الأمم المتحدة.. والأزمة السودانية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأمم المتحدة.. والأزمة السودانية

نشر فى : الثلاثاء 19 مارس 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 مارس 2024 - 7:10 م

إن دور الأمم المتحدة فى السودان لم ينشأ مع اندلاع الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السودانى فى 15 أبريل 2023، وإنما سبقه ببضع سنوات، حيث أنشأت الأمم المتحدة البعثة المتكاملة لتقديم المساعدة للسودان فى الفترة الانتقالية (يونيتامس) فى يونيو 2020، وكان مقررا انتهاء مهمتها فى 3 ديسمبر 2023، ولكن الحكومة السودانية أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة بقرارها بإنهاء مهمة البعثة فى سبتمبر 2023، كما اعتبرت المبعوث الشخصى للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، الألمانى فولكر بيرتس، شخصا غير مرغوب فيه وطالبت بإقالته لاتهامه بالتحيز والتدخل فى شئون السودان، وقدم بيرتس استقالته فى 13 سبتمبر 2023، أثناء تقديم إفادته أمام مجلس الأمن التى انتقد فيها بشدة ممارسات كل من قوات الدعم السريع والجيش السودانى، وما فيها من انتهاكات شديدة لحقوق المدنيين والقوانين الإنسانية، وحذر من أن استمرار الصراع بين القوات المسلحة للجانبين قد يؤدى إلى حرب أهلية.
واختار الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثا شخصيا جديدا له إلى السودان وهو الدبلوماسى الجزائرى المخضرم والخبير فى قضايا الصراعات والمنازعات رمطان لعمامرة، ولم يعترض السودان عليه، وتقرر فى بداية مهمته أنه لن يقيم فى السودان، ولكنه سيواصل الانخراط بشكل وثيق مع كل الجهات الفاعلة فى الأزمة السودانية، وتقديم إفادته إلى مجلس الأمن المخول بتفويض الأمين العام للأمم المتحدة بإدارة البعثات السياسية وبعثات حفظ السلام.
وقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا إلى مجلس الأمن لدى انعقاده فى 7 مارس 2024، لبحث إصدار قرار لوقف إطلاق النار فى السودان خلال شهر رمضان، وتناول الأمين العام الأوضاع فى السودان بعد مضى 11 شهرا على اندلاع الصراع، وحذر من التطورات الخطيرة التى قد تؤدى إلى تفتيت السودان، وامتداد الحرب إلى منطقة الساحل والقرن الإفريقى والبحر الأحمر، وأن الحرب فى السودان خلفت خسائر فادحة، وأن الوقت قد حان لإلقاء السلاح، لأن الأزمة الإنسانية فى السودان وصلت إلى أبعاد هائلة، إذ يحتاج نصف السكان إلى المساعدة المنقذة للحياة، وأعرب عن قلقه البالغ من الدعوات إلى تسليح المدنيين، وأنشطة الحشد الشعبى فى مختلف الولايات السودانية، مما قد يؤدى إلى تعميق التوترات بين الطوائف والمزيد من العنف العرقى، وأنه وفقا لإعلان جدة يتعين على السلطات السماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وفورى إلى جميع السكان الضعفاء بغض النظر عن مكان وجودهم ومن الذى يسيطر على المنطقة الموجودين فيها، وطالب باستخدام كل الطرق والممرات البرية والجوية لتحقيق أكبر قدر من الاستجابة للمساعدات وإنقاذ الأرواح.
وتناول الأمين العام ما أسماه «الهجمات العشوائية» التى شنتها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وأدت إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين، وعمليات النهب، والاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسرى، والتعذيب، وتجنيد الأطفال، وتقارير مقلقة عن العنف الجنسى المنهجى المرتبط بالنزاع، بما فى ذلك الاغتصاب، والاغتصاب الجماعى، والاختطاف، والاتجار بالبشر بغرض الاستغلال الجنسى.
• • •
وأصدر مجلس الأمن فى 8 مارس 2024 قرارا يطالب كل من الجيش السودانى وقوات الدعم السريع بالوقف الفورى للأعمال العدائية قبل شهر رمضان، ودعا أطراف النزاع إلى السعى لإيجاد حل مستدام للنزاع من خلال الحوار، كما دعاهم إلى ضمان تمكين توصيل المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن وبدون عوائق وعبر الحدود وعبر الجبهات، والتزام الأطراف بالقانون الإنسانى الدولى، وإعلانهم الالتزام بحماية المدنيين فى السودان وفقا لاتفاقية جدة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع برعاية سعودية أمريكية والموقعة فى مايو 2023، ويشجع القرار المبعوث الأممى إلى السودان رمطان لعمامرة، على استخدام مساعيه الحميدة مع الأطراف والدول المجاورة لاستكمال وتنسيق جهود السلام الإقليمية، وعبر القرار عن القلق البالغ من انتشار العنف، والحالة الإنسانية الكارثية والمتدهورة، وانعدام الأمن الغذائى الحاد، خاصة فى دارفور، ويشجع القرار السلطات السودانية على مواصلة العمل بمشاركة وثيقة مع مكتب التنسيق للشئون الإنسانية، والمنظمات غير الحكومية الدولية لضمان وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى المحتاجين، وتعزيز وتنسيق الجهود الإقليمية والدولية لتسهيل انتهاء النزاع واستعادة عملية انتقال ديمقراطية شاملة ودائمة بقيادة مدنية، ودعوة الدول أعضاء الأمم المتحدة إلى الامتناع عن التدخل الخارجى الذى يسعى إلى إثارة الصراع وعدم الاستقرار، والعمل بدلا من ذلك على دعم الجهود الرامية إلى تحقيق سلام دائم فى السودان.
وقد أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن تنفيذ قرار مجلس الأمن رهن بالتزام قوات الدعم السريع باتفاق جدة، بالانسحاب من مساكن المواطنين، والمرافق العامة، ووقف انتهاكاتها للحقوق فى مختلف الولايات السودانية. وأكد قائد الجيش السودانى أنه لن تكون هناك هدنة إلا إذا نفذت قوات الدعم السريع اتفاق جدة الموقع برعاية سعودية أمريكية. ورحبت قوات الدعم السريع بقرار مجلس الأمن الداعى إلى وقف الأعمال العدائية فى شهر رمضان، وأن ترحيبهم بالقرار ــ وفق بيانهم ــ تأكيد لموقفهم الثابت من عملية السلام، وتجاه الشعب السودانى، والقول بأنهم يعملون على وقف هذه الحرب التى فرضها عليهم الإسلاميون السودانيون فى شهر رمضان عام 2023، وأنهم ــ أى الدعم السريع ــ لا يتوقعون منهم أن يوقفوا الحرب فى رمضان الآن.
• • •
ويلاحظ أن قرار مجلس الأمن أيدته 14 دولة وامتنعت روسيا عن التصويت بدعوى أن القرار يمثل دولة ذات سيادة، كما رحبت بالقرار السعودية وأعربت عن الأمل فى التزام جميع الأطراف بالقرار ودعتهم إلى الالتزام بمخرجات محادثات جدة لمصلحة الشعب السودانى، كما رحب الأردن بالقرار والأمل فى أن يكون بداية لحل الأزمة ووقف الحرب فى السودان، والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه. وقد أعاد أمين عام الأمم المتحدة يوم 11 مارس 2024 تجديد دعوته لوقف إطلاق النار فى السودان خلال شهر رمضان من أجل شعب يواجه الجوع والأهوال ومصاعب تستعصى على الوصف، وأن الوقت قد حان لتحقيق السلام.
وأكد المستشار القانونى لقائد قوات الدعم السريع أنهم سيلتزمون بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، ولكنهم سيردون إذا تعرضوا لهجوم، وأنهم جاهزون لأى مباحثات بين كل الأطراف، دولية أو إقليمية، فى إطار البحث عن هدنة فى شهر رمضان، واتهم الجيش السودانى بأنه لا يتوقع أن يكون له دور إيجابى، وأنه لم يلتزم بكل الهدن السابقة.
أما منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية مارتن جريفيث، قال فى 8 مارس 2024 إنه سواء تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار من عدمه، فمن الضرورى تحسين إيصال المساعدات، ودعا الأطراف إلى العودة إلى المفاوضات لبحث الأزمة، فقد أدى النزاع، حتى الآن، إلى نزوح نحو 8,3 مليون شخص، خرج منهم 1,7 مليون شخص إلى دول الجوار أو الخارج، وأن نصف سكان السودان البالغ عددهم نحو 50 مليون نسمة، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وأن نحو 18 مليون نسمة على الطريق إلى مجاعة، أى بزيادة نحو 10 ملايين نسمة مقارنة بعام 2023، وأنه يتعين لمنع مزيد من التدهور إدخال مزيد من المواد الغذائية، وأن الاستعداد للموسم الزراعى المقبل يحتاج لتمويل غير متوافر الآن، وأن قيمة الاستجابة الإنسانية للسودان قدرتها الأمم المتحدة بمبلغ 2,7 مليار دولار أمريكى، تم تمويل 4% منها فقط حتى الآن.
توضح الصورة التى تبلورها الأمم المتحدة عن الأوضاع الراهنة فى السودان وجود حالة كارثية على كل المستويات نتيجة صراع مسلح داخلى امتد 11 شهرا، وأصبح يهدد أمن واستقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه، وأن المخرج يتمثل فى العودة إلى المفاوضات بعد وقف القتال، للعمل على التوصل إلى حل سياسى للأزمة السودانية؛ حيث إن التركيبة السكانية القبلية فى السودان، والتدخل الإقليمى والدولى لدعم أحد طرفى الصراع فى مواجهة الآخر، يجعل الحسم العسكرى للأزمة أمرا صعب المنال فى المستقبل المنظور، وأنه من الأفضل، لمصلحة السودان وشعبه ودول الجوار، التوصل إلى صيغة حل سياسى يضمن الخروج الآمن لطرفى الصراع، ومرحلة انتقالية بحكومة مدنية توافقية تعد خلال عام من الاتفاق لانتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة للانتقال إلى حكم مدنى ديمقراطى والخروج بالسودان من دائرة الصراع المسلح الجهنمية التى دمرت الموارد البشرية والطبيعية.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات