18 ـ (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

18 ـ (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)

نشر فى : الجمعة 16 مايو 2014 - 6:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 مايو 2014 - 6:15 ص

هذا خبر يقين مصدره الله الخالق العليم بما خلق: ((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ))، فهو ((بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) وعلى ذلك فالإنسان ــ أى إنسان ــ قادر على التمييز بين الخير والشر، ويستطيع فعل الخيرات وتجنب الشرور والمنكرات. فلا يستمرئ الإنسان ادعاء الجهل وعدم مقدرته على التفريق بين النافع والضار، فهذا عجز مشين يخرج صاحبه من دائرة الإنسانية.

نعم فالإنسان العاقل ــ منذ الطفولة ــ يدرك الفرق بين ما يحب وما يكره، فها هو الطفل حينما يرى «بخار الماء» يتصاعد من السوائل يعرف أنها ساخنة فلا يقربها وينتظر تلاشى البخار حتى يحاول الاقتراب من السائل. بل إن «شيوخ الوعظ» يلفتون نظر العامة ليحملوا الإنسان مسئوليته فيقولون إن «القط» وهو حيوان غير مكلف يميز بين الحق والباطل، ويستدلون على ذلك بأن القط إذا خطف شيئا هرب به بعيدا، وإذا أعطيته شيئا بيدك تناوله قريبا منك دون هروب. فهل يصح أن يميز القط بين الحق والباطل، ولا يميز الإنسان العاقل؟ّ

(2)

وكل إنسان ــ دون توجيه ــ يتوقى الحرارة الشديدة والبرد الشديد، وكذلك يتوقى مصادر الهلاك، وإذا زلت قدمه فى موطن هلاك سارع مغادرا فإن لم يستطع استغاث وطلب العون، ويبقى الحادث فى ذاكرته زمنا طويلا لا يقع فى تلك الزلة السابقة، فلماذا لا يتجنب الإنسان الشرور والموبقات؟! كما يتجنب مطبات الطرق والحفر فى طريقه؟!

والإنسان بفطرته يعد الطعام قبل أن يجوع، ثم يتناول الطعام لإشباع نفسه، فلماذا لا يجهز الإنسان استعدادات العمل قبل وقت العمل؟ ولماذا لا يفكر فى المطلوب منه كما يفكر فى المطلوب له؟ لماذا لا يمعن التفكير بحثا عن البدائل التى تعينه على تجويد العمل وزيادة الإنتاج مثلما يبالغ فى التفكير والاستعداد كيف يستمتع ويرفه عن نفسه؟

هل يعجز الإنسان أن يحاور نفسه التى بين جنبيه؟

فيقول لها: «توازنى واعتدلى، فكما تعرفين حقوقك لابد أن تعرفى واجباتك»

ويعظها: «لا يصح الكيل بمكيالين، فأنت أيتها النفس وكل الناس سواء»

ويسألها: «لِمَ لا تبادرى مسرعة إلى العطاء كما تبادريت إلى الأخذ والاستحواذ؟»

ويحاورها: «لِمَ لا تتقنى العمل اتقانا كما تتقنين المتاع والرفاهية؟»

(3)

«نعم، أنت أيتها النفس ظالمة لنفسك وتكيلين بمكيالين» ودليل ذلك: الوقت المحدد لمباراة كرة القدم إذ يتم احتسابه بساعة ميقاتية بالدقيقة، كما تتم مراقبة المباراة الواحدة من خلال طاقم مكون من عدد من المراقبين، وإذا حدث أن تعطلت المباراة تم احتساب الوقت -الضائع بلا لعب - ثم يضاف وقت بدل ضائع لوقت المباراة. وهذا تنظيم جيد والتزام يستحق الإعجاب، ولكن هل يتم احتساب وقت العمل بنفس الدقة؟ وهل نراقب ساعات العمل بنفس الطريقة؟ فإذا أراد الإنسان أن يكون متوازنا فيجب أن يضبط ما عليه كما يضبط ما له وما يريد.

(4)

فهل يكون الإنسان فعلا (عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) إكراما لنفسه وإعزازا لها، فلا يحوجها إلى وعظ الواعظين؟! ولا يعرض نفسه لنقد الناقدين ولا للوم اللائمين؟

إن النفس الكريمة على صاحبها تدفعه دفعا للمبادرة للخيرات (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) فليحسن قبل أن يطالب غيره بالإحسان.

ولا يستسلم الإنسان لنفسه فإنها (أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) تدعوه للكسل والعجز والسلبية، تلك الأمراض النفسية الخبيثة التى استعاذ منها الرسول فكان دائما يعظ الناس:

«الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ»، فليحذر الإنسان أعراض الكسل والفتور والعجز والفجور، وليجعل الإنسان نفسه رقيبة عليه أو على الأصح فليراقب نفسه فإذا وجهته للحق والخير تفاعل وفعل، وإذا استدرجته للباطل والشر استبصر وامتنع، وليكن حسيبا على نفسه فى الدنيا قبل أن يحاسبها وتحاسبه فى الآخرة، وساعتها لا ينفع ندم ولا تتاح توبة.

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات