لماذا لا نقرأ التتالوج؟! - كارولين كامل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا لا نقرأ التتالوج؟!

نشر فى : الإثنين 17 أبريل 2023 - 7:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 17 أبريل 2023 - 7:24 م
أهوى قراءة نشرات الأدوية، والملصقات على المساحيق والمنظفات وغيرها من المنتجات، وأوراق الجرائد الملفوف بها الساندوتشات، وغارقة فى الزيت الحار، وعلى الرغم من إيمانى أن لا شىء يُغنى عن القراءة بشكل عام، إلا أنه قليلا ما أتوقف لأقرأ كتالوج أى من الأدوات الكهربائية، أو الأثاث الحديث الذى يعتمد تركيب قطعه بعضها البعض بقطع صغيرة أخرى، وأجدها لعبة تحدٍ أن أنجح فى التعامل مع هذه الأشياء عن طريق التجريب والخطأ طالما لا تتسبب محاولاتى فى تخريبها، وهو ما أسميه بالذكاء الفطرى للمصرى، وفى تسميات أخرى يُعرف بـ«الفتى».
ولأن مجلس إدارة العالم أدرك حاجة الناس للمساعدة، فقد أتاح جوجل وموقع اليوتيوب الإجابة عن كل سؤال بخصوص تركيب وصيانة الأعطال البسيطة لكل شىء، إلا أن وجود هذه الفيديوهات لا يُغنى عن قراءة الكتالوج كما أكد لى أحد أصدقائى المتخصصين فى كل شىء تقريبا، خاصة أنه الوسيلة لمعرفة إن كان العطل بسبب سوء استخدام أم عيب صناعة.
• • •

ثلاث قطط فى شقتى، تصيبهم حالات من الانتعاش، حيث يطاردون بعضهم البعض، ويتعلقون فى جميع الأشياء حتى رقبتى، وفى أحد المرات تعلق أحدهم بالتلفزيون، وحاول الآخران جذبه واختلط عليهما ذيله مع الأسلاك، وأدركت أن لطفى الزائد تجاه هذه الكائنات بريئة الطباع صار يهدد هيمنتى وأجهزتى، واستخدمت لهجة حادة من أجل لفت نظرهم أن التلفزيون خط أحمر، وما كاد أن يمر يومان، حتى تعلق القط مرة أخرى، وهذه المرة سمعت صوت طقطقة يصدر عن الجدار، وتبين أن الحامل تزحزح قليلا من مكانه.

التلفزيون الذى سبق وقام كهربائى بتعليقه على الحائط، قررت إنزاله وتركيب الأرجل له ووضعه قريبا من الأرض، وتذكرت أن الكهربائى استخدم الكتالوج أو «التتالوج» كما ينطقه، وأبهرنى طلبه حينها، لأنه على عكس أقرانه من العمال الذين لا يكترثون لهذه الأوراق، وعن نفسى أتحدث أيضا.
لم أتذكر أين احتفظت بالمسامير الخاصة بالأرجل مع الكتالوج، طمأنت نفسى أن المسامير كلها تتشابه، وبحثت فى علبة الأدوات، وبعد اختبار العشرات، وجدت عدة مسامير يفصلها عن المقاس المضبوط أقل من سنتيمتر.

لم يكن التلفزيون ثابتا بشكل كافٍ بسبب عدم ملاءمة المسامير، الأمر الذى أرهق ذهنى بكل السيناريوهات المحتملة لسقوطه، إما لأسباب طبيعية، أو لحادثة، المتهم الأول فيها القطط، وكل عدة أيام أطمئن على ثبات الأرجل النسبى.

وفى أحد الأيام وبشكل أقرب إلى تدخل إلهى لإنهاء معاناتى مع القلق، وجدت الكتالوج والمسامير أثناء إعادة ترتيب أحد الأدراج، أعدت الكتالوج مكانه، وبعد ساعتين كدت أن أبكى فيهما من عدم ملاءمة المسامير المختارة للتلفاز، صور لى ذهنى أنها مؤامرة إلكترونية ضدى.

وفى خلال هذه الهدنة القصيرة، تذكرت جملة صديقى «أبوس إيدك اقرى الكتالوج»، أحضرته وتصفحته وأنا عابسة وأسخر من المكتوب لأنه بالنسبة لى معروف بالفعل، حتى طالعتنى الصور موضحة أن الأرجل لابد أن تميل قليلا حتى يتم توزيع ثقل التلفزيون، وأنا كنت أفعل العكس كليا، بدفعها حتى تكون فى خط مستقيم، تجسد لى صديقى فى الصالة وهو يقهقه ويسخر منى أنا وآخرين.
• • •

إلى جانب إلحاح صديقى على أن أقرأ الكتالوج، لا يتوقف عن الاندهاش كلما رويت له كيف أعدت الحياة إلى غرفة مظلمة بتغيير اللمبة، أو شد أسلاك جديدة، وغيرها من الأعطال البسيطة المنزلية، التى قمت معها بدور الكهربائى أو السباك، خاصة أن والدى لعب هذا الدور طوال حياتنا وما زال يلعبه رغم بلوغه الخامسة والسبعين، وأحسن تعليمنا الكثير.

شعارى الدائم ونصيحتى لكل صديق وصديقة، طالما لديك العدة كاملة فى المنزل من أصغر مسمار و«فيشر»، ومفكات وزردية، وصولا إلى الشنيور بكافة «البُنط» والسلم، فأنت فى أمان من الحاجة إلى العمال قدر الإمكان، وبالنسبة لى لا أرتاح إلا بعد أن أعرف بنفسى طبيعة العطل حتى لو لجأت فيما بعد إلى مساعدة، ولأسباب خفية أو لأن أمى تدعو لى، فنادرا ما أعجز عن حل المشكلات البسيطة.

ولكن على الرغم من المعرفة التى أورثها لى أبى، ودعاء أمى، إلا أن العلم أثبت أن لكل صنايعى هفوة، وكانت هفوتى عندما توقف فرع النور فجأة عن العمل، وأدركت أن مشكلته فى الفيشة التى تحتاج إلى إحكام عقدة السلك بداخلها، وفى دقائق كنت قد أتممت المهمة، أمسكت بنهايته، ووضعت الفيشة فى البريزة وأثبت لى أنه يعمل بنجاح، بتعرضى لصعقة كهربائية أطاحت بى حتى كاد أن يتوقف قلبى، ولولا أن الشبشب فى قدمى، وأصابعى بعيدة من الطرف الآخر من السلك، ربما كنت الآن بعيدة عن كتابة هذا المقال.

هدأت وفركت يدى المصعوقة، وبحثت عن سبب مرور التيار فى جسدى، واكتشفت أن طرف فرع النور غير محمى بشريط لحام يعزله، هززت رأسى غاضبة من نفسى لفداحة الخطأ الذى وقعت فيه، لأن الكشف عن الأسلاك العارية، واختبارها بالمفك المخصص لهذا والمعروف بـ«مفك التست»، من البديهيات قبل البدء فى أى عمل متعلق بالكهرباء، وصار لدى يقين الآن أن تجربتى فى صيانة الأعطال، وكوب الشاى الخمسينية الذى أضعه بجوارى أثناء العمل، أداء غير كافٍ حتى ألعب دور الصنايعى المحنك بهذه الأريحية.
• • •

«احنا شعب ملوش كتالوج»، ولدينا أذكى طفل فى العالم، هكذا نحب التفاخر، ولكن يبدو لى الآن أن افتقارنا للكتالوج والاعتماد على ذكائنا الفطرى، مُكلف ومضيعة للوقت وخسائره أكبر بكثير من بذل تلك الدقائق المعدودة للتعرف على ما بين أيدينا، عوضا عن أن نقع ضحايا المؤامرة الخفية المتخيلة، كما شعرت أنا تجاه التلفزيون وكنت فى طريقى لكتابة شكوى لدى جهاز حماية المستهلك أستغيث من تلفاز لا تناسبه أرجله.
كارولين كامل صحفية مصرية
التعليقات