رفع المعاناة - هانيا شلقامى - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 9:09 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

رفع المعاناة

نشر فى : الأربعاء 27 مايو 2009 - 7:06 م | آخر تحديث : الأربعاء 27 مايو 2009 - 7:06 م

 نرى اهتماما متزايدا بقضايا الفقر والمعاناة من قبل الحكومة والناس بعد سنين طويلة من تجاهل هذه القضية المهمة، ورفض فكرة انتشار المعاناة وتفشى الحرمان. أصبح لدينا الآن وعى بمعاناة قطاع كبير من الشعب المصرى، ولكن هل هذا الوعى مفيد؟ وهل لدينا اهتمام نافع يمكن أن يؤدى إلى رفع هذه المعاناة والتوجه إلى احتياجات وحقوق الفقراء؟ أعتقد أن هناك ظواهر مقلقة فيما يخص خطاب الفقر وجوانب خبيثة لهذا الاهتمام، سأحاول أن أتناول بعضها والخاص بالتناول الإعلامى والحكومى والشعبى والأمنى لهذه القضية المهمة.

أما عن الإعلام فنجد أزمة معلومات وفكر طاحنة تجعل تناول قضايا الفقر تبدو وكأنها مقصود بها فضح النظام الحاكم ونيل المكاسب السياسية فقط. الإعلام يكشف الحقيقة ولكن أحيانا بشكل ناقص وبأسلوب سردى يحكى لنا عن الظواهر والمعاناة ولا يتناول إطلاقا أسبابها. وكأن الإعلام يفترض أن الفقر مسئولية الحكومة وليس له جوانب اجتماعية وسياسية أخرى تجعل منه مسئولية اجتماعية وليست فقط مسئولية حكومية.

الإعلام أحيانا يتجاهل أيضا الحلول والسياسات اللازمة لرفع المعاناة، وكأن أيضا هذه المسائل مسئولية الحكومة وحدها وبذلك يسهم فى ترسيخ محورية دور الحكومة وتهميش الدور الشعبى، وذلك لتوصيل الانطباع بأنه لا يوجد أى أمل فى المشاركة فى تغيير السياسات والخدمات التى تمد الفقراء باحتياجاتهم. نجد بعض الكتاب والمعلقين الذين يستخدمون معاناة الآخرين من أجل تحقيق أهداف سياسية لا تخدم الفقراء، كاستخدام أزمة الخبز والكتابات المرسلة عن ضحايا طوابير العيش دون التوجه إلى أسباب الأزمة وأساليب حلها أو مثلا القبول بفكرة رفع الدعم عن هؤلاء الذين لا يحتاجون إليه من أجل ضمان وصوله إلى الفقراء، الذين يعتمدون عليه بشكل كلى لأن بالنسبة لهم الخبز المدعوم مسألة حياة أو موت. أحيانا ما نجد أن المعلقين يتحدثون باسم الناس ولكنهم لا يعبرون عن احتياجاتهم. ولا يتناولون القضايا بشكل جدى عميق وإنما يفضلون كسب ود القارئ دون عقله.

أما بالنسبة للحكومة فقد أصبح الحديث عن الفقراء حديثا أحاديا غير قابل للمناقشة. أو المشاركة فقد قامت الدولة بما عليها فى الاعتراف بالحق (وهى فضيلة) وبإتاحة المعلومات التى مكنتنا من معرفة مدى انتشار الفقر والمعاناة. وأيضا قامت بطرح بعض البرامج المقصود بها إتاحة الخدمات والفرص للأكثر فقرا، ومد شبكات الطرق والصرف والمياه، وأيضا بناء المدارس ومراكز الخدمات الصحية والاجتماعية فى القرى المحرومة، ولكن هذا التوجه يشبه علاقة الطبيب بالمرض. فالحكومة هى الطبيب، والفقر مرض فتاك، ولن يتوانى هذا الطبيب الهمام عن القضاء على المرض بكل الأدوية والتقنيات المتاحة له، ولكن بدون القضاء على أسباب المرض.

الفقر نتيجة غياب العدالة الاجتماعية، وإذا أردنا القضاء عليه فيجب مراجعة أسباب انتشاره ومراجعة السياسات التى أدت إليه. يجب إحداث نقلة نوعية فى السياسة الاجتماعية، بما فى ذلك سياسات الغنى والتمييز. فالحماية الاجتماعية وخطط تحدى الفقر يجب ألا تنفصل عن السياسة التنموية والاجتماعية للدولة، وبالتالى يجب أن نراجع آليات إنتاج أو إفراز العوز وكيفية مد الناس بالفرص والقدرات مع الحرص على النمو الاقتصادى والسلامة البيئية فى ذات الوقت. أما عن الوعى الشعبى فهناك مفارقات غريبة. من ناحية نجد ظاهرة الاستفادة من عوز الفقراء فمثلا قلة الأجور التى تدفعها الأسر للعاملين فى منازلهم أو أشغالهم وانتشار كلمة «هو حد لاقى شغل» كمبرر لهذه التصرفات المشينة، ليس إلا استغلالا لفقر النساء والرجال المجبرين على قبول الأجور الزهيدة والظروف المهينة، لأن البطالة بالنسبة لهم ترف لا يقدر عليه سوى المحظوظ الذى يعيش مع أهل يصرفون عليه أو عنده سند آخر.

كما نجد أيضا حركة خيرية واسعة النطاق سعيدة بخدمة الفقراء ومحاولة مدهم بالأكل والرعاية الصحية واللبس وحتى المسكن، ولكنها لا تبالى بتغيير أوضاع هؤلاء والعمل على تحويل الهبات والصدقة إلى حقوق لا يساوم عليها المستفيد.
إن العمل الخيرى عمل محترم ومهم، ولكنه ليس بديلا عن العمل الاجتماعى والسياسى الذى يسعى إلى التصدى للفقر من منطلق حقوقى كطريقة للنمو والتنمية ليس فقط كسكة للجنة.

ويبقى لدينا الجانب الأمنى للفقر، وهو الجانب الذى يفزعنا ويجعلنا نخاف ونعتقد أن الفقراء قادرون على ارتكاب أفظع الجرائم. وبدلا من التأكد من أن التناول الأمنى لا يخالف حقوق الناس المدنية، ويجعل من الفقراء صيدا سهلا لمن يسعى إلى تلفيق تهمة ما، فنجد حركة متزايدة لفصل الأغنياء عن الفقراء وإخفاء الأغنياء وراء أسوار المنتجعات ــ أو بمعنى أصح حصر القلة المحظوظة فى مناطق ومنتجعات سهلة الحراسةدــ وترك بقية المناطق فى المدن المصرية مرتعا للفوضى والجريمة وقلة الخدمات.

إن الحديث عن الفقر كعورة فى جبين الحكومة أو مرض يجب القضاء عليه أو فرصة لإيجاد عمالة رخيصة أو مقصد لصدقة مباركة أو حتى كمصدر للخطر لا ينفع الفقراء ولا يؤدى إلى طفرة إنمائية ولن يساند الفقراء فى سعيهم للبقاء والرخاء.

التعليقات