التجربة الديمقراطية الكويتية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التجربة الديمقراطية الكويتية

نشر فى : الإثنين 18 مايو 2009 - 7:49 م | آخر تحديث : الإثنين 18 مايو 2009 - 7:49 م

إن مسيرة الديمقراطية فى الكويت لم تكتمل بعد، ولكنها من المؤكد من أفضل المحاولات فى الوطن العربى. فالمستوى الذى وصلت إليه والجدية التى تتعامل بها الكويت مع هذا الموضوع ظهر جليا وبوضوح منذ شهرين. عندما تأزمت الأمور السياسية بين مجلس النواب السابق والحكومة أبقى سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت نفسه ضمن صلاحياته الدستورية، فحل البرلمان بطريقة دستورية وحدد موعدا للانتخابات ضمن المدة التى يسمح بها الدستور، أى مدة الشهرين، وبذلك ضرب أمير الكويت المثل للكثيرين من الرؤساء العرب الذين تعاملوا مع دساتير بلادهم بخفة وبطيش وبقلة اعتبار لقدسية الأمور الدستورية.

على ضوء ما تقدم، يجدر إبراز النقاط المضيئة فى تلك المسيرة وإظهار النواقص من جهة أخرى، إذ إن هذه المسيرة المهمة تحتاج إلى الدراسة لتصبح عونا للمسيرة الديمقراطية فى الوطن العربى الكبير.
أما الجوانب المضيئة فتتمثل فيما يلى:

لقد ظهرت بوادر الانحياز للنظام الديمقراطى من قبل شعب الكويت فى الثلاثينيات من القرن الماضى. وقد انتخب أول مجلس نيابى عام 1938 فى ظل الاحتلال الإنجليزى ولكنه لم يعمر أكثر من بضعة أشهر. وما إن حصلت الكويت على استقلالها حتى وضع دستورها، الذى صاغه المرحوم الدكتور عبدالرزاق السنهورى عام 1961، من قبل مجلس تأسيسى. ومن أجل التاريخ فإن أمير الكويت آنذاك، المرحوم الشيخ عبدالله السالم، يمكن اعتباره من الآباء المؤسسين لديمقراطية الكويت. وكمثال على حماسه الشديد للتجربة فإنه أوصى عند مماته بأن لا يعدل الدستور إلا إذا كان ذلك التعديل تحسينا مؤكدا وليس تراجعا منقصا. ومنذ ذلك الوقت فإنه يحسب لشعب الكويت أنه عض بالنواجذ على دستوره ومكاسبه، ولم يسمح قط لأحد بأن يعتدى على أى منهما. وفيما عدا عام 1976 عندما غاب المجلس لمدة خمس سنوات وعام 1986 عندما غاب لمدة ست سنوات فإن المسيرة النيابية قد بقيت راسخة فى مجتمع الكويت. إن هذا يمثل درسا لكل الشعوب العربية: ألا تفرط قط فى مكتسباتها الديمقراطية.

إن الديمقراطية فى الكويت أصبحت صيرورة تتحرك إلى الأمام. كأمثلة على ذلك التطوير إدماج المرأة الكويتية الكلى والمتساوى مع الرجل فى العملية الديمقراطية، (والذى توج بحصول 4 سيدات على مقاعد فى البرلمان لأول مرة فى أى دولة خليجية فى انتخابات السبت الماضى) وفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزارة لمنع الاصطدام المباشر بين المجلس ورأس الحكم، وتقليص الدوائر الانتخابية من خمس وعشرين إلى خمس دوائر وذلك من أجل التقليل من أثر الولاءات الفرعية القبلية والعشائرية والمذهبية على نتائج الانتخابات.

لكن الديمقراطية الكويتية تحمل فى طياتها مشاكل ونواقص أساسية ستحتاج لمواجهتها فى المستقبل.
إن الدستور لا يشير إلى سيادة الشعب المطلقة وإنما يجعل السلطة تشاركا بين الشعب وبين الحاكم. وقد انعكس ذلك على تمثيل كبير للشعب فى السلطة التشريعية وتمثيل محدود للشعب فى السلطة التنفيذية. فالوزارة يرأسها دائما فرد من العائلة الحاكمة، والحقائب الوزارية السيادية من مثل الأمن والخارجية لا تسند إلا لأشخاص من العائلة، ولا يشترط فى تأليف الحكومة نيل الثقة فى البرلمان، كما لا يمكن طرح الثقة فى الحكومة ككل وإنما فى الوزراء كأفراد، وحتى الآن يمكن استجواب رئيس الوزراء ولكن لا يمكن طرح الثقة فيه. وعليه فإن سيادة الشعب على السلطة التنفيذية من خلال المجلس التشريعى هى سيادة منقوصة.

إن هذا الاختلاط بين سيادة الشعب وسيادة الحاكم، وبالتالى سلطة الشعب وسلطة الحاكم، قد أوجدتا تجاذبا واحتكاكا دائما بين المجلس والحكومة وبين المجلس والعائلة الحاكمة. وهو يفسر أغلب حالات حل المجالس النيابية فى الكويت. ولذلك سيحتاج فى المستقبل إلى وجود آليات ديمقراطية توافقية للتقليل من آثاره على المسيرة الديمقراطية.

إن أبرز نقص فى الحياة السياسية الكويتية هو عدم وجود الأحزاب السياسية كمسمى وكقانون ضابط وكتجارب متراكمة. هناك جمعيات سياسية تمثل مختلف الأيدولوجيات ومختلف شرائح المجتمع، وهى مقبولة كواقع وكعرف. ولكن عدم وجود اعتراف رسمى بها ووجود قانون يضبط نشاطاتها ومكوناتها وبالتالى عدم وجود آلية وساحة لمحاسبتها من قبل الشعب ومؤسساته.. عدم وجود كل ذلك يعرضها لأن تكون قبلية أو عشائرية أو مذهبية، وبالتالى لا تكون وطنية فوق الولاءات الفرعية ولا تكون طارحة لبرامج سياسية واضحة وملزمة وتحاسب عليها.

ليس المهم مناقشة نتائج الانتخابات التى جرت مؤخرا ولا تحليل التمثيل السياسى فى البرلمان الجديد، إذ إن صور البرلمانات تتغير وتستبدل بين الحين والآخر. ما يهمنا هو أن يسجل للكويت أنها تمثل ظاهرة سياسية تستحق الإعجاب والاقتفاء. وهى تؤكد أن أى شعب عربى، عندما تتوفر له الظروف التاريخية، وعندما يحزم أمره، وعندما لا يسمح لأى طاغية بأن يحرفه عن طريق أهدافه الكبرى، يستطيع أن يبنى نظام حكم معقولا قادرا على التطور والتحسن والنماء عبر الزمن. والتجربة الكويتية تؤكد أيضا أن لعنة الاستبداد والاستئثار بالحكم من قبل أى أقلية كانت وتحت أى مسمى فى الأرض العربية هى إلى زوال مهما طال الزمن أو قصر. 
 

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات