فساد بلا فلول - وائل جمال - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 9:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فساد بلا فلول

نشر فى : الإثنين 18 فبراير 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 فبراير 2013 - 9:00 ص

فى المعجم الوسيط فَلّ من فلان عقلُه ـِ فَلاًّ: ذهب ثم عاد. وـ فَلّ السّيفَ ـُ فَلاًّ: ثلمه وكسره فى حدّه. ( فَلّ ) السيفُ ـَ فَلَلاً: تثلّم حده فهو أفلّ. . وـ فَلّ فلان: ذهب ماله. ( افْتَلّ ) السّيفُ: انكسر حدّه. ( انْفَلّ ) السّيفُ: انثلم حدّه. وـ القوم: انهزموا.

 

) فلول. وـ المنهزم. ( يقال للواحد والجمع ). وـ الأرض الجدبة لم تمطَر. ويقال: فلان فلّ من الخير: خالٍ منه. ( ج ) فلول. ( الفِلّ ) الأرض لا نبات فيها. ( الفِلّة ): سِدادة للقارورة من الفِلّين. ( الفُلَّى ): الكتيبة المنهزمة.

 

•••

 

ثلاثة تصريحات صحفية لقيادات فى نظام الرئيس مرسى فى أسبوعين أو أقل تقول نفس الشيء. الأول للمهندس حاتم صالح وزير التجارة والصناعة من برلين لوكالة أنباء الشرق الأوسط (٣١ يناير) يقول فيها إنه «ليس صحيحا أن النظام السابق سقط وانتهى برحيل النظام السابق حسنى مبارك ورجاله، فكلنا مبارك»، مضيفا أن من تصدمه الكلمة «يجب أن يدرك أن كلا منا ترسخ بداخله، على مدار ٣٠ عاما، جزء من هذا النظام». وأضاف الوزير أن «الحكومة بدأت إجراءات التصالح مع بعض رموز نظام مبارك الذى لم يكن كله فاسدا»، «ومن لم يفسد أو فسد فسادا ليس به دم سنتصالح معه بالأطر القانونية، وهذه نية النظام الحالى وهو ما سيتحقق».

 

التصريح الثانى كان بعدها بيومين للقيادى ورجل الأعمال الإخوانى حسن مالك الذى يعلن مبادرات ويدير مفاوضات للتصالح دون وضعية رسمية. قال مالك فى حوار هاتفى للوطن ردا على سؤال: انتشر مصطلح «فلول» مؤخراً.. فهل يوجد رجال أعمال فلول؟ ما نصه: « طبعا لا، فهم رجال أعمال مصريون وأصحاب رؤوس أموال، حتى وإن كانت لهم مصالح خاصة دفعتهم لأن يتعاونوا مع النظام السابق، وأقصد بهؤلاء من لم يتعدوا على حق عام، أى رجال الأعمال الذين لا يواجهون أى قضايا جنائية، ولم يتورطوا فى قتل الثوار».

 

أما التصريح الثالث فنشرته الشروق يوم الجمعة على لسان وزير العدل أحمد مكى قائلا: «مفيش حاجة اسمها رموز النظام السابق، فيه حاجة اسمها مستثمرين ورجال أعمال». ويضيف الخبر نقلا عن مصادر حكومية رفيعة المستوى أن الحكومة ستدخل تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية تتعلق بعملية التصالح مع المستثمرين ورجال الأعمال الذين طالتهم المساءلة القانونية.

 

وإذا أخذنا بالمعنى اللغوى لكلمة فلول كما يظهرها المعجم الوسيط فقياديو نظام مرسى الثلاثة محقون: فلا تثَلَّم سيف الفساد ولا انكسر، ولا انهزم رموز النظام السابق لكى يكونوا فلولا بينما فى الحقيقة فلَّت الأرض وأجدبت وخلت من النبات وفللنا من المال: أى راح منا نحن.

 

•••

 

صار العدل ملكا لمن يملكون الثمن

 

بلور السيد حسن مالك فى مقابلة مع رويترز مساء الجمعة ٢٨ أكتوبر ٢٠١١ استراتيجية الاخوان للتعامل مع السياسة الاقتصادية بقوله :»السياسات الاقتصادية التى كانت متبعة فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك كانت تسير فى الطريق الصحيح لكن شابها تفشى الفساد والمحسوبية». وبعد حوالى سنة ونصف من هذه التصريحات منها ٦ أشهر من حكم الرئيس مرسى، تستمر السياسات الاقتصادية وتختفى الحرب على الفساد.

 

وفى الحقيقة فإن مثل هذه الاستراتيجية كانت تشى بذلك منذ اللحظة الأولى. وهل يستطيع أحد أن يفصل ما هو مالى عما هو سياسى فى شخص أحمد عز مثلا؟ لقد كان الفساد والمحسوبية جزءًا أساسيا فى تركيبة الحكم الذى خلعت الثورة رأسه، وكان هذا مكونا رئيسيا فى عملية تبنى سياسات تحرير أسواق المال والخصخصة وتخصيص الأراضى ودعم الدولة للأغنياء تحت شعارات الأسواق الحرة. فى الحقبة الأخيرة من نظام مبارك تحول الفساد من مجرد صورته الانفتاحية المتمثلة فى رشوة أو عمولة للمسئول الحكومى إلى مكون رئيسى فى تحديد السياسة ومن يصنعونها، والمصالح الأساسية التى تصاغ من أجلها فى الاقتصاد وغيره. وبالتالى فإن القضاء على الفساد يصير مستحيلا فى الحقيقة دون إسقاط النظام فى شق السياسات الفاسدة وطريقة العمل.

 

ولأن حكم الاخوان فى السياسة الاقتصادية واضح منذ البداية فى أنه لا يستهدف اسقاط النظام القديم فقد كان طبيعيا أن تأخذه الطريق لآخرها فيبدأ فى التصالح حتى مع رؤوسه الظاهرة (كحسين سالم ورشيد وياسين منصور والمغربى وغيرهم)، وليس فقط مع المصالح الاستراتيجية للنظام مع الإطاحة بالوجوه المكشوفة فقط.

 

ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن عمليات التصالح هذه لا تندرج تحت أى نظام قانونى واضح، وتغيب عنها أى شفافية، ويغيب عنها أى عنصر ردع، ناهيك عن رد الحقوق المغتصبة، وإرساء دعائم نظام قانونى جديد يقاوم الفساد. وفى مقال نشر فى ايجبت اندبندنت فى ٣٠ يناير قال مدير الشرق الاوسط بمنظمة الشفافية الدولية كريستوف فيلكه تعقيبا على رفع حظر السفر عن مبارك وولديه فى قضية هدايا الأهرام إن سياسة النائب العام الجديد تجاه الفساد تجعل «النزاهة قابلة للبيع والشراء»، مضيفا أنه «لو كانت الحصانة من القضاء تشترى بالمال فإن العدالة لا تباع وتشترى فقط وإنما صارت ملكا للأغنياء».

 

•••

 

فى الوقت نفسه يخبرنا تقرير المنظمة الصادر فى ديسمبر الماضى عن الفساد خلال ٢٠١٢ أن موقع مصر تراجع ست مراكز كاملة فى عام واحد إلى المرتبة ١١٨ عالميا، فى مستويات الرشوة واستغلال السلطة والتعاملات السرية غير الشرعية، بينما «تم التعهد بوعود كبرى وأخذت خطوات قليلة وصغيرة».

 

من ناحية، يلاحظ توقف قضايا الفساد الكبرى بعد الأسابيع الأولى لسقوط مبارك. فقد حول هو عددا من قيادات حزبه ورجال أعماله ثم واصل المجلس العسكرى ذلك تحت ضغط المليونيات فى قضايا نعرف أنها تافهة مقارنة لحجم الجرائم وقدرها الحقيقيين. والآن صار هؤلاء يخرجون للحرية واحدا وراء الآخر. وخلال السنة الماضية، وحتى بعد أن أطاح الرئيس مرسى بالنائب العام المتهم بانتمائه للنظام المخلوع، يركز النائب العام الجديد على الصحفيين والاعلام وقضايا صغرى مكتفيا بقضية هدايا الأهرام (وهى أيضا قضية صغرى)، ليتم التصالح فيها مقابل المال.

 

ومع معرفة أن القوانين الحالية قاصرة فى ضبط ممارسات الفساد، ربما عمدا من النظام المخلوع، لم يتم تعديل قوانين الفساد بما يتلافى هذه الفجوات، وعلى رأسها قوانين سوق المال. ويبقى تعارض المصالح، الذى كان سمة أساسية لفساد النظام القديم، دون تنظيم قانونى. بل ويسلك النظام الجديد سياسات من شأنها إثارة شبهات تعارض المصالح، كما فى حالة وزير التجارة والصناعة، الذى ترقد بحقه أوراق اتهام باحتكار سوق الألبان حركها الوزير الذى سبقه محمود عيسى بناء على تحقيقات جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار. ثم تضربنا الأخبار عن تعيين ابن الرئيس فى الحكومة وتعيين بعض أقاربه فى مناصب حكومية، بينما أحجم هو نفسه عن إعلان ذمته المالية وقت تسلمه السلطة، بعد أن كان قد وعد فى حملته بإعلانها إن فاز فى الانتخابات.

 

يضاف إلى ذلك استمرار اقتصاد الجيش غير العسكرى (فى المكرونة ومحطات الوقود والمياه المعدنية والنوادى التى تشترى لاعبى الكرة بالملايين) منيعا أمام أى رقابة، بعد أن تم تحصينه فى الدستور الجديد بدلا من كشفه أمام عين الرقابة الشعبية. ناهيك عن المال السياسى الذى لا قيود عليه إلا اللهم فى حرب الدعاية التى تخوضها الجماعة ضد منافسيها باتهامات التمويل الخارجى، بينما تظل الجماعة نفسها بلا وضعية قانونية أصلا ناهيك عن شفافية مصادر دخلها أو تمويل أنشطة حزبها الواسعة.

 

•••

 

لاذع كالْفُلْفُلُ

 

فى مختار الصحاح (فَلَّ) الْجَيْشَ هَزَمَهُ وَبَابُهُ رَدَّ يُقَالُ: (فُلَّهُ فَانْفَلَّ) أَيْ كَسَرَهُ فَانْكَسَرَ. وَيُقَالُ: مَنْ قَلَّ ذَلَّ وَمَنْ أَمَرَ فَلَّ. وَ (الْفُلْفُلُ) بِالضَّمِّ حَبٌّ مَعْرُوفٌ. وَشَرَابٌ (مُفَلْفَلٌ) يَلْذَعُ كَلَذْعِ الْفُلْفُلِ. ولأن النظام قائم، كما أخبرنا الوزير حاتم صالح، ومترسخ فيه شخصيا، على عهدته فى تصريحاته، فليس للفساد فلول فعلا. فلم ينكسر الفساد لأن سياسات الفساد قائمة وإن تغيرت الوجوه، بل إن بعض وجوهه العفنة مدعوة الآن للعودة فى بناء النهضة. لن ينهزم الفساد إلا بسقوط النظام حقا. وفى هذه المعركة فإن كل فرد من الملايين، ممن لم يترسخ فيهم مبارك ونظامه كحال السيد الوزير، ممن سعوا ويسعون لإسقاط نظام القمع والاستغلال والفساد، سيظل فى عين الفاسدين، لاذعا كالْفُلْفُلُ، إلى أن نعلن النصر فنقول: فللنا الفساد فانفل

وائل جمال كاتب صحفي
التعليقات