نوم الهنا - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نوم الهنا

نشر فى : السبت 18 فبراير 2017 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 18 فبراير 2017 - 9:30 م
قال يوما صديقى: «عندما تعودين من السفر سنعرض الأفلام الجديدة التى أتيت بها لدى فى المنزل»، أعطانى أمل ولكل من حوله أننا سنشاهد المزيد من الأعمال السينمائية ونسهر معا لأنه يرغب فى ذلك، وأنه متشبث بالحياة رغم ظروف مرضه المتذبذبة التى تشبه حالة الطقس فى شهر أمشير، وأنه سيتحدى كل هذه الأسلاك التى لا تتواصل فيما بينها رغم أنها مربوطة بجسمه. ثم رحل. وقال آخر، بنظرة زائغة، تهمس «ليس بعد»، إن لدينا الكثير لكى نفعله وإننا سنقوم بأشياء هامة مؤجلة. ردد ذلك مرارا، مؤكدا على الفكرة، وهو يشعر ربما بوحدة فظيعة، رغم عدد المحيطين به.

نظرة المريض واتصال العينين يشى بالكثير فى مثل هذه اللحظات الحرجة. تدور نقاشات غير محكية بين الأشخاص المقربين. نرغب فى أن نهب للنجاة، لكننا لا نستطيع، وهو فقط الذى يجند كل قواه ليظل على قيد الحياة، يفيق ويغيب عن الوعى ويعود إلى حيث لا ندرى، ثم يرجع أم لا، وينام نوما طويلا، نتمنى نحن أن يكون نوم الهنا، وأن ينهض من سريره شافيا متعافيا.

***

نفسيا، نحتاج للموت لكى نحيا، فالإنسان مسكون بهاجس تجاوز الموت. طول حياته يركض وراء الحب والصداقة والحرية والعمل والمال، وفجأة قد يصل إلى الشيخوخة. وهو يأمل أن يستمر فى الحياة على نحو ما، ويتألم لفكرة فراق من يحبهم ويخاف من تجربة الموت التى لا يعلمها. يمر شريط ذكرياته أمامه وكأنه يتفرج على ألبوم صور عائلية أو يعيد قراءة خطاباته وأوراقه القديمة. يفقد أحيانا الرغبة فى الأكل والشرب، ويعطينا انطباعا أن أحدا لم يعد يسكن هذا الجسد، لكنه يقاوم وينكر ما لا يعرف بشكل تلقائى. يظل يبنى جدران مدينته، كما جلجامش بطل الأسطورة. يبحث عن الخيمة التى تمنح الأمان للمطارد الخائف. وينام لكى يستريح قليلا أو كثيرا.

***

شبح الموت هو ما يحثنا على أن يكون لنا أولاد يحملون ذكرانا وأسماءنا، وهو ما يجعل المبدع يترك ما يخلده، فيكتب مثلا المؤلف ما سيشغل الناس والعامة لسنوات وسنوات، وما يعرف مقدما أن الباحثين والأكاديميين سيتناولونه بالتحليل والتمحيص خلال قرون. جذوة الحياة التى قد تنطفئ فى أى وقت تبعد عنا الملل، لذا نقول: نحن بحاجة نفسية للموت لكى نعيش.

نفهم مرات من كلام هؤلاء الذين يمرون بالتجربة أنه هكذا تولد الأشياء، عادية، بسيطة. ونفهم فى أحيان أخرى أن زمن الصمت قد بدأ، وأن الحكايات لا تنتهى بالموت، وأن الحب والكراهية لا يقفان عند هذا الفاصل، بل يستمران فيما بعد، ويتجاوزان حالة النوم المؤقت الذى قد يتحول إلى أبدى.
التعليقات