أيهما أهم الخدمات أم الحقوق؟ - هانيا شلقامى - بوابة الشروق
السبت 18 أكتوبر 2025 9:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

أيهما أهم الخدمات أم الحقوق؟

نشر فى : الأحد 19 أبريل 2009 - 7:33 م | آخر تحديث : الأحد 19 أبريل 2009 - 8:06 م
قد يرى البعض أن المادة والخدمات العامة أهم من الحقوق السياسية، أى أن المهم الواحد يلاقى لقمة يأكلها، بيت يسكنه، ومدرسة لأولاده، وعمل يوفر له دخل وسوق لبضاعته، ورعاية صحية إذا احتاجها ومواصلات جيدة تسير فى شوارع نظيفة (زى بالضبط البنت عندما تقرر أن تتزوج، فتختار الرجل الذى سيوفر لها حياة كريمة ويضمن لها مأوى وملبسا ومأكلا على مستوى ترغبه)، ويبدو أن الحكومة والقوى السياسية فى مصر متفقة مع أهمية المادة فى حياتنا على حساب الحقوق المعنوية، كما تتفق أغلب الأسر المصرية على أهمية الجوانب المادية على حساب المسائل المعنوية والعاطفية للزواج.

وأنا هنا أدعو إلى ترك هذا النهج البرجماتى «Pragmatic» لأنه لا يحقق مصلحة الوطن ولا يضمن حياة زوجية سعيدة. كمواطنين نحن نحتاج إلى خدمات أفضل مما هو متاح لنا الآن، وبالتالى بجب على الدولة الاستمرار فى محاولة تحسين التعليم والصحة، والمرافق والأسواق والبيئة وطبعا الأداء الاقتصادى الجيد يضمن النمو، وبالتالى الرقى بالخدمات وإتاحتها للجميع. ولكن هذا لا يعنى أن حاجتنا إلى الممارسة السياسية الديمقراطية العادلة والآمنة أقل أهمية. إذ إن المشاركة فى اتخاذ القرار والرقابة على أداء متخذ القرار تضمن جودة واستمرارية الخدمات والمكاسب المادية وتقضى على الاستهتار والفساد واللامبالاة وانهيار مستويات الجودة والخدمات. فالمشاركة الديمقراطية هى أيضا مشاركة فى المسئولية، وتعنى أن للمواطن دورا فاعلا فى رسم وتنفيذ السياسات والبرامج، وإنه ليس فقط متلقيا للخدمات. والمشاركة تعنى أن المواطن يصبح حارسا على المرافق والمبانى والخدمات العامة وليس فقط مستهلكا لها. وبالتالى يعنيه الحفاظ عليها وعلى جودة مستوى أدائها.

ممارسة الحقوق تنمى الانتماء، وهى مفتاح المواطنة الحقيقية. فحبنا لمصر ليس مجرد شعارات وأغان ومقالات فى الجرائد تتحسر على مصر التى فقدناها، وإنما هى علاقة من المسئولية والاحترام بين الوطن والمواطن تحددها حقوق وواجبات.

وأرجع إلى المقارنة بالزواج وعلاقة الرجل والمرأة فى إطار تكوين أسرة، هل تكتفى المرأة بالمأوى والمأكل والملبس.. أم تحتاج أيضا إلى حق المشاركة فى اتخاذ القرار وحق المسئولية عن القرارات الأسرية التى تشارك فيها زوجها.. هل تحتاج إلى شريك يوفر لها الأمان المادى.. أم تحتاج أن تختار هذا الشريك لأنه يبادلها الحب والاحترام، وتكون هى مسئولة عن ماله ومصلحته، وهو كذلك عن كرامتها وراحتها؟

أتعجب من افتراض البعض أن إعطاء المرأة حقها سيؤدى إلى انهيار الأسرة، وهذا المنطق المغلوط هو نفسه الذى يفترض أن إعطاء المواطن حقوقه فى الممارسة السياسية سيؤدى إلى فوضى عامة وكأن كل مرأة طفل وكل مواطن «عيِّل» غير مسئول عن تصرفاته!!

إن معدلات الطلاق بين حديثى الزواج فى المناطق الحضرية المصرية فى ازدياد، وبالذات الطلاق الذى يتم خلال سنة أولى زواج. والتفسير السائد لهذه الظاهرة المؤسفة هو إسراع الأسرة إلى إتمام الزواج إذا توافرت المتطلبات المادية خوفا من العنوسة، وتناسى الجوانب العاطفية والمعنوية لهذا القرار المهم. والاختيار على هذا الأساس سريعا ما يؤدى إلى حدوث مشكلات بين الطرفين لأننا كبشر لدينا احتياجات مادية ومعنوية، ونحتاج إلى الاحترام والعاطفة والرحمة والتواصل. أما كمواطنين فبجانب الخدمات العامة وفرص الكسب والعمل نحتاج إلى المشاركة السياسية ونحتاج أن نمارس حق الاختيار وحق التعبير عن آرائنا دون خوف أو تهديد. نحتاج إلى المشاركة فى اتخاذ القرارات التى تؤثر فى حياتنا وفى بلدنا، وفى اختيار من يحكمنا حتى نفوز بشرف المسئولية والمواطنة، وحتى نتجنب حدوث الطلاق بين الوطن والمواطن.
التعليقات