كسر أقفال المعرفة الدينية - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كسر أقفال المعرفة الدينية

نشر فى : الثلاثاء 17 مارس 2015 - 11:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 17 مارس 2015 - 11:05 ص

استطاع المؤرخ محمّد الطالبى أن يسرق الأضواء لمدّة وأن يسحب البساط من تحت الدواعش إذ هيمن على أحاديث الناس كلّ يصنفه فى دائرة: الكفر والزندقة والمروق عن الإسلام أو دائرة الفكر التنويرى، والقراءات المنخرطة فى الإصلاحية الجديدة، وتثوير الخطاب الدينى. وقد انقسم التونسيون، بعد تصريحات الطالبى حول أحكام الخمر والدعارة إلى فئة مناصرة ومدافعة عنه فى مقابل فئة تسخر من أقوله وآرائه وسلوكه بل وصل الأمر إلى الدعوة إلى الحجر عليه فهو هرم ما عاد يعقل.

وقد استغرب عدد من زملائنا عدم انخراطنا فى هذا الجدل، والحال أنّ علاقة متينة تربطنا بالأستاذ الطالبى والواقع أنّنا ارتأينا ألا نخوض فى آراء الطالبى بل فى دلالات هذا النقاش، وما سيترتّب عن هذه القراءات من انعكاسات.

•••

لقد أدّى ظهور الطالبى فى القنوات الخاصة طيلة أسبوع، إلى فضح الخلفية «الثقافية» التى يفتقر إليها عدد من المحسوبين على القطاع الإعلامى وطريقة تعامل بعض «الإعلاميين» مع النخب المثقفة التى تتعارض مع آداب الحوار، وتعرى هشاشة التكوين وضعف المستوى الثقافى إذ ما استطاع أيّ «إعلامى» أن يثبت أنّه مطلّع على كتابات الرجل، ملمّ بالإشكاليات التى يطرحها وقادر على تفهمّ سياقها، وهو أمر يدعونا إلى التأمّل فى وضع الثقافة، ومنزلة المثقفين، ومساحة البرامج الثقافية فى بلد مرّ بثورة، ولكن يبدو أنّ مجالاتها كانت محدودة لم تشمل تغيير العقليات التى تصوغ السياسات الإعلامية. كما أنّ هذا الوضع يحفز بعض المشرفين على القطاع على التفكير فى نوعيّة التكوين الذى يجب أن يخضع له طلبة المعهد العالى لعلوم الصحافة حتى يتلاءم مع السياق الحالى الذى كسرت فيه الأقفال وبات الحديث فى السياسة والدين والاقتصاد والاجتماع والثقافة يتطلّب دراية ومعرفة.

أمّا النتيجة الثانية التى أفضى إليها ظهور الطالبى فتكمن فى أنّه فتح المجال أمام الناس ليتناقشوا فى مسائل عادة ما احتكر «أولو العلم» البحث فيها، وهو ما يندرج فى متطلبات المناخ الجديد الذى ساد بعد الثورة إذ اقتضى تشكّل الفضاء العامّ مشاركة الناس فى تدبير الشأن السياسى والشأن الاجتماعى والشأن الدينى. ولئن دعا بعضهم إلى ضرورة إرجاع الحوار إلى الفضاءات المغلقة، والتى يتناقش فيها الخواص بدعوى أنّ العوام غير قادرين على فهم هذه المسائل فإنّ مبادرة الطالبى بالحديث عن هذه «المحظورات» الفكرية أربكت هذه التراتبية الهرمية التى تؤدى إلى الفصل بين الخاصة والعامة من جهة، وتقيم الجدران العازلة بين من يصنعون الفقه، ويسوّقون المعرفة، ومن يطلب منهم التسليم، والتنفيذ، من جهة أخرى. ونقدّر أنّ هذه الدعوات إلى «إلجام العوام» والحدّ من حريّة التفكير وحرية التعبير ما عادت تقنع فالزحزحة قد حدثت، والمراجعات قد حدثت منذ مدّة وما حدث هم اتّخاذ الوسيط الإعلامى مطيّة للوصول إلى الجمهور، وعرض هذه القراءات عليه والتفاعل مع ردوده.

وتتمثل النتيجة الثالثة فى «هندسة» فضاءات النقاش حول المسائل الدينية. فبعد انحسار القضايا الدينية، طيلة مرحلة الانتقال الديمقراطى، فى المساجد والساحات التى سيطر عليها الدعاة، وأصحاب الأحزاب الإسلامية (العبادات، الجهاد، تأديب النساء، فضائل النقاب...) فتح الطالبى الباب على مصراعيه على قضايا ذات صلة بفقه الاختلاف، وأقوال العلماء المغمورين، و«القراءات الشاذة»، والاجتهادات المغيّبة...، وهو ما سيسمح بإحداث ديناميكية جديدة.

•••

وعلاوة على ما سبق أدّى شيوع آراء الطالبى بين الناس إلى وضع «مدنيّة الدولة» تحت الاختبار، والحريات التى كفلها الدستور على محكّ التجربة. فإلى أيّ مدى سيكون السياسى على مسافة مما يحدث؟ وكيف سيتفاعل السياسى مع الديني؟ وفق هذا الطرح كان بيان مفتى الجمهورية، وهو الجهة الرسمية معبّرا عن محاولة «لإمساك العصا من الوسط»، أى الدفاع عن حرية التفكير، وعن الحق فى الاختلاف، وصون أرواح المفكرين، من جهة، وحراسة منظومة فكرية تأسست على الثوابت، والأحكام القطعية الدلالة، والمعلوم من الدين بالضرورة، من جهة أخرى.

ليست آراء الطالبى وتمسّكه بحقّه فى التفكير والتعبير إلاّ علامة على الحراك الذى حدث فى المجال المعرفى التونسى طيلة عقود ولكنّه ظلّ حبيس الدوائر المغلقة والرفوف.

التعليقات