دم أبوهم لونه إيه؟ - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دم أبوهم لونه إيه؟

نشر فى : الإثنين 19 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 19 مارس 2012 - 8:00 ص

فى كل مرة كنت أسمع فيها قصيدة الشاعر جمال بخيت «دين أبوهم اسمه إيه؟» وهو يسأل صارخا فى قصيدته عن دين اللى داسوا فوق رءوسنا بالبيادة، واللى سرقوا ضوءنا، وصادروا نيلنا. ودفعونا ثمن وضوءنا، واللى باعوا وطن بحاله. خضرته وصفرة رماله. خطوته وسنين نضاله. كنت كلما سمعتها قبل الثورة يلوح أمامى وجوه بعض الرموز التى لدى يقين أنهم من هؤلاء اللى داسوا، وسرقوا، وصادروا، وباعوا. بعضهم يقطن الأن طرة، ينعم فيها بألذ ما تخرجه مطابخ الفنادق الكبرى. والبعض الآخر خلع من طرة لينعم بحصيلته فى مطاعم لندن وإسبانيا، والباقى منهم يجلس الآن على مقاعد الحكم ليتلذذ بتعذيبنا من كثرة ما يخرجون به من خطط منظمة لتفكيك الثورة.

 

ولكن تعقدت القصيدة ولم يعد السؤال الملح هو دين أبوهم اسمه إيه؟ ولكن أصبح الأكثر إلحاحا هو دم أبوهم لونه أيه؟. هل أحد يصدق أنه فى العام الأول للثورة يملك المحبوسون، بفعل ثورة، الجرأة أن يطلبوا الإفراج عنهم، مقابل التنازل عن جزء من ثرواتهم. والأدهى من ذلك أن يجدوا آذانا صاغية فى مجلس الوزراء لهذا المطلب. بل إن الأمر يتطور سريعا لتشكيل لجنة لبحث أسس المصالحة. ويخرج علينا وزير المالية ليؤكد أن التصالح، والحصول على جانب من أموالهم، سيحقق مصلحة البلد. ويبقى السؤال معلقا فى الحلق. دم أبوهم لونه أيه؟

 

ولا أعرف كيف نتحمل أن يتولى أمور حياتنا بعد الثورة حكام من تلك النوعية التى تعتقد أن ما حدث فى مصر خلال الأربعين سنة الماضية هو مجرد اختلاس أموال، أو سرقة أراضٍٍ، أو نهب شركات. وإن عودة جانب من الأموال، أو جزء من الأراضى، أو عدد من الشركات سوف يعيد لنا الوطن. وطنا نحبه، وأرضا نحلم بالعيش عليها.

 

 ما فعله هؤلاء الذين لا نعرف لأبوهم دينا، ولا نميز لدمهم لونا لا يغتفر إلا بموافقة كل من ذاق ثمن أفعالهم. فقبل أن تقرروا أن تصفحوا عنهم، وتغسلوا لهم ضمائرهم اسألوا الغفران من هؤلاء الذين يقفون فى كل شوارع مصر الآن. اطلبوا من 500 ألف عامل خرجوا على المعاش المبكر، وجلسوا فى بيوتهم وسط أطفالهم، عاطلين غصب عنهم. يترحمون على عهد كانت سواعدهم تفتح بيوتهم من شركات باعها هؤلاء الذين تريدون غسل ضمائرهم.

 

اطلبوا من العمال الذين غيرتم لهم قانون قطاع الأعمال خلسة، وأجلستم بمقتضى هذا القانون رجال أعمال مغتصبين على مجالس إدارات شركات القطاع العام ليحكموها. فكان حكمهم هو بيع شركات القطاع العام لأولادهم، ولشركائهم، ولأنصارهم بأسعار تنم عن دين أبوهم، ولون دمه. قبل أن تسامحوا، وتصفحوا، حاسبوا الذين باعوا شركة المراجل البخارية لابن عضو مجلس إدارة الشركة القابضة التى اتخذت قرار البيع، وحددت الثمن. وأحد مصانع مصر للألبان لوزير النقل السابق محمد منصور وبالتقسيط وغيره وغيره.

 

قبل أن تجعلونا نرى مرة أخرى طلعتهم البهية على شاشات التليفزيون بعد الإفراج عنهم، ليشرحوا لنا كيف ظلموا من جانب بعض العملاء من الثوار الذين شوهوا سمعتهم لمصالح أجندات أجنبية. قبل ذلك اسألوا عمال اليومية من خريجى المؤهلات العليا والثانوية العامة فى شركات الأسمنت، والطوب وغيرها من الذين تقطعت بعض أطرافهم من قسوة ظروف العمل. ثم ألقى بهم المقاول الذى يستأجره أصحاب الشركات فى الشارع بدون حتى علاج. وذلك بفضل قوانين جائرة، وعالم ظالم صنعه هؤلاء الذين تريدون أن تعيدوهم لنا مرة أخرى.

 

قبل أن ترجعوا هؤلاء إلى حياتنا مرة أخرى حاسبوهم على نوعية الحياة التى يعيشها عمال النقل العام المضربين عن العمل هذه الأيام، لأنهم يدفعون ثمن سياسات هؤلاء الذين منحوا الشركات الخاصة احتكار السير فى الخطوط التى بها عدد كبير من السكان، وحرموا منها أتوبيسات النقل العام. فكانت النتيجة انخفاض الإيرادات. وهو ما كان على العمال أن يتحملوه من حوافزهم، ومكافآتهم، وضيق عيش أولادهم. فى وقت سمحت فيه اللوائح التى وضعها المحبوسون وأنصارهم فى طرة أن يمنحوا ضباط الشرطة الملايين من موازنة النقل العام. يعنى من عرق كمسارى، أو سواق شقيان طول النهار فى أتوبيس شكمانه خربان. يعمى عينه، وعين كل من لا يستطيع أن يقبع داخل سيارة بزجاج مغلق عليه.

 

قبل أن تودعوا هؤلاء، وتوصلوهم إلى خارج باب الزنزانة أسالوا موظفى هيئة البريد الذين ظلوا أسبوعين معتصمين، ومضربين عن العمل، وكل ما يريدونه هو حقهم فى اقتسام أرباح المليارات التى تدار فى هيئة البريد فى عزب، وأبعاديات الأصدقاء. أسالوهم هل توافقون على تبرئة من وضع اثنين من رؤساء شركات إدارة محافظ أوراق مالية فى البورصة فى مجلس إدارة هيئة البريد، فما كان من هذا المجلس إلا أن قرر استثمار المليارات من أموال البريد فى نفس هاتين الشركتين. فتكون النتيجة أننا نضع المليارات من أموال المودعين وأصحاب المعاشات فى يد اصحاب البيزنس ليسترزقوا منها، بينما موظفو البريد يتقاسمون الحسرة هم وأصحاب المعاشات كل أول شهر.

 

وقبل أن تقرر يا سيادة وزير المالية أن تدعهم يستقلون سياراتهم عائدين بها إلى بيوتهم سالمين غانمين بعد التصالح معهم، اسأل موظفى وزارتك هل توافقون على من وضعوا سياسات لهذا البلد تسمح أن يتقاضى المراقب المالى من أى وزارة أو هيئة يراقب عليها مكافأة مالية نظير قيامه بهذه الرقابة، مكافأة من شأنها كسر عينه وقبلها قلمه. وعندما تضع يا سيادة الوزير أخيرا بعد كل تلك السنوات قرارا بحظر تقاضى أى مبالغ من الجهات المراقب عليها تترك الباب مفتوحا لكى تستثنى أنت من تراه. اسألهم يا سيادة الوزير إذا كانوا متسامحين مع من أشاع مناخا فاسدا يسمح أن يكون رئيس قطاع عندك فى وزارتك يشغل عضوية مجلس إدارة فى 16 لجنة وصندوقا ومجلسا ليحصل على الآلاف. بينما مازال موظفوك يقفون فى الشارع لزيادة بضعة مئات من الجنيهات.

 

وحتى لو وافق كل هؤلاء على التصالح سيظل السؤال معلقا. دم أبوهم لونه أيه؟

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات