الملاعب المكيفة.. - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الملاعب المكيفة..

نشر فى : الجمعة 17 ديسمبر 2010 - 7:30 م | آخر تحديث : السبت 18 ديسمبر 2010 - 9:22 ص

 ربما جاء فوز قطر باستضافة كأس العالم سنة 2022 بمثابة مفاجأة سارة لمعظم الشعوب العربية، تعويضا عن الخيابات والانكسارات التى شابت العلاقات الرياضية بين دولها ، وتسببت فى الاعتداءات والمعارك التى نشبت بسبب كرة القدم بين مصر والجزائر، وما نجم عنها من أزمة فى العلاقات، وبين الجزائر والسودان فى مباريات التصفية التى تقام للمشاركة فى كأس العالم، وكانت مصدرا لتعكير صفو العلاقات بين دول عربية شقيقة حول أمور بالغة التفاهة. ولكنها فى معظم الأحوال ترمز إلى كل ما تبقى للشعوب من مشاعر الكرامة الوطنية والانتماء والتنفيس عن الكبت القومى.

ومن أجل هذا أخذ الجميع يكيلون المديح لقطر تلك الدولة العربية الصغيرة. ويغبطونها على نجاحها فى إدارة ملفها أمام الفيفا فى معترك دولى حافل بالصراعات والمنافسات ببراعة وحنكة، وفى صمت ضمن لها الفوز حتى على أمريكا.. التى لم تحتمل أن تنتصر عليها دولة صغيرة مثل قطر، وأثارت صحفها كثيرا من الشكوك حول الأساليب التى استخدمتها الإمارة الخليجية الصغيرة بأموالها فى الوصول إلى هدفها. وكان من أطرف ما نشرته صحف أمريكية من باب التهكم والنقد، هو كيف وافقت اللجنة الأوليمبية على بلد تصل درجة الحرارة فيه أثناء المباريات خلال الصيف إلى تدرجة تزيد على 50 مئوية؟!

ولكن هذا الهجوم لم يمنع نقادا آخرين من رؤية الجانب الإيجابى المضىء فى وقوع الاختيار على قطر لمباريات كأس العالم.. وفى رأيهم أن بعض الخير قد يأتى من وراء هذا الاختيار، حيث تلتزم قطر ببناء 12 استادا جديدا كملاعب للكرة، كما تلتزم بتكييفها بأحدث «تكنولوجيات البيئة النظيفة».. وربما كان هذا ما لفت نظرى وأنظار المدافعين عن البيئة!

وقد تبدو المسألة بعيدة عن التصديق بالنسبة لنا. ولكنها من الناحية التكنولوجية ممكنة التطبيق. وهذا ما ينبغى أن يلفت أنظار العالم العربى إلى الإمكانات الهائلة للاستفادة من الطاقة الشمسية. حيث تقوم الفكرة على أساس استخدام الطاقة المتجددة، عن طريق تغطية أسقف الاستاد بألواح مجمعة للطاقة الشمسية لتشغيل مولدات تطلق هواء باردا. وهى قادرة على تخزين الطاقة التى تجمعها التى تستخدم فى تشغيل المكيفات. وعندما لا يكون الاستاد مشغولا أى خاليا من اللعب، فإن الطاقة المختزنة يتم تحويلها إلى محطة للمولدات الكهربائية والاستفادة بها فى أغراض أخرى. فإذا أخذنا فى الاعتبار تلك المساحات الشاسعة من الصحراوات التى تغطى أجزاء من الكرة الأرضية وتتعرض لأشعة الشمس ساعات طويلة متعاقبة، أمكننا أن نتصور كيف سيكون من السهل تحويل هذه المناطق الجرداء إلى مناطق تنبض بالحياة، عن طريق الطاقة الشمسية المتجددة بتكنولوجيات صديقة للبيئة.

هذه هى التجربة التى ستطبق لأول مرة على نحو عملى فى مساحات كبيرة لـ12 استادا لكرة القدم، بالاستفادة مما يطلق عليه «التكنولوجيا الخضراء» التى لا ينتج عنها تلوث بيئى. وهو ما يعتبر تحديا لحكومة قطر ومدى قدرتها أو رغبتها فى استخدام هذه التكنولوجيا.

غير أن المشكلة التى تبقى بعذ ذلك، هى ماذا ستفعل قطر بهذا الكم الهائل من الطاقة المتجددة، بعد أن تنتهى مباريات كأس العالم وينفض المولد ويذهب أكثر من ثلاثة ملايين من اللاعبين والمشجعين والإداريين وجماهير الكرة كل إلى حال سبيله؟!

بعض الدول التى وقع عليها الاختيار فى مرات سابقة لإقامة مباريات كأس العالم، واجهت مأزقا مماثلا حين أقامت منشآت وفنادق ومبان لاستضافة الفرق المشاركة وعشرات الآلاف من المشجعين والسائحين والزوار، وأنفقت أموالا طائلة فى التخطيط والتشييد والبناء، ولم تخطط لطريقة الاستفادة منها بعد انتهاء المهرجان الكروى!

غير أن هناك أسبابا تدعو للاعتقاد بأن ما يشهده العالم من تطور وتقدم خلال السنوات العشر المقبلة وإلى أن يأتى الدور على قطر، سوف يبتكر العالم حلولا لهذه المشكلة لاستعادة جانب من الإنفاق الذى تكبدته قطر. وقد قرأت أن من بين الأفكار المطروحة أن تبيع قطر بعض منشآت الملاعب إلى دول أخرى بعد انتهاء مباريات كأس العالم.. وهذا فى اعتقادى هو التحدى الحقيقى الذى لا يجب أن نحسد عليه قطر أو نقلل من ضخامة العبء الذى تنهض به. ومن يدرى كيف ستكون صورة العالم عام 2022؟!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات