احذروا غضب الحليم - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احذروا غضب الحليم

نشر فى : الثلاثاء 17 فبراير 2009 - 6:03 م | آخر تحديث : الأربعاء 18 فبراير 2009 - 12:00 م

لا أعرف إن كان الذين لايترددون فى تحدى الرأى العام واستفزاز مشاعر المصريين بممارساتهم القمعية يدركون عاقبة أفعالهم تلك أم لا، لكننى أعرف جيدا أن تلك مغامرة تشعر الناس بالمهانة وتملؤهم بالغضب، الذى يحولهم تراكمه بمرور الوقت إلى قنابل موقوتة، مرشحة للانفجار فى أى وقت.

لقد سمعنا مراراً وتكراراً أن قوانين الطوارئ لن تستخدم إلا فى مواجهة الجماعات الإرهابية، وأعلن رئيس الوزراء أمام مجلس الشعب أن إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية (الذى يخالف الدستور) لن تتم إلا فى حالتى مكافحة الإرهاب وقضايا الإتجار فى المخدرات.

لكننا رأينا أن هذه الأساليب الاستثنائية والقمعية لا تستخدم إلا فى التعامل مع الناشطين العاديين، الذين يحاولون التعبير عن أنفسهم من خلال الاحتجاجات السلمية والممارسات القانونية. وضحايا التضامن مع غزة الذين تحدث عنهم أمس نموذج حى بين أيدينا.

ذلك أنهم لم يفعلوا أكثر من إعلان رفضهم للعدوان الإسرائيلى وتضامنهم مع الشعب الفلسطينى المحاصر والمنكوب. حتى الخطأ النسبى الذى نسب إلى زميلنا مجدى حسين، واتهم فيه بـ«التسلل» إلى غزة لإعلان تضامنه مع أهلها لم يقابل بأى تفهم أو أعذار، وإنما قوبل بإحالته إلى المحكمة العسكرية التى قررت سجنه سنتين جراء «الجريمة» التى ارتكبها.

علماً بأننا لم نسمع أن أحداً من الذين حاولوا التسلل إلى إسرائيل وقعت عليهم هذه العقوبة.
من الأمور المثيرة للانتباه والباعثة على الخزى فى الوقت ذاته، أن هذا الاستقواء الأمنى فى مواجهة المواطنين المصريين والفلسطينيين أيضاً، يتراجع خطوات عديدة إلى الوراء حينما يكون الإسرائيليون هم الطرف الآخر ولكى تتأكد من ذلك، حاول أن تستدعى من الذاكرة مشهد الغضب الحكومى المصرى العارم الذى قوبل به اختراق بعض الفلسطينيين لمعبر رفح، والتصريحات النارية التى أطلقها آنذاك وزير خارجيتنا التى هدد فيها بكسر رجل أو رقبة من يعبر الحدود، ثم ضع إلى جانبه عمليات القمع الشديدة التى ووجه بها الناشطون المتضامنون مع غزة

فى مواجهة هذا الشريط «الساخن»، حاول أن تتتبع رد الفعل المصرى على عشرات الاختراقات التى قامت بها الطائرات الإسرائيلية للمجال الجوى المصرى والحدود، وهى تحاول قصف الأنفاق المستخدمة فى تهريب البضائع عند رفح. حينئذ ستلاحظ أن مصر لم تفعل أكثر من رصد الاختراقات وتسجيلها أولا بأول، ثم إبلاغ القوات الدولية بها بمنتهى الهدوء. وفى ظل ذلك الهدوء تبخر تماماً الكلام عن «كسر رجل» من يعبر الحدود، كما لم نسمع صوتاً لوزير الخارجية، ولا للأبواق الإعلامية الأمنية التى ملأت الدنيا ضجيجاً وغضباً لحرمة أرض مصر التى يعبأ الناس لأجلها تارة، ويغض الطرف عنها تارة أخرى.

يخطىء من يظن أن تحدى الرأى العام والاستهانة بمشاعر الناس واستفزازهم من الأمور التى يمكن أن تمر بسهولة، فيبتلعونها ثم ينسونها. ذلك أنه فى الأمور التى تتعلق بالكرامة، فإن المواطنين يختزنون ولا يبتلعون. وهذا الاختزان مما لا تؤمن عواقبه، وأكرر مرة أخرى، أنه يحول الناس إلى قنابل موقوتة مرشحة للانفجار فى أى وقت.

وفى موروثنا الثقافى تحذير مستمر من غضب الحليم. والحلم وطول البال من الصفات التى اشتهر بها المصريون. وهو ما ينبغى التذكير به حتى لا ينخدع أحد بصبر المصريين وصمتهم، الذى لا ينبغى أن يستقبل بحسبانه من علامات الرضا. والشواهد التى لاحت فى الفضاء المصرى خلال العامين الأخيرين تدل على أن ثمة تململاً فى المجتمع الذي فاض به الكيل، عبر عن نفسه بأشكال عدة لم تكن مألوفة من قبل.

ففى الأسبوع الماضى لجأ 800 مواطن من أهالى المحلة الكبرى إلى الجلوس على قضبان السكة الحديد فى عز البرد، احتجاجا على تدهور الخدمة بالقطارات. ومن قبل، هؤلاء قام أهالى برج البرلس فى محافظة كفر الشيخ بقطع الطريق الدولى، بسبب مشكلة حدثت فى توزيع الدقيق، إلى غير ذلك من «الانتفاضات» المحدودة التى تبعث إلى من يهمه الأمر برسائل تفصح عن الغضب المكتوم، ويتعين على هؤلاء تسلمها وقراءة محتواها جيداً قبل فوات الأوان.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.