نموذجا دراميا حقيقيا تلهث معه الأنفاس، وامتذجت فيه الصورة بالموسيقى الملهمة والمؤثرة وكلمات تعلو نبرتها وتنخفض عبر مونتاج بدا وكأنه يكشف دقائق الثورة بصدق دون مبالغة، أعاد المخرج عبر يومياته مع الثورة المشاهد إلى 18 يوما فى التحرير وطرح فيلمه شهادات من قلب الميدان، فها هو شاب آخر يعترف بأنه ليس له فى السياسة، وأنه كان ضد الثورة، وكان على خطأ لكنه استوعب وعرف الحقيقة وجاء الميدان.

 

أيضا انتصر المخرج لموقف الفنانين مع الثورة عبر تقديم مشاهد لانتفاضتهم ومسيرتهم وهتافاتهم التى تسيدها خالد الصاوى والمخرج سعد هنداوى.

 

وفى الوقت نفسه كشفت مشاهد شخصيات تورطت فى هتافاتها ضد الثورة، وغيرت لونها وجلدها وادعت عكس ذلك فيما بعد، لكنها كاميرا رشوان التسجيلية التى تعمل لصالح التاريخ.

 

فى الفيلم أيضا اختلف الإيقاع بإيقاع زمن الثورة، فها نحن نرى مشهدا رائعا حين جلس رشوان مع ولديه يتابع خطاب مبارك وفى لحظة التنحى عن الحكم رأينا الابن الأصغر يقفز فرحا والأكبر يرتمى فى أحضان والده، وهنا اختلفت المشاعر عن مشهد سابق حينما ظن الجميع بميدان التحرير أن الرئيس فى كلمته للأمة سيتنازل لكنه أعلن عن استقالة الحكومة.. لترتسم علامات اليأس، ومن جديد تعود الكاميرا لتسجل شهادات من الميدان، مشيرة إلى أن القادم يقع عاتقه على الجيل الجديد، التى كشف الفيلم عن بعض نماذجه، المولودة، أيام الثورة وبعدها.

 

ويبقى السؤال: هل ستبقى علامات البراءة على مواليد يناير أم سترسم الأيام المقبلة عليها ملامح لا تعرف السكينة والاستسلام تجاه من يعبث بثورة ميلادهم.

 

 

نصف ثورة

 

«لم يكن «25 يناير».. هو الفيلم الوحيد الذى يرصد الثورة المصرية على شاشة مهرجان دبى، فهناك الفيلم الدنماركى «نصف ثورة» والذى جاء أكثر قسوة فى مشاهده وتعبيراته عن الحدث المصرى، هو إخراج عمر شرقاوى، وكريم الحكيم، وبينما كان الاثنان وعدد من أفراد عائلتهما وأصدقائهما يستعدون لتصوير فيلم فى القاهرة، فوجئ الجميع بشباب مصر ينزلون إلى الشارع والميدان، وتكثر الهتافات وتعلو الأصوات وتتنامى الحشود فى الشوارع والميادين، ونرى المخرجين يرصدان الاحتجاجات والحكاوى المأساوية فى عهد ونظام مبارك، كانت هناك حقائق مؤلمة ربما حظيت بإعجاب البعض الذين يتشوقون لمن يشفى غليلهم من النظام البائد وحكمه.

 

كانت المشاهد صادمة فى قسوتها وكذلك الكلمات والصور، وربما يتفق شىء ما فى فيلم 25 يناير فى الثورة لم تكتمل، وأن الشعب انتفض بصورة فاجأت العالم، لكنها صورة سينمائية رغم تركيزها على بعض من الهدف إلا أنها تجاوزت واقعية الحدث نفسه، عبر تجربة ذاتية لها بعدها الثقافى والأيديولوجى والفنى.

 

وهناك أيضا فيلم «ميدان التحرير» وهو إنتاج فرنسى للمخرج ستيفانو سافونا، وفى هذا العمل سيطرت لحظات الأمل واليأس والغضب والفرحة والشعور بالقهر ثم الابتهاج وهى الأحاسيس التى لازمت كل من بقى فى ميدان التحرير على مدار 18 يوما وأيضا كل من توجس منها أو انهمر فيها، يتابع الفيلم أهمية الحدث التاريخى فى مصر، وما كان يجرى فى هذه الفترة، وكيف بدأ التحرك الجماهيرى من خلال الفيس بوك وتويتر، وفى الفيلم نرى أبطاله نهى وأحمد والسيد أن الثورة ستكون دوما عارمة حتى يسقط النظام، وهو ما تم كشفه أيضا كرغبة للعديد من جموع المصريين، فى الفيلم نرى أبطالا جددا من الشارع أصبحت لهم حكايات، بفضل السيد فى طريق البحث عن الحرية والكرامة.

 

إنها تجارب توثق وترصد بلهفة وطنية أكثر منها سينمائية.. وشعور بالفخر للإنجاز أكثر منها تتويجا لرءوس فنية.. لكنها ستبقى أيضا فى التاريخ بفضل التاريخ الذى سكنته أحداثها.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات