استغاثة .. ليست موجهة لرئيس الجمهورية - إسعاد يونس - بوابة الشروق
الأحد 2 يونيو 2024 5:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استغاثة .. ليست موجهة لرئيس الجمهورية

نشر فى : الخميس 16 يوليه 2009 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 16 يوليه 2009 - 9:50 م

 لايزال لدى أمل أن يستطيع الإنسان الاستغاثة بالمسئولين من ظلم ما وقع عليه.. أو فقدان حق تاه فى الدهاليز أو استولى عليه مواطن واصل.. أو وضع شائن شائك مترهل لا يتم إصلاحه أو الالتفات إليه.. وأن يلتفت إليه المسئولون من أنفسهم دون إلحاح وشكوى وبكاء ونواح وتسول.. ودون شراء مساحات فى الجرائد مدفوعة الثمن يستغيث فيها بفخامة رئيس الجمهورية.. فطالما شعرت من كثرة الاستغاثات التى تنشر فى الجرائد مناشدة رئيس الجمهورية بالتدخل لحل مشكلة ما.. أن البلد تخلو من أى مسئولين.. ليس بها إلا شخص واحد هو رئيس الجمهورية.. وكأن الرئيس متفرغ تماما لاستعادة أرض مغتصبة.. أو تخفيض ضرائب.. أو إنصاف محكوم عليه بحكم ظالم.. أو استعادة طفل مخطوف من أم أجنبية.. إلى آخر تلك المشكلات التى نطالعها فى هذه الاستغاثات.

استغاثتى ليست موجهة لفخامة الرئيس.. ولا هى استغاثة شخصية.. ولا تتعلق بشأن مواطن ما.. إنما هى استغاثة جماعية يوجهها عدد كبير من مواطنى هذا البلد.. وهى ليست لإنقاذ شخص ما.. وإنما لإنقاذ صناعة ما.. وهى ليست صناعة بسيطة مع احترامنا لجميع الصناعات كبرت أو صغرت فهى كلها لفائدة هذا الوطن ولفائدة أبنائه.. وإنما هى صناعة كبيرة ورائدة.. أهم حجر فى هرم ثقافة هذا الوطن.. وأوضح معلم من معالم ريادتها..

وهى بالتأكيد ليست موجهة لطلب إعانة ولا مساعدة.. إنما هى موجهة لطلب حق أصيل لأصحاب هذه الصناعة.. وواجب على الأجهزة المعنية به..

العنوان الرئيسى هو «احمونا من قراصنة الأفلام».. والقصة ببساطة لمن لا يعرفها ولذلك الذى يجهلها أو يتعمد تجاهلها وهم كثر.. أن الأفلام المصرية يتم سرقتها فى وضح النهار.. فالفيلم الذى يتم إنتاجه وصرف الملايين عليه يتم تصويره على شريط 35 مللى نيجاتيف ثم يتم طبعه على شريط 35 بوزيتيف وهو الذى يعرض بدور العرض..

وقد كان القراصنة فى الماضى القريب يسرقون عرق الصناع بتصوير الأفلام من كاميرا فيديو من قاعات العرض الصيفية المفتوحة.. ثم ينسخون ما صوروه على شرائط فيديو ويبيعونها فى الأسواق مغلفة بغلاف طبق الأصل من مطبوعات الدعاية.. وكانت الحرب فى ذاك الوقت تدور بين تجار الفيديو الأصليين وقراصنة صناعة الفيديو.. وتسبب هذا فى ضرب صناعة الفيديو مما انعكس على مبيعات الأفلام فى هذا النشاط حتى تقلص تقريبا.. وفقد المنتجون رافدا من روافد الدخل كانوا يعتمدون عليه بشكل أساسى فى مبيعاتهم لحقوق الأفلام..

ثم تطور الحرامية فأصبحوا يصورون الأفلام بكاميرات أكثر تطورا وهى الكاميرات الديجيتال.. إلى هنا ومسألة ضبطهم كانت أسهل لحجم الكاميرا وسهولة اكتشافها فى صالات العرض.. وكان الناس لايزالون يخشون الله والسلطات ومراقبى صالات العرض.. ثم اخترع شخص كانت نيته طيبة كاميرا الموبايل.. وكعادتنا سارعنا باستخدام التكنولوجيا التى تصلنا أسوأ استخدام فصرنا نصور بعضنا البعض ونبتز بعضنا البعض ونتعدى على خصوصيات بعض.. والمصيبة أن الاختراع يصلنا فنسارع قبل أن نفك شفرة كتالوجه إلى استخدامه فى كل ما يسىء..

كانت هواية سرقة الأفلام فى بدايتها نوعا من الفكاكة وإظهار النصاحة من شخص هاوى يود أن يتباهى أنه فالح قوى وحريف سرقة.. وواد ما جابتوش ولادة ولا شديتوش داية.. يدعو أصحابه على سهرة صباحى ليشاهدوا الفيلم الفلانى اللى ابن الصايعة لقطه م السيما.. وكان الفيلم المسروق يدور فى دائرة ضيقة ولا يتم نشره على مجال واسع.. كانوا لسه بيختشوا وعندهم دم..

الى هنا والمسألة كان يمكن تداركها لو كانت الأجهزة استشعرت الخطر القادم واستعدت له.. لو كان هناك بشر يدرسوا تطور أنواع الجرائم ويتوقعون اتجاهاتها طبقا للوسائل المتاحة والوارد تطويرها بيد الغرب طبعا وليس بيدنا..

إحنا ما نطورش ولا نخترع.. إحنا تجيلنا الحاجة على الجاهز وما علينا غير نشغل الطاسة الجهنمية فى كيفية خراب بيت بعضنا البعض بيها.. لو كان المعنيون بمطاردة حرامية الشرائط قدحوا أذهانهم فى تحليل الازدياد المطرد فى حجم البلاغات فى فترات قصيرة.. لو كانوا تأملوا حجم الخسائر التى يمنى بها المنتجون ويقارنونها بالفائدة العائدة على الحرامية من وجهة نظر اقتصادية.. لو كانوا فكروا فى حلول تعفيهم من كم البلاغات والشكاوى التى تورطهم فى حملات فجائية بينما هم غير مؤهلين لا بالأفراد ولا وسائل المطاردة والضبط.. لو كانوا قدموا اقتراحاتهم لعلماء الجريمة فى هذا البلد ليحددوا لهم نوع الجرم وتوابعه وما يمكن أن يحد منه.. هو مش فيه علماء جريمة برضه فى البلد دى واللا مافيش؟.. لو كانوا قدموا اقتراحات للمشرعين بتعديل القوانين المجرمة لهذا الفعل من ساعتها لكان الوضع اختلف كثيرا.. ولو كانت القريحة قد عجزت عن استخراع وسائل عقاب ماذا كان يحدث لو استعانوا بالقوانين المنظمة لهذه المسألة فى الخارج.. لو كانوا استعانوا بالقانون الفرنسى أو الهندى أو الأمريكى.. ده لو..

هذا لا ينفى أن هذه البلاد تعانى من قراصنة الأفلام والمصنفات عموما.. ولكن الوضع مختلف.. هناك توجد قوانين منظمة للمسألة.. ليست سداح مداح كما يحدث هنا.. أما العقوبات.. فحدث ولا حرج.. اللى بيقع بتتقطع رقبته.. أما عندنا.. كبيره كبيره ينجر على القسم ثم يعرض على النيابة.. وتصادر الأجهزة المضبوطة اللى هى عبارة عن كومبيوتر أو جهاز فيديو ويدفع غرامة خمسمائة جنيه.. ويبوس العسكرى من بقه وهو خارج الصبح مروح بضمان محل إقامته،، بالليل وبمنتهى الفجر.. تجده يقف فى نفس المكان ليتاجر فى باقى الأسطوانات التى لم تصادر بالأمس..

آخرهم ذلك الذى تم القبض عليه وهو يقوم بتحميل ثلاثة عشر لورى بأسطونات أفلام مضروبة.. وبرضه باس العسكرى من بقه وهو خارج الصبح تانى يوم.. العسكرى اللى هناك ده بقه اتهرى من البوس..

أما الضحايا أصحاب الصناعة فلم يهملوا.. اشتكوا وناحوا وصاحوا ولطموا الخدود.. قدموا ألف مليون اقتراح واجتمعوا مع جميع الأجهزة وعرضوا المساعدة فى حدود إمكانياتهم..

ولكن الجريمة تستفحل بجنون.. ولم يعد الأمر مقصورا على واد بيسرح بشرايط أو دى فى ديهات على باب السيما المعروض بها الفيلم.. بل.. أصبح الفيلم يسرق من داخل دار العرض وأحيانا من غرفة العرض نفسها.. أو ينقل من على أجهزة المونتاج.. حتى وهو غير كامل ولا زالت عليه علامات الميكساج ونقل الصوت وخلافه.. أو من الحقائب الدبلوماسية فى أثناء سفره لعرضه فى المهرجانات.. أو من الجمارك.. من أى مصدر ممكن.. وهذا معناه أن هناك عصابات منظمة ومستفيدين كبار من هذه الجريمة..

وبالمجهود الذاتى للمضروبين من الصناع.. اكتشفوا عدة أمكنة للضرب.. ويعرفون الضريبة بالاسم.. وتوصلوا لأن الفيلم يتم تحميله على الكومبيوتر وإطلاقه فى لحظة واحدة على ما لا يقل عن خمسين موقع غير قانونى حتى يتفرق الدم بين القبائل.. وفى الوقت نفسه يتم طباعته على أسطوانات ليعرض فى المقاهى والكافيهات بمنتهى الوقاحة وفى عز عز النهار وتحت الأضواء الساطعة فى المساء.. ولإثبات أن البلد سايبة وماحدش يستجرى يقرب منهم يقومون بعرض الأفلام على شاشات ضخمة فى كافيهات تقع أمام دور العرض المعروض بها نفس الفيلم.. وانقهرى ياللى مانتيش مقهورة.. والأماكن ليست سرا.. هى منتشرة مبدئيا على طول الساحل الشمالى مثلا.. وعندما اتفزعنا فزعة رجل واحد وطاردناهم فى الصيف قبل الماضى لنصور مواقعهم كنوع من إثبات الجريمة.. جريوا ورانا وضربونا..

والله العظيم ضربونا علقة موت.. ومع ذلك.. وعلى نمط الأفلام السينمائية المضروبة.. زحفنا على الأرض بدمائنا فى مشهد دراماتيكى محزن تصحبه موسيقى تصويرية نواحة باكية ونحن نحمل ما صورناه كدليل إثبات للجريمة وقدمناه للسلطات.. ولا أى حاجة.. كلنا هوا.. وظل الوضع على ما هو عليه.. وماحدش باسنا من بقنا..

حرامية ومقرصنين ورصدنا.. بياعين وطاردنا فى الشوارع.. بلاغات وقدمنا.. مواقع وضبطنا.. بل نجح بعضنا فى ضرب بعض هذه المواقع.. اشمعنى احنا بنعرف نعمل كده؟؟؟؟.. والأجهزة مش عارفة ليه؟.. قدمنا قائمة بثلاثة آلاف موقع ولم يحدث شىء.. لسه شغالين الله ينور.. بيوتنا واتخربت.. فما هو المطلوب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟..

الخوف كل الخوف أن يشعر المواطن أن حقه المسلوب لا يعود.. وأن القوانين قاصرة وعاجزة.. والعقوبات الرادعة لا تسن.. ولا أحد يهتم.. والسيما حرام.. وسرقتها حلال.. ويصبح أمرا طبيعيا أن يحاول المواطن أخذ حقه بيده.. ما هو ماحدش بيغيته.. وهنا تحدث الفوضى.. والخوف كل الخوف من هذه الفوضى.

أما نحن.. فلن نسكت ولن نستسلم.. سنظل نستغيث وننبه.. احمونا من القرصنة يا سادة.. يالهوىىىىىىىىى

إسعاد يونس  فنانة ومنتجة سينمائية مصرية
التعليقات