المغرب ــ تونس: التونسيات والديناميات الجديدة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المغرب ــ تونس: التونسيات والديناميات الجديدة

نشر فى : الثلاثاء 16 أغسطس 2022 - 7:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 أغسطس 2022 - 7:30 م
نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا بتاريخ 13 أغسطس للكاتبة آمال قرامى تناولت فيه الديناميات التى لحقت بالحركة النسوية التونسية خلال العشر سنوات الماضية.. نعرض من المقال ما يلى.
مثلت مشاركة التونسيات فى كتابة دستور 2014، بقطع النظر عن انتماءاتهن الطبقية والأيديولوجية ومستوياتهن التعليمية والثقافية، وتجاربهن وتموقعهن من داخل الأطر الرسمية (المجلس الـتأسيسى، وزارة المرأة...) ومن خارجها: الأكاديميات والناشطات وغيرهن، لحظة فارقة فى تاريخ تونس وفى تاريخ النساء. فقد تمكنت التونسيات من إبداء الرأى وممارسة النقد والضغط واقتراح البدائل وتنسيق الجهود والمناصرة والتشبيك وتكوين الائتلافات، ونجحن فى انتزاع مجموعة من المكاسب لعل أهمها التناصف ومناهضة التمييز وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى تعكس اقتناع الناشطات بأهمية التفاوض والتدرج فى مسار تغيير النصوص القانونية والعقليات.
على هذا الأساس دخلت الأكاديميات والدستوريات والنسويات وغيرهن التاريخ وتركن بصماتهن ودون سردياتهن على اختلاف زوايا النظر، وهو أمر يتعارض مع الرواية التى يراد منا تصديقها من أن هذا الدستور صناعة غربية وقد فرض على التونسيين بطريقة علوية من جهة، ومع مسار كتابة دستور 2022 الأحادى والذكورى بامتياز، ومن هنا حُق لعدد كبير من التونسيات الاعتقاد أن هذا الدستور لا يعبر عن إرادتهن ولا يعكس تصوراتهن بل إنه إقصائى نكوصى إذ ألغى فاعليتهن وحرمهن من فرصة التعبير عن مواطنتهن.
أما على مستوى تجارب اكتساب الوعى فقد أدركت التونسيات أن زمن الثورات يتطلب اقتناص الفرص لتثوير النصوص القانونية وتغيير المنمطات، وهو ما جعلهن أكثر تصميما على اكتساح الفضاء العام من خلال الحضور بكثافة فى الاحتجاجات والمسيرات والاجتماعات والانخراط فى الجمعيات والمنظمات والأحزاب. ومن خلال الممارسة اكتشفت التونسيات أولا: مدى قدرتهن على التعبئة والدفاع عن القيم كالمساواة والحرية والكرامة وغيرها، وثانيا: أنه لابد من التدرب على قبول الرأى الآخر إذ إن لكل مواطنة الحق فى التعبير عن آرائها ومواقفها والعمل على تحقيق طموحاتها والدفاع عن تصورها للمجتمع المنشود. ولاشك أن مسار الاعتراف بالآخرية الغيرية والتعددية والتنوع والاختلاف الهووى عسير.
وقد قادت النشاطية النساء إلى اكتشاف حقائق صادمة، فحين تتعارض مصالح رهط من الرفقاء مع مطالب النساء يغيب الدعم فيغدو التناصف (الأفقى والعمودى) مغالاة وتصبح المساواة فى الإرث مطلبا غير ملح لابد من تأجيل النظر فيه.. ومعنى هذا أن «الذكورية» و«الرجعية» و«كره النساء» ليست «سمات ملازمة للإسلاميين» بل ثمة من أهل اليسار والحداثة ومن التقدميين من هم أكثر تشبثا بالنظام البطريكى وبامتيازاتهم من المحافظين التقليديين، وعلى هذا الأساس نُظر، غالبا، إلى المرجعية النسوية «الليبرالية» على أنها المنقذ من الضلال فكانت العودة إلى رموزها ومرجعياتها.. وكان الترحيب بفئة جديدة من الناشطات علامة على «إحياء الحركة النسوية».
التونسيات إذن موجودات بالقوة والفعل فى هذه العشرية المتقلبة التى لم تكن فى نظر أغلبهن «سوداء» بل وفرت ديناميات متعددة وإمكانات لاختبار القدرات وأشكال المقاومة. هذا ما تعترف به النسويات وهن يسترجعن ما مر بهن من أحداث فينتجن سرديتهن «الرسمية».
ولكن حين يُصغى المرء إلى جيل «الثورة» يصبح التأريخ للنشاطية ولحضور النساء مختلفا ويغدو تقييم أداء الجمعيات ملفتا للنظر. فنحن إزاء تقسيم جديد وتراتبية مختلفة فثمة نسويات ما قبل 2011 ونسويات ما بعد 2011، بل ثمة حديث عن أجيال، وأنماط من العمل النسوى ودرجات من الوعى والفاعلية وثمة تهم متبادلة ومحاولات انتزاع للشرعية من ذلك اتهام الجمعيات العريقة بالاحتماء بنسوية الدولة كلما انتابهن الشعور بالخوف على ضياع المكاسب (بورقيبة، بن علي، الباجى قائد السبسى) فى مقابل رفض قطعى لهذه المواقف السياسية من قبل «النسوية الجديدة» والكوورية وغيرها.
وبقطع النظر عن مآل هذا «الصراع» غير المرئى نقدر أنه آن الأوان للإصغاء إلى هذه الأصوات الجديدة المنتقدة لأداء «النسويات التقليديات» وميلهن إلى إبداء التجانس والتوافق والحال أن الخلافات قسمتهن وأظهرت «العيوب» وكشفت المستور. وإذ تساءل هذه النسوية الفتية الجيل المؤسس: لم غيب المراجعات ومبادرات الإصلاح؟ ولم خفتت لديه القدرة على التعبئة؟ ولم لم يكن جريئا فى مواجهة واقعه وبنيانه الذى بدأ يتخلخل؟ تثبت أنها تفكر خارج الصندوق وتتبنى خطابا مغايرا وأشكال مقاومة مختلفة وحدية تصل إلى حد استعمال الشتيمة والكلام النابى للتعبير عن الغضب من واقع قهرى.
وبين نسوية الدولة ونسوية الجمعيات تنبثق أصوات نسويات جيل الثورة الحالم بالتغيير خارج الأطر الكلاسيكية للمعرفة النسوية التى تأسست فى الجامعات والنوادى وغيرها من الأفضية وخارج السرديات المهيمنة.. إنه خطاب مختلف جدير بأن يؤخذ مأخذ الجد.
التعليقات