كردستان تناجى السينمائيين المصريين بعد سنوات طمس الهوية - خالد محمود - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كردستان تناجى السينمائيين المصريين بعد سنوات طمس الهوية

نشر فى : الثلاثاء 18 يونيو 2013 - 1:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 يونيو 2013 - 1:10 م

أعترف أننى وقفت كثيرا أمام جملة وزير ثقافة كردستان د. محمود كاوا: «إننا نمر بمرحلة انتقالية، وأخطر شىء فى هذه المرحلة أن يموت الماضى ولا يولد الجديد»، فالصورة الذهنية لدىّ انتقلت من قلب لقائنا بالوزير فى أربيل إلى قلب مصر وما يحدث له، فهو بحق يحتاج للحظة ميلاد جديد كى ينبض بمستقبل ننشده، وألا تتأخر لحظة الميلاد هذه حتى لا يحتضر بفيروس ماضٍ آثم أو حاضر تؤلمه أطماع وانتكاسات.

 

 

وبينما استطرد الوزير كلامه: لكى نولد من جديد نسعى للانتفاح على العالم، وبالتحديد مصر التى تعلمنا من أفلامها ومسلسلاتها وفنانيها وتقاليدها.. فمصر كانت ملهمة لكل شعوب المنطقة، ولا ننظر لها من خلال بؤرة ضيقة لما تمر به فى الوقت الراهن.. فدورها التاريخى ناتج عن إبداع شعبها فى جميع المجالات، وفى تصورى أن هذا الوضع القائم فى مصر هو وضع مؤقت لأن القيم المدنية بها متأصلة وليست عابرة أو طارئة.. ومن هنا أدعو فرق الباليه المصرى الرائعة التى تواجه دعوات بالمقاطعة والتحريم لتقديم عروضها فى جميع أرجاء كردستان.. فهى وغيرها فخر لنا جميعا».

 

 

هنا عدت إلى اللحظة الراهنة وأدركت إلى أى مدى يمثل الفن لهذا البلد قوة ناعمة بين شعوب أغلب دول المنطقة. فوسط الحديث عن تراجع قوة مصر الناعمة فى مختلف المجالات والتى خلقت عدة أزمات بينها سد النهضة، جاءت زيارة وفد من السينمائيين المصريين إلى إقليم كردستان فى محاولة لفتح آفاق جديدة للسينما المصرية مع هذا البلد بطبيعتها البكر، ورغم أن الزيارة كانت بهدف توقيع بروتوكول لتعاون فنى لتبادل الممثلين والاستفادة من أماكن التصوير فضلا على إنتاج أعمال سينمائية وتليفزيونية مشتركة وورش للتدريب وبناء استوديوهات ودور عرض وأسابيع للأفلام، فقد كانت فرصة للجانب المصرى ليلمس إلى أى مدى لا تزال السينما والدراما المصرية مؤثرة فى وجدان مواطنى هذا البلد، فلم تخلُ جلسة مع فنان أو مسئول أو حتى مواطن بسيط دون التطرق إلى أفلام ومسلسلات زمن الفن الجميل، وكيف تربى عليها بعض أبناء هذا البلد، وكانت سببا فى التعلق بمصر وشعبها ولهجتها رغم آلاف الكيلو مترات التى تفصل بينهما. فمع اللحظة الأولى لوصولنا أرض مطار أربيل الدولى فوجئ المخرج محمد فاضل بأحد موظفى الجوازات يلتف حوله ويقول له إنه لن ينسى فضة المعداوى فى مسلسل الراية البيضا، وهو المسلسل الذى تجاوز عمره 25 عاما، وسألنى المخرج الكبير: إذن ما الذى يحدث فى مصر؟ ولم أجب ولا هو، مكتفين بإحساس بالحسرة على ما يواجهه الفن عندنا من نظرات ظلامية وصلت لحد وزير الثقافة.

 

 

المهم خرجنا من المطار وداخلنا إحساس بأننا فى بلد بعشق ويشتاق ويقدر الفن المصرى، وضرورة التفاف نجومه وصانعيه حولهم ليشاركوهم وضع حجر أساس جديد لنهضة سينمائية ودرامية وموسيقية، ولم يكن هذا هو مطلب المسئولين عن نقابة فنانى كردستان فقط، بل وسياسى الإقليم المستقل الذى يريد أن يتجاوز معاناة الماضى وجراحه، ويفتح ذراعيه للعالم.. وكانت البداية مع وفد الفنانين المصريين، وهو ما فطن إليه مسعد فودة نقيب السينمائيين ورئيس اتحاد الفنانين العرب الذى فتح مجالا خصبا لصناع الفن فى مصر، ومعه المخرجون على بدرخان ومحمد فاضل وعمر عبدالعزيز ومحمد أبوسيف وهانى لاشين ود.فاروق الرشيدى ود. سمير فرج وأحمد رمضان سكرتير نقاية الموسيقيين، ليساهموا عبر بروتوكول مشترك فى تصوير أعمال سينمائية وتليفزيونية، وتدريب الكوادر الفنية وإرساء لمبدأ المعاملة بالمثل أى أن يعامل الفنان الكردستانى فى مصر معاملة الفنان المصرى والعكس، وتقديم جميع التسهيلات للمنتجين والمخرجين لتصوير أعمالهم بين مصر وكردستان، وكذلك المساهمة فى بناء دور عرض واستوديوهات على هذه الأرض البكر والمساهمة فى بناء جيل جديد من الفنانين فى كردستان.

 

 

فودة هذا الرجل الطموح الذى يحلم بمستقبل أفضل للسينما المصرية ومسلسلاتها وصناعها، هذه القوة الناعمة التى اجتاحت العالم العربى من قبل، ومن المنتظر أن تكون بداية الطريق الآن.

 

 

ورغم عدم الدعم الحكومى وموقفه هو وجموع الفنانين من وزير الثقافة الحالى، فإنه أبى ألا يقوم بدوره كنقيب للسينمائيين المصريين، وكان هذا هو التحدى الذى واجهه بقوة من خلال هذا البروتوكول الواعد، وهو ما لمحته كذلك فى لقاء آخر مع وزير الثقافة الكردستانى بأن الفنان فى حاجة إلى مستوى آخر من العيش كى يستمر ويدافع عن أهدافه، وقال الوزير: «نتمنى أن يجد المستثمرون المصريون فى المجالات الفنية لدينا سوقا مناسبة بتوجهات صادقة لدينا.. فقد مررنا بتجارب قاسية عانى منها الشعب الكردى، ونحن نتطلع إلى التدريب وورش العمل، ونحتاج أيضا إعادة تأهيل الكفاءات وخلق أرضية لصناعة السنيما المفقودة الآن، وإنشاء دور عرض بمساعدة مصرية، وإقامة مدينة إنتاج إعلامى بكفاءات مصرية وفتح سوق للأفلام المصرية الحديثة مع توفير كل التسهيلات.

 

 

وفى تلك اللحظة أكد د.سمير فرج رئيس جهاز السينما أن دور العرض التابعة للجهاز يمكنها أن تستقبل أسبوعا للفيلم الكردى وتدعمه.

 

 

حرص د.سمير فرج على عمل بروتوكول خاص مع فنانى كردستان على تبادل التصوير فى ستديوهات مدينة الإنتاج الإعلامى، وعمل الدوبلاج والمونتاج وتوفير المعدات للاعمال الكردية، مؤكدا فتح آفاق جديدة لمخرجى كردستان على أرض مصر، خاصة أن نقيب الفنانين هناك نياز نورى أكد حرص بلاده على خلق جيل سينمائى جديد يرتوى من خبرة مصر.

 

 

المخرج على بدرخان الذى زار كردستان أكثر من مرة وله جذور كردية وكان له مشروع فيلم كبير عن تاريخ البشمركة ونضال الشعب الكردى مازالت المفاوضات تدور حوله، قال: «البلد مازال بكرا وغنيا بطبيعته الخلابة، واللغة بدون شك ربما تشكل صعوبة كبيرة، فنحن نريد الحفاظ على اللغة الكردية التى تم طمسها سنوات، وفى الوقت نفسه نريد أن نسوق، فنحن نريد صناعة تصب فى مصلحة الطرفين عبر منتج حقيقى، كما أنه لابد أن يكون للفن عائد كى يستمر.

 

 

المخرج عمر عبدالعزيز وكيل نقابة السينمائيين، كان بمثابة الروح الداعمة لإبرام هذه الاتفاقية، مؤكدا ضرورة الانفتاح على مثل هذه الدول وإطلاق العنان لخيال السينمائيين المصريين لتقديم أعمال سينمائية مشتركة مع كردستان وغيرها من الدول التى تملك مناطق خصبة وجديدة تعد بمثابة استوديوهات مفتوحة، وسيتم العمل بالتنسيق مع الجهات الفنية فى إقليم كردستان على تنظيم القوافل الثقافية وتفعيل الإنتاج المشترك ووضع بروتوكولات للتعاون بين نقابة المهن السينمائية والمؤسسات المماثلة فى الإقليم لما يعزز العلاقات الثقافية والفنية والاجتماعية بين الشعبين.

 

 

عبدالعزيز أيضا اهتم بشكل خاص بورش التدريب المشتركة فيما اتفق المخرج محمد أبوسيف فى أنه إذا تم تفعيل البروتوكول بجدية ستكون هناك استفادة مشتركة، مشيرا إلى عدم ترك الساحة للغير ليغزوا ما حققناه فى الخطوة الأولى، وأكد المخرج محمد فاضل الذى أبدى إعجابه الشديد بالمناطق المفتوحة كاستوديوهات تصوير قال: «المهم هو ماذا بعد تلك الخطوة، لا نريد أن نفتح السكة ونتركها، فكردستان بالنسبة للعاملين فى الصناعة كانت تبدو غامضة، ولابد أن تقترب للناس سواء للعاملين أو الجمهور.

 

 

ويعود المخرج على بدرخان ليؤكد كلام د.فاروق الرشيدى فى أن من مصلحة الأكراد أن يستفيدوا من مساحة التسويق المتاحة للفن المصرى بعيدا عن الطموحات التاريخية الكبيرة وذلك عبر اختيار موضوعات اجتماعية تعبر عن ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع لتنفيذها.

 

 

المخرج هانى لاشين أشار إلى أن النقابات الفنية لابد أن يكون لها دور بعيد عن الوزارة فى إرساء قواعد للتعاون، وقال: المشكلة فى التسويق والتوزيع، فهناك فجوة بين أفلام المهرجانات وأفلام الجمهور العادى، ولابد أن نوجد المكان الذى يعرض فيه الفيلم داخليا ويحقق ذاته، فالتفكير يأخذنا للاعتماد على إيراداتنا الداخلية فى المقام الأول لتحقيق الاستمرارية، وبالتالى لابد أن نكثر من نوعية الأفلام الاجتماعية ذات التكلفة البسيطة، وأن نكون تيارا للإنتاج المشترك يتقدم بنا وبالجمهور بدلا من الذين تركنا لهم الساحة وأفسدوا الذوق.. ويتدخل المخرج محمد فاضل، قائلا: كى تستعيد مصر مكانتها ثانيا، لابد من أن يعود الإنتاج المشترك، كما أن السينمائى المستقل الحقيقى هو أنه غير سائد.

 

 

قال جمال مصطفى مسئول العلاقات بالسفارة العراقية بالقاهرة: فى كردستان كل شىء موجود.. نهر، جبال، أماكن مفتوحة، صحراء، أرض خصبة تتحمل كل أنواع الفنون، واستطرد: عانينا كثيرا لوقوعنا بين أربعة توجهات حضارية مختلفة التركية، والإيرانية، والعراقية، والسورية، بالإضافة إلى ما حدث للشعب من صدام حسين الذى سوى 4500 قرية و5 آلاف شخص بالأرض، وقد دفن 80 ألفا أحياء، ومن الممكن عمل فيلم كبير عن هذه المأساة وكفاح الشعب ضد الطغيان، والوثائق موجودة.

 

 

وأضاف: إنماء الفن والثفافة ضرورى حتى أثبت وجودى، ونحن شعب مستحيل أن ينتهى.. قد يتم تقسيمنا، أو نضطهد أو يتم قتلنا بكل أنواع الإرهاب الفكرى والسياسى والجسدى، لكن عندما انشغل بالسينما والموسيقى والمسرح هذه ستكون قامتى حتى أقول إننى موجود بين محاصرتى بأربع دول، والواقع أن السينما تخلق هوية مجتمع، فهناك أفلام تركية تسافر المهرجانات تخلق هوية للإنسان الكردى.. نحن فى صراع البقاء للمواطن الكردى.. السرب لدينا يغرد بالداخل والخارج بصدق.. الفنان أخلص وأطهر من أى شخص آخر.

 

 

نقيب الفنانين فى كردستان نيازى محمود قال إن السينما الكردية بدأت عام 1991، عقب الانتفاضة، وكان ذلك بأعمال قصيرة ووثائقية، ثم أفلام طويلة لكن عددها قليل، وأشار إلى أنها تطورت وأصبحت تنتج أفلاما تشارك فى المهرجانات وتحصد جوائز، ونحن نرضى بأى خطوة تساعد السينما الكردية، وقطعا المهرجانات المصرية مهمة لنا، إن الفن الكردى ضعيف وضيق والحكومة تدعم السينما عن طريق وزارة الثقافة، وهذا العام لم يتم سوى افتتاح دار عرض واحدة، بينما عدد الأفلام أصبح يتراوح بين 10 و15 فيلما هذا العام.

 

 

كان القنصل المصرى فى كردستان السفير سليمان عثمان بمثابة حلقة وصل دبلوماسية رائعة فى هذا الحدث، شعرت بطمأنينة كبيرة فى الإقليم بعد أن التقيت هذا الرجل النشط الذى يعى الدور المهم للدبلوماسية المصرية فى هذا الوقت الحرج، حيث قام بتسهيل مهمة الوفد الفنى، مهد له الطريق لاتمام مفاوضات ناجحة تبناها وخاصة فى اللقاء الذى تم مع محافظ الإقليم نوزاد هادى والوزير فلاح مصطفى مسئول العلاقات الخارجية بكردستان، والذى أكد أهمية الفن فى تعزيز العلاقات وبإمكانية أن يكون جسرا لمد علاقات الصداقة والتعاون بما فيه المصلحة المشتركة، وأن حكومة إقليم كردستان تنظر إلى الجانب الفنى باهتمام بالغ لدور الفن السينمائى وصناعة الأفلام، وبإمكان الإقليم الاستفادة من التجارب والخبرات المصرية فى هذا المجال. وأوضح فلاح مصطفى أن سياسة الانفتاح التى تنتهجها حكومة الإقليم فى مجال العلاقات الدولية على أساس المصلحة المشتركة وتنميتها، وكانت التطورات السياسية وزيارة رئيس وزراء العراق الفيدرالى للإقليم والتنمية الاقتصادية والأمن والاستقرار فى الإقليم محورا آخر فى هذا اللقاء.

 

 

 

 

 

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات