صفقة ترامب - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صفقة ترامب

نشر فى : السبت 18 مايو 2019 - 9:45 م | آخر تحديث : السبت 18 مايو 2019 - 9:45 م

«بشرنا» الفريق المعاون للرئيس الأمريكى دونالد ترامب بأنه سيعلن على العالم خطته «للتسوية النهائية» «للنزاع الإسرائيلى ــ الفلسطينى» بعد انقضاء شهر رمضان وعيد الفطر المبارك وخرجت صحيفة «إسرائيل هيوم» بتقرير عن النقاط الرئيسية فى هذه الخطة. بإيجاز شديد، جوهر هذه الخطة هو الإبقاء على تسيّد إسرائيل على كل أرض فلسطين الانتداب، كما نصّت عليه المادة 22 من عهد عصبة الأمم. المقابل هو أن تنشأ دولة باسم «فلسطين الجديدة» فى غزة وفى «يهودا والسامرة»، وليس فى الضفة الغربية لنهر الأردن، بعد أن تُقتَطَعُ منها كل المستوطنات الإسرائيلية الموجودة فيها، التى تُضمُّ إلى إسرائيل. الدفاع عن «فلسطين الجديدة» تتولاه إسرائيل وتسدد «فلسطين الجديدة» لها تكلفة هذا الدفاع. أما مصر فهى تؤجر أرضا من سيناء «لفلسطين الجديدة»، يتفق الطرفان على مساحتها وعلى المقابل المادى لإيجارها، لبناء مطار عليها ولأغراض إنشاء المصانع والتجارة والزراعة. مدينة القدس تصبح عاصمة لإسرائيل و«لفلسطين الجديدة» ولكن إدارتها تبقى كاملة لبلدية القدس الإسرائيلية على أن تدفع «فلسطين الجديدة» لها الضرائب البلدية وثمن المياه. أما اللاجئون الفلسطينيون فلا ذكر لهم، أو على الأقل لم تعتبر «إسرائيل هيوم» أن مصيرهم نقطة رئيسية فى «التسوية النهائية للنزاع». سبق لهذه المساحة من «الشروق» أن تناولت فى عدة مناسبات عناصر كانت قد رَشَحَت عن الخطة، ونعود إليها اليوم بعد أن تبلورت هذه العناصر، مرة أخرى بافتراض سلامتها. ندرك أن رئيس الفريق الأمريكى قال فى واحد من تصريحاته إن خطته تستبعد حلّ الدولتين بل وأن تعبير الدولة الفلسطينية لا يرد فيها، ولكن التحوط واجب مع ذلك.
***
أول ما يلاحظ هو أن تسمية «فلسطين الجديدة» هى لقطع العلاقة بين الشعب الفلسطينى فى دولته «الجديدة» وبين فلسطين الانتداب. بهذا المعنى يكون لفلسطين الانتداب دولتان وريثتان، واحدة تسود الأخرى وتستتبعها تماما، الأولى هى إسرائيل والثانية «فلسطين الجديدة».
بعد هذه الملحوظة الأولى فإن مشاعر السخرية والتعجب تعترى من يقرأ النقاط الرئيسية فى الخطة، وخاصةً بعض الأحكام الواردة فيها. مثال على هذه الأحكام أن مبلغ 30 مليار دولار سيخصص لتمويل مشروعات «لفلسطين الجديدة» تقدمها الأطراف المساندة للخطة، مع النص على نسبة كل طرف من هذه الأطراف ومنها دول الخليج المنتجة للنفط التى تتحمل الجانب الأكبر من التمويل بواقع 70 فى المائة منه لأنها «المستفيدة الأساسية» من التسوية. من «الطرائف» أيضا اهتمام الخطة بذكر أن الطريق الذى سيربط غزة «بيهودا والسامرة» سيرتفع 30 مترا فوق سطح الأرض، لا سنتيمتر أكثر ولا أقل، ثم إشارتها إلى أن شركة صينية ستنشئ الطريق وتحديدها لنسب المشاركة فى تمويل الطريق وأعلاها 50 فى المائة للصين. وطريف كذلك أن «التسوية النهائية» للنزاع الإسرائيلي ــ الفلسطينى يحرص صائغوها على أن يرد فيها نص أن الطريق رقم 90 فى غور نهر الأردن سيكون من «أربع حارات» وأن إسرائيل ستعلن عن مناقصة لرصفه! أما النص على أن يدفع «الفلسطينيون الجدد» لإسرائيل ثمن دفاعها عنهم فهو لا يحتاج إلى تعليق. آخر «النقاط الرئيسية» التى تستدعى الإشارة هى تلك التى تنص على أنه إن رفض الفلسطينيون الخطة فإن الولايات المتحدة ستلغى الدعم المالى للفلسطينيين وستعمل على «ألا تحَوِّلَ أى بلد فى العالم مالا إليهم». هذه النقطة بالذات على جانب كبير من الأهمية وسنعود إليها أدناه.
***
المدير التنفيذى لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو جماعة ضغط صهيونية ومكوّن رئيسى للوبى الإسرائيلى فى العاصمة الأمريكية، انزعج هو نفسه من هذه الخطة باعتبارها لا تقيم أى وزن لتطلعات الفلسطينيين، على حد تعبيره، ولحقوق الشعب الفلسطينى، فى مفهومنا. حذر المدير التنفيذى الولايات المتحدة من مجرد الإعلان عن هذه الخطة باعتبار أنها ستخصم من مكانتها وهو رأَى فيها منظور تجار عقارات فى منهاتن فى مدينة نيويورك، وليس مقاربة المفاوضين السياسيين.
بالفعل هى خطة تجار، أولم تسمّ «صفقة»، سواء كانت صفقة القرن أو اليوم الواحد أو كانت مجرد سراب؟ السياسة ونزاعاتها شيء والتجارة وموضوعاتها شيء آخر. النظام السياسى الأمريكى سمح لرجل أعمال نشط فى مجال تجارة العقارات وبنائها وفى الفنادق وألعاب الحظ ومسابقات الجمال بأن يصل إلى رئاسة السلطة التنفيذية فيه، ثم ترك لهذا الرجل، وهو ما يهمنا بشكل خاص، أن يعيّن زوج ابنته مندوبا عنه فى تسوية النزاع الإسرائيلي ــ الفلسطينى، وهو لا يعرف من النزاع إلا صداقة أسرته الحميمة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. ولم يكتف الرئيس الأمريكى بذلك بل إنه أحاط زوج ابنته باثنين من عتاة اليمين الصهيونى التوسعى والاستيطانى. النظام السياسى الأمريكى يسمح بتكوين هذا الفريق، وبالتالى فإن من حقه أن يقترح صفقته. مصلحة الولايات المتحدة، كما تحددها أطراف أمريكية أخرى، هى التى يمكن أن تحول دون أن يعلن الفريق عن صفقته. ما يهمنا نحن هو الاستعداد لهذه الصفقة سواء أعلن عنها أو لم يعلن.
***
التهديد بأن تعمل الولايات المتحدة على ألا تحَوّل أى بلد فى العالم مالا إلى الشعب الفلسطينى فى حالة رفضه «للصفقة» يندرج فى إطار مقاربة الرئيس ترامب ومستشاريه للعلاقات الدولية ونظرتهم إلى العالم وتراتبية القوة فيه. انظر غربا وشرقا ستجد أن هذه المقاربة مشتركة والتعبير عنها متكرر. بصرف النظر عن رأينا فى هذا النظام السياسى أو ذاك، فى هذا البلد أو ذلك، فإن فرض توصيف الولايات المتحدة لأى مشكلة ثم فرض حلها لهذه المشكلة، هو شبيه بالإرغام على قبول عقود الإذعان. ستجد هذا فى حالات فنزويلا وكوبا وإيران، بل وفى النزاعات التجارية مع الاتحاد الأوروبى ومع الصين. هذه المقاربة قريبة منّا الآن، فى فلسطين، تمس البلاد العربية المطلوب منها تمويلُ تنفيذ الصفقة، ومصر تحديدا، التى تريد منها بنود «الصفقة» المعلن عنها أن «تؤجر» مساحة من أرضها «لفلسطين الجديدة».
قد يقول قائل: وما بالنا نحن والنزاعات المذكورة، بل إنه قد يزيد أن فرض عقد الإذعان على إيران بركة من بركات ترامب. الرد على ذلك أن قبول مبدأ فرض الإذعان فى العلاقات الدولية هو خسارة لكل الدول وتقويض لأسس هذه العلاقات، وهو يعنى أن فرض الإذعان قادم إلينا لا محالة، إن لم يكن غدا فبعد غد. وإلا، فما هو معنى أن تنص الخطة على أنه إن رفضها الفلسطينيون فستعمل الولايات المتحدة على منع كل تعامل معهم؟ أولا، فى واقعه، هذا التهديد هو بحصار يشبه ذلك الذى تفرضه الولايات المتحدة حاليا على كل من فنزويلا وإيران وخنقها لهما. هذا التهديد هو بلا شك لترهيب الفلسطينيين حتى يقبلوا وتنجح الصفقة. ولكن ماذا إن رفضت أطراف أخرى لها أدوار مرسومة فى الصفقة لعب هذه الأدوار فحالت دون إنجاح الصفقة؟ ماذا إن رفضت دول الخليج دفع 21 مليار دولار لإنجاح أفكار تجار العقارات فى نيويورك؟ وماذا إن دفعت هذه الدول لتمويل المشروعات فى «فلسطين الجديدة» ورفضت مصر إيجار أى مساحة من أرضها؟ إن كانت العبرة فى أى نص بالغرض منه، أى إن كانت العبرة من تهديد الفلسطينيين هى إنجاح الصفقة، فهذا معناه أن التهديد ينسحب أيضا على كل من لا يلعب الدور المنوط به فى الصفقة. بعبارة أخرى، إن لم تؤجر مصر أرضها يكون مصيرها هى الأخرى مقاطعة كل دول العالم ووقف تمويلها لها. هل يُعقل أن يحدث هذا؟ لأنه مستحيل تصور أن يحدث هذا فى حق مصر، فإن التهديد يصبح تهديدا فارغا ويتضح بؤس الصفقة وتهافت صائغيها. فى افتراض آخر، إن لم تكن مصر معنيةً بالتهديد مباشرةً، فماذا إن رفض الفلسطينيون الصفقة، وهم سيرفضونها بكل تأكيد، وطلبت الولايات المتحدة من كل دول العالم أن تقطع كل تمويل، أى كل تعامل تجارى أو تمويلى، مع الشعب الفلسطينى، فهل تنضم مصر إلى هذه المقاطعة؟ هل يتصور أحد من القراء الكرام ذلك؟ حتى إن رغب، لا يستطيع أحد فى مصر أن يقدم عليه.
من بيننا من قد يدعون إلى عدم إغضاب الرئيس ترامب وعدم إغلاق باب التباحث معه بشأن صفقته. التباحث فى حد ذاته يمنح مصداقية للصفقة هى تفتقدها تماما. والامتناع عن الدخول فى موضوع الصفقة لا يُفقدُ مصر شيئا لأن الصفقة فاشلة لا محالة، إن تقدمت بها الولايات المتحدة أصلا. أما التخوف من أن تنقلب مواقف الرئيس الأمريكى ومستشاريه فى المنطقة إلى تأييد الإسلام السياسى فإنه لا مجال له لأن هذه المواقف عنصريةٌ أساسا غيرُ قابلةٍ للتبديل.
***
فى الشرق الأوسط الولايات المتحدة الآن فى حالة تشبه الحرب وإنما بدون سلاح مع إيران، وهى تريد أن تحشد العرب إلى جانبها. بعض العرب متحمسون لموقف الولايات المتحدة ويحمدونها عليه. مصر فعلت خيرا بانسحابها من مباحثات التحالف العسكرى الذى كان يراد إنشاؤه لمؤازرة الولايات المتحدة ومواجهة إيران. بمعنى آخر العرب غير متفقين على مواجهة عسكرية محتملة مع إيران بل إن بعضهم لا يرغب فى المواجهة السياسية ويفضل السياسة والتوفيق بديلا عنها. بالمناسبة، وكما ورد مكررا من قبل فى هذه المساحة من «الشروق»، لمصر مصلحة مباشرة محددة فى تفادى التصعيد فى منطقة الخليج؛ لأنه يمكن أن يؤدى إلى زعزعة أسواق العمل فيها وتهديد فرص عمل الملايين من المصريين العاملين فيها. هل يمكن فى إطار المواجهة غير المتفق عليها فى الخليج تصور أن تضيف إدارة الرئيس ترامب إلى انقسام العرب بطرح «صفقة القرن»، فتشترك بذلك فى إحباط أهدافها هى فى الخليج نفسه وفى الشرق الأوسط الأوسع؟! أما إن فعلت ولم تنتبه إلى أن الصفقة تحبط نفس أهدافها، فالأجدر هو الاستعداد لها ولكن دون أى خوض فيها. هل نكون أكثر حرصا على ترامب من نفسه؟
صفقة ترامب هى تعبير عن مقاربته البائسة لمشكلات الشرق الأوسط.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات