تبدأ الثورة السورية عامها الخامس بمشاعر غير تلك التى كانت عام 2011م. كان هناك من يرى أن قوات «الناتو» قريبة، والسيناريو الليبى سوف يتكرر، وتستعد المعارضة لاستلام الحكم عقب اقصاء بشار الأسد. بعد أربع سنوات تبدل الحال. ضعفت المعارضة المدنية، وتصاعدت السلفية الجهادية سواء «جبهة النصرة» أو «داعش»، وتحول الجيش السورى الحر إلى بقايا، وظل الحكم صامدا. الغرب الذى يتحدث منذ فترة عن أن بشار الأسد لا مكان له فى مستقبل سوريا، يفضل الآن الحل السياسى، ويخشى على مؤسسات الدولة السورية من «داعش» على حد تعبير مدير المخابرات الأمريكية، وتتوالى الوفود البرلمانية الغربية على دمشق من وفد فرنسى إلى الإعلان عن آخر بلجيكى. جاءت التفاهمات الأمريكية الإيرانية، كما هو الحال فى العراق الآن، لتفتح الباب أمام بقاء النظام السورى، أو على الأقل الإبقاء عليه رقما فى معادلة التفاوض المستقبلية. فقد أعطى الإرهاب قبلة الحياة للاستبداد، والفساد، ويجعل هناك طلبا عليه بدعوى حفظ الاستقرار، وعدم أهلية الشعوب للديمقراطية، إلخ.
ليبيا ليست بعيدة عن هذا المصير إن لم تتنبه القوى الدولية والإقليمية لأهمية انتشالها من الفوضى المحققة. وصفة الدول الفاشلة سهلة وجاهزة ومجربة من قبل فى الصومال وغيرها. تدخل دولى يخلخل الأبنية السابقة دون أن يتولى بناء غيرها، ثم تسقط شعوب وقوى وسياسات فى براثن خلافات حول مصالح محمله بغبار البارود، ثم تدخل فى نفق المفاوضات من عاصمة لأخرى، وتتدخل قوى إقليمية بتوجيه مسارات الصراع حسب مصالحها، ويصبح «الداخل» وكيلاً «للخارج» فى حرب على أرضه. تتدهور الأوضاع، وتسوء أحوال الاقتصاد والعباد، تزداد رقعة التشرد واللاجئين، وتنتهك حقوق الإنسان، وتتحمل الذاكرة الجماعية ما لا تطيقه من مشاهد وذكريات وروايات عن التشريد والاغتصاب، وخبرات الحرق والذبح، وينتهى الأمر بدولة فاشلة أقصى ما تطمح إليه أن تلملم أشلاءها.
اليمن فى مربع الخطر كذلك. أستولى الحوثيون على صنعاء، بدعم من الرئيس السابق على عبدالله صالح، قوضوا مؤسسات واتفاقات ضعيفة فى صراع لا يخلو من قبلية ومذهبية، وتحول الأمر إلى ما يشبه العاصمتين: صنعاء يسيطر عليها الحوثيون، وعدن استقبلت الرئيس عبدربه منصور هادى، الذى حاصره الحوثيون فى صنعاء قبل أن يفر إلى عدن. الحوار فى صنعاء أم فى عدن أم الرياض، لا يهم، لأن جزءا مهما وأساسيا من عملية صناعته تجرى فى طهران. ولا تبدو القوى الكبرى منشغلة بالمسألة إلا فى إطار مصالحها الضيقة المباشرة، دون خشية من انفراط عقد اليمن.
الربيع العربى حلم الشعوب السعيد فى الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، تحول إلى كابوس بفعل مقايضات الأنظمة القديمة، ومصالح الخارج المتغيرة، وعدم قدرة الداخل على المضى فى بناء الدولة الحديثة. من ينظر إلى ما حدث فى سوريا من تدمير وتشريد وتقويض للاقتصاد يدرك أن هناك من يريد أن يبقى الاستبداد فى مواجهة الإرهاب.. ثنائية تضع المواطن العربى أمام عجز وتيه وخوف وخيارات أحلها مر.