ظلال نووية على شبه القارة الهندية - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 20 مايو 2025 1:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ظلال نووية على شبه القارة الهندية

نشر فى : الإثنين 19 مايو 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الإثنين 19 مايو 2025 - 6:25 م

بجريرة إقليم كشمير، المتنازع عليه بينهما، منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 1947، خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب شاملة، كما شهدتا عشرات المواجهات العسكرية المحدودة، كما انضمتا إلى النادى النووى، بامتلاكهما معا قرابة 350 رأسا نوويا، معززة بمنظومات إيصالها من ثالوث نووى، يشمل: الطائرات القاذفة للقنابل الاستراتيجية، الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رءوس نووية، الغواصات المؤهلة لإطلاق تلك الصواريخ، بما يعكس القدرة الفعلية على الرد بالمثل، حال التعرض لهجوم نووى، الأمر الذى شكل ضمانة لعدم خروج صداماتهما المسلحة عن السيطرة، فلقد حال ما يُعرف بـ «توازن الرعب النووى الهش»، أو امتلاك الطرفين القدرة على امتصاص الضربة النووية الأولى والرد بالثانية، دون انزلاقهما إلى مواجهة موسعة، منذ العام 1998 وحتى الآن، غير أن تجدد المواجهات بينهما مؤخرا، عبر عمليتى «السندور»، و«البنيان المرصوص»، أحيا المخاوف من انزلاقهما إلى منعطف استراتيجى، لا تحمد عقباه.

 


يوشك امتلاك الطرفين ترسانة من الرءوس النووية، بعضها تكتيكى، أقل تدميرا وأكثر قابلية للاستخدام الفعلى، أن يطيح بفرضيات استبعادهما الخيار النووى، فمن جهته، يواصل الجيش الباكستانى تطوير قنابل نووية تكتيكية، لإيقاف أى هجوم هندى مفاجئ، ما يزيد من احتمالات وقوع السيناريو الكارثى، حال اندلاع مواجهة شاملة، ومنذ عام 1974، دأبت نيودلهى على تزويد ترسانتها النووية بذخائر متطورة بقنابل نووية تكتيكية، لا تتعدى قوة الواحدة منها نصف قوة قنبلة هيروشيما، ومع تفاعل النعرات القومية، التى وفرت تأييدا شعبيا للصدام، نحا البلدان منحًى تصعيديا مقلقا، أجبر واشنطن على التدخل الحاسم لمنع تدهور الموقف، فبعد تعرض قاعدة «نورخان» الجوية قرب العاصمة الباكستانية لضربات صاروخية هندية، ثم نجاح باكستان فى استخدام أنظمة دفاع جوى ومقاتلات صينية، لإسقاط المُغيرات الهندية كمثل «الرافال» الفرنسية والمُسيرات الإسرائيلية، لم تستبعد تقارير استخباراتية غربية لجوء البلدين لخيارات غير تقليدية، ومن ثم، هرعت واشنطن للحيلولة دون امتداد الضربات المتبادلة لتطال منشآت نووية، أو مواقع عسكرية حساسة.
يمثل تفوق الهند عسكريا، ديمجرافيا، وجيوسياسيا، على باكستان، محفزا للأخيرة للمبادأة بالخيار النووى، حالة تعرضها لهزيمة محققة فى أية مواجهة تقليدية، حيث يأتى الجيش الهندى فى المرتبة الرابعة عالميًا، بحجم إنفاق عسكرى يناهز75 مليار دولار، بينما يحل نظيره الباكستانى فى الترتيب الثانى عشر، ما يشى بحسم أية مواجهة تقليدية جديدة لصالح الهند، على غرار سابقاتها، الأمر الذى يجعل باكستان أكثر جنوحا لاستخدام السلاح النووى التكتيكى، كخيار استراتيجى دفاعى ضد أى هجوم هندى كاسح، أو عنصر حاسم لموازنة التفوق العسكرى الهندى التقليدى، حيث تتبنى باكستان عقيدة نووية، تستند على مبدأ «الاستخدام الأول»، الذى يضمن «الرد النووى المؤكد»، ويحقق «الردع المبكر»، عبر منظومة من الأسلحة النووية التكتيكية قصيرة المدى، لمواجهة أى اختراق هندى لأراضيه، وفى هذا يقول وزير التخطيط الباكستانى: «نكره أن نرى السلاح النووى يدخل المعركة، لكن إذا لم تُقلص الهند تصعيدها، فكل الخيارات مطروحة»، أما الهند، فتعتمد استراتيجية تنطلق من مبدأ «عدم البدء باستخدام السلاح النووى، إلا ردا على هجوم نووى»، حيث تعتقد فى فعالية ضربة ثانية، تطيح بالخصم المهاجم، كما تُبقى الباب مواربا لتعديل هذه الاستراتيجية، حال تعرضها لهجوم نووى، أوتهديد وجودى.
تظل الحسابات الخاطئة، وسوء التقدير، عوامل محفزة لتحول أى صراع تقليدى غير متكافئ بين البلدين إلى كارثة نووية، ولا يكمن الخطر فى امتلاكهما السلاح النووى ومنظومات إيصاله، بل فى انحسار الزمن الفاصل بين اتخاذ القرار باستخدامه، والتنفيذ الفعلى للهجوم، ويبقى الجوار الجيوسياسى بين الجارتين النوويتين مسوغا لجعل أى خلل فى التقدير، أو إنذار خاطئ، كفيلين بإحداث كارثة «نووية»، كونه يقلص الوقت الكافى لتقييم الوضع، كشف الإنذار الخاطئ، وتجنب التصعيد، فخلافا للصراع الأمريكى ـــ السوفييتى فى زمن الحرب الباردة، بمقدور أى صاروخ نووى يطلق من الهند أو باكستان، بلوغ البلد الآخر فى ثوان معدودات، مما يقلص زمن رد الفعل، ويزيد من احتمالات وقوع خطأ كارثى، لذا وفى اتصالين منفصلين مع وزيرى خارجية البلدين المتناحرين، ناشدهما نظيرهما الأمريكى، ضرورة تحديد سبل خفض التصعيد، واستئناف الاتصالات المباشرة، تجنباً لأى خطأ أو سوء تقدير.
رغم سوداويته، لم يخل المشهد الميدانى المعقد بين الهند وباكستان من بعض المؤشرات الإيجابية، فقد انهالت على الطرفين مناشدات من لدن الدول العظمى، الأمم المتحدة، مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، لضبط النفس، وبموازاة المساعى الحميدة، التى اضطلعت بها السعودية، إيران، وتركيا، توالت عروض الوساطة من قبل بكين وواشنطن، وبعدما أعلن نائب الرئيس الأمريكى، أن جل ما يمكن أن تقوم به بلاده هو تشجيع الجارين النوويين الآسيويين على خفض التصعيد، دون الانشغال المفرط بمواجهات، لا ناقة لواشنطن فيها ولا جمل عاد وانخرط مع وزير الخارجية، مارك روبيو، فى وساطة مكثفة، أسفرت عن اتفاق لوقف التصعيد بين دلهى وإسلام أباد، فيما كافأ، ترامب، البلدين على التجاوب مع تلك الوساطة، التى لجمت تصعيدا كاد يودى بحياة ملايين الهنود والباكستانيين، بإعلانه مضاعفة حجم التبادل التجارى معهما.
يفيد التقرير السنوى لمعهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام، بأن الهند وباكستان لا تمتلكان أسلحة نووية جاهزة للإطلاق عند الضرورة، بحيث تكون مثبتة على منظومات الإطلاق، أو الثالوث النووى، ومنتشرة فى مراكز إطلاق متعددة، ما يعنى أنه فى حال نشوب مواجهة شاملة، تجبر أحد الجانبين أو كليهما، على اللجوء إلى الخيار النووى، سيتطلب إخراج الذخائر النووية من مخازنهما، وتجهيزها للاستخدام العملياتى، فسحة من الزمن، يمكن للمجتمع الدولى استغلالها للتدخل، التوسط ومنع وقوع الكارثة النووية.
التماسا للتهدئة، انبرت باكستان فى توجيه رسائل طمأنة، حيث أبدى وزير خارجيتها استعداد بلاده لخفض التصعيد، حالة توقف الهجمات الهندية، مؤكدا تبادل البلدين الرسائل، واعتزامهما مباشرة الاتصالات، للتباحث بشأن القضايا الخلافية الحيوية، كمثل كشمير، والأمن المائى، وبعدما دعا رئيس الوزراء لاجتماع، هيئة القيادة الوطنية، وهى أعلى كيان يضم مسئولين مدنيين وعسكريين، ويتولى مسئولية اتخاذ قرارات استراتيجية، تشمل برنامج الصواريخ، الأسلحة النووية والأصول الاستراتيجية، أكد وزير الدفاع، عدم تحديد أى موعد محدد لذلك الاجتماع، وهو ما اعتبره المراقبون مؤشرا جادا على عدم رغبة إسلام آباد فى تصعيد الأزمة إلى مستوى يخولها اللجوء للخيار النووى، أو حتى التهديد بذلك بدورها، أكدت الهند، التى ما برحت تعتبر باكستان التهديد التالى بعد الخطر الصينى الأعظم، التزامها عدم التصعيد، إذا ما فعلت باكستان الشىء ذاته، وفى خطوة تشى بتدشين خط ساخن بين البلدين، لنزع فتيل التوتر وخفض التصعيد، أجرى البلدان، أول اتصال هاتفى بين مسئولين رفيعى المستوى، منذ تجدد التوترات بينهما، هما رئيسى العمليات العسكرية بجيشيهما، وبعد هجمات دموية استمرت عدة أيام، تبادلتا خلالها القصف الصاروخى المدفعى، والهجمات بالمقاتلات المتطورة والمسيرات، أسفر التفاوض المباشر بين الدولتين النوويتين، بوساطة أمريكية، عن إدراك اتفاق، فى العاشر من الشهر الحالى، يفرض «وقفا لإطلاق النار بمفعول فورى»، بغية تجنيب المنطقة والعالم أجمع، مواجهة نووية محتملة.
تحت وطأة «الابتزاز النووى»، و«توازن الردع النووى الهش»، يبقى الوضع الميدانى بين الهند وباكستان، قلقا وقابلا للانفجار، ما لم تنخرط الدولتان فى حوار مباشر، جاد ومستدام، لتسوية القضايا الخلافية العالقة والمزمنة بينهما، بموازاة التراشق الإعلامى، انعدام الثقة، تصاعد النزعة القومية، وبقاء جيشيهما فى حالة تأهب قصوى، حذر وزير الخارجية الباكستانى من أن عدم عودة الهند للالتزام باتفاقية تقاسم مياه نهر السند لعام 1960، سيشكل عدوانا على بلاده، ينذر بتقويض الاتفاق الراهن لوقف إطلاق النار، أما رئيس الوزراء الهندى، فشدد على اعتزام بلاده مواصلة استهداف أوكار الإرهابيين، بكشمير الباكستانية، حالة تعرضها لهجمات جديدة، وبعد ما جدد رفضها الرضوخ لأى «ابتزاز نووى» باكستانى، طالب بوضع الأسلحة النووية الباكستانية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مدعيا عدم أهلية الباكستانيين لحيازتها.

التعليقات