الخيار الفيدرالى فى اليمن: طريق إلى سلام دائم؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخيار الفيدرالى فى اليمن: طريق إلى سلام دائم؟

نشر فى : الأربعاء 19 سبتمبر 2018 - 10:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 سبتمبر 2018 - 10:50 م

نشرت مبادرة الإصلاح العربى ورقة بحثيه للباحث «محمد المخلافى» يستعرض فيها الظروف التى قادت إلى النزاع بشأن لامركزية الدولة ويستعرض الحوارات والتوافقات التى تلت قيام الجمهورية اليمنية، وحالت حربُ 1994 دون تنفيذها.. ثم اتفاق الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية على أسس مبادئ دستور جديد فى مؤتمر الحوار الوطنى الشامل، إلى أن تعطل المسار الدستورى بسبب الحرب التى اندلعت عام 2014 وما زالت مستمرة حتى اليوم.

اللامركزية: نظام حكم لتفادى احتكار السلطة
منذ قيام الجمهورية اليمنية احتلت لامركزية الحكم أهمية خاصة، لإنهاء موروث الشمال المُتمثل فى تركيز السلطة بيد الرئيس. ومن هذا المنطلق، تبنى دستور 1991 اللامركزية الإدارية والمالية فى إطار الدولة البسيطة، وأخضع المجالس المحلية للانتخاب بكامل هيئاتها.
غير أن أحد أطراف الائتلاف الحاكم، ممثلا فى رئيس الجمهورية وحزب المؤتمر الشعبى العام، أعاق إصدار قانون الحكم المحلى، وسعى لتعديل الدستور وإلغاء نصوصه المتعلِّقة باللامركزية والحكم المحلى. فرد الطرف الآخر فى الائتلاف ــ الحزب الاشتراكى اليمنى ــ على هذا المسعى بتبنى تعديل الدستور باتجاه تعميق لامركزية الحكم. وكانت هذه المسألة أحد عوامل الصراع بين الطرفين. وهو ما فرض على الطرفين البحث عن حلٍ عبر حوار دعمه المجتمع الدولى. تم على إثر هذا الحوار التوصل لتوافق سُمِى «وثيقة العهد والاتفاق» وقعته كل الأحزاب السياسية.
بموجب الاتفاق المذكور، حُسِم الخلاف بإقرار نظام حكم يقوم على اللامركزية الإدارية والمالية، ومُنِحت المجالس المحلية المنتخبة صلاحيات واسعة، كما عزز الاتفاق السلطة التشريعية باستحداث «مجلس شورى منتخب»، وحَددت الوثيقةُ المهامَ والصلاحيات العامة لمجالس الحكم المحلى التنموية والخدمية والإدارية والمالية.
وبينما كانت الحكومة تعمل على إعداد التدابير التشريعية لإنفاذ الاتفاق؛ جرى الانقلاب على الوثيقة والتوافق الوطنى، بشنِ حرب 1994 ضد الحزب الاشتراكى اليمنى وجنوب اليمن، فكان أن هُزِم مشروع الإصلاح الدستورى الذى تمكن الحزب الاشتراكى اليمنى ومعه معظم الأحزاب السياسية من تجسيده فى الاتفاق. ومن ثمَ فُتِح المجال أمام الرئيس وحزبه وحلفائه لتعديل الدستور، عامَى 1994و 2001، باتجاهٍ يتنافى مع إقامة حكم لامركزى.
زادت التعديلات من تركيز السلطة فى العاصمة صنعاء، وبين أيدى رئيس الجمهورية. وأدت الحرب وتغيير الدستور إلى انقسام وطنى حادٍ وتعالت أصوات بعض القوى الجنوبية مُطالِبة بإنهاء الوحدة وفك الارتباط. ومع تزعزع أسس الوحدة الطوعية والروابط الوطنية، برزت مخاطر تفكك الدولة والمجتمع، وأضحى العمل على تغيير الدستور ضرورة وطنية مُلِحة.
وثيقة الحوار الوطنى الشامل: الحل التوافقى المُمكن
فى ظل المخاطر على وحدة التراب الوطنى، توصلت الأحزاب السياسية إلى توحيد موقفها حول نقطتين أساسيتين: ضرورة تغيير الدستور للحفاظ على اللحمة الوطنية وإعادة الاستقرار، وتحقيق لامركزية الحكم. إلا أنها لم تتفق على مدى عمق اللامركزية. كما أنها اختلفت على ضرورة المحافظة على الدولة البسيطة أو الانتقال إلى الدولة الفيدرالية.
استوجب الانقسامُ بين الأحزاب البحثَ عن صيغة تجمع بين الرأيين، فتوصل اللقاء المشترك وشركاؤه عام 2009 إلى وثيقة «مشروع رؤية للإنقاذ الوطنى»، طُرح فيه خياران لتحقيق اللامركزية، هما: الأخذُ بشكل الدولة الفيدرالية، أو البقاء فى إطار الدولة البسيطة مع العمل على إقامة حكم محلى كامل الصلاحيات يقوم على أساس أقاليم كبيرة.
فى 11 فبراير 2011، انطلقت ثورة شبابية شعبية، كان من نتائجها التوصل إلى تسوية سياسية بموجب اتفاق المبادرة الخليجية واتفاق على آلية تنفيذ العملية الانتقالية. وبموجب تلك الآلية، عُقِد مؤتمر الحوار الوطنى الشامل، وتم التوصل فيه إلى عقد اجتماعى يُحقق تغييرا سلميا وتوافقا وطنيا. أسفر عن وثيقة الحوار الوطنى الشامل التى حددت أسس الدستور ومبادئه، بما فى ذلك ركائز الدولة الفيدرالية ومبادئها.
مسوَدةُ دستور يُقر اللامركزية
تم التوافق بين الأطراف السياسية والاجتماعية على إقامة الدولة الفيدرالية. وفى وضع مسوَدة الدستور، استندت اللجنة المعنية بإعداده إلى الأسس والمبادئ المضمنة فى وثيقة الحوار الوطنى الشامل. وجسَدت مسودة الدستور تلك الإرادةَ التوافقية فى التوجه العام، وتضمنت مسوَدة الدستور مسألة خلافية واحدة، هى عدد الأقاليم وحدودها.
مستويات حكم أربعة وصلاحيات متفاوتة
حددت المسوَدة صلاحياتٍ واختصاصاتٍ حصرية لمستويات الحكم الثلاثة: «الأقاليم، والولايات، والمديريات وأوجدت وضعا خاصا لكلٍ من مدينتَى صنعاء العاصمة السياسية، ومدينة عدن العاصمة الاقتصادية، فوُضعت مدينة صنعاء مباشرة تحت المستوى الوطنى، أى مدينة اتحادية، فى حين أُعطِيت مدينة عدن صلاحيات الإقليم والولاية والمديرية واختصاصاتهم، بما فى ذلك سَن القوانين ذات الصلة بالنظام الاقتصادى والمالى الخاص. ولكن فى إطار الإقليم.
أما فيما يتعلق بالأمن القومى، فقد حددت المسوَدة جهازين للأمن: الشرطة وجهاز المخابرات العامة. جهاز المخابرات العامة، هو جهاز اتحادى تشارك الأقاليم فى الرقابة عليه من خلال ممثليها فى مجلس الاتحاد، أى الغرفة البرلمانية الثانية. أما الشرطة، فهى تنقسم إلى جهاز شرطة اتحادى وجهاز شرطة الإقليم. ووضعت المسوَدة معايير توزيع الإيرادات الوطنية بين مستويات الحكم المختلفة.
وتُشارك الأقاليم فى القرار الاتحادى من خلال مجلس الاتحاد، أو الغرفة البرلمانية الثانية التى يُنتَخب أعضاؤها من الأقاليم وبالتساوى. ويضيف الباحث أن تقسيم السلطات وصلاحياتها واختصاصاتها بين مستويات الحكم المختلفة يُحقِق الهدف من إقامة نظام فيدرالى. كما يؤدى إلى التوزيع العادل للسلطة والموارد ويمنع تركيزها بيد السلطة التنفيذية ورئيسها فى العاصمة السياسية
إقرار الدستور: مسار وآلية بانتظار عودة السلم الأهلى.
حددت آلية العملية الانتقالية مسار الدستور الاتحادى وتغيير شكل الدولة أى هيكلها ونظامها السياسى، واعتمدت التوافق وسيلة، من خلال أداة هى مؤتمر حوار وطنى يشمل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحَراك الجنوبى والحوثيين وسائر الأحزاب وممثلين عن المجتمع المدنى والقطاع النسائى. ويشمل المسار وضع المبادئ والأسس لصياغة الدستور وإنشاء لجنة لهذا الغرض وتحديد عدد أعضائها وعرض الدستور للاستفتاء الشعبى العام.
وضعت وثيقة مؤتمر الحوار الوطنى الشامل أسس الدستور ومبادئه، بما فيها أسس الدولة الاتحادية ومبادئها وعددا من المعايير لتشكيل اللجنة .ولكى يستمر التوافق على صياغة الدستور وإقرار المسوَدة كمشروع يُطرح للاستفتاء الشعبي؛ أقرَت وثيقة الحوار الوطنى الشامل، فى الضمانات، تشكيل الهيئة الوطنية للإشراف والمتابعة فى تنفيذ مُخرَجات الحوار المذكور.
تم التوافق فى مؤتمر الحوار الوطنى الشامل على إقامة الدولة الفيدرالية، وعلى الأسس والمبادئ التى تقوم عليها طِبقا للدستور والقوانين ذات الصلة.
وأيا كان الأمر، فقد تحددت آلية عمل اللجنة الدستورية، وتم تشكيلها وإنشاء الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مُخرجات مؤتمر الحوار الوطنى الشامل، بقرارات رئيس الجمهورية، التى ألزمت الهيئتين بقرار لجنة تحديد الأقاليم، والتى قررت تكوين الدولة الاتحادية من ستة أقاليم، وحددت حدودها من خلال تحديد المحافظات التى يتكون منها كل إقليم..
خطوات إقرار الفيدرالية
يتم إقرار الدولة الفيدرالية من خلال إقرار الدستور، إلا أن ذلك بحاجة إلى ثلاث خطوات:
الأولى: مناقشة مسوَدة الدستور من قبل الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مُخرَجات الحوار الوطنى الشامل
الثانية: نشر المسوَدة للجمهور وإطلاق حملة مشاورات عامة لشرح مضمونها وجمع الملاحظات عليها من المواطنين بإشراف الهيئة الوطنية ولجنة صياغة الدستور.
الثالثة: مراجعة لجنة صياغة الدستور المسوَدة، وَفقا لنتائج المشاورات العامة وتقرير الهيئة الوطنية، وتُسلَم المسوَدة النهائية للهيئة للمواءمة النهائية مع مُخرَجات الحوار الوطنى..
حددت مسوَدة الدستور خطوات الانتقال إلى الدولة الاتحادية بخطوتين يجب اتخاذهما، فور إنفاذ الدستور:
الأولى تشريعية، تتمثل فى إصدار قانون الانتخابات، وقانون الأقاليم، وقانون السلطة القضائية، وقانون المحكمة الدستورية وقانون العدالة الانتقالية.
الثانية فهى إجراء الانتخابات العامة، مُتمثِلة فى انتخاب مجلس النواب الاتحادى ومجلس الاتحاد، وانتخاب مجالس نواب الأقاليم فى وقت واحد خلال مدة أقصاها سنة من تاريخ نفاذ الدستور، وإجراء انتخابات رئيس الجمهورية والمجالس المحلية خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية.
وبهذا تنتهى الفترة الانتقالية وتُقام الدولة الاتحادية.
وختاما يرى الباحث أنه فى حال عدم التوافق على دولة فيدرالية مكونة من إقليمين، يمكن إيجاد حل وسط فى اتفاق سلام ينص على أن يشكل جنوب اليمن إقليما اتحاديا واحدا، وأن يكون للمحافظات الأخرى أقاليم جديدة تُؤسَس وَفقا لأحكام الدستور، لا يزيد عددها عن إقليمين .ومن الأفضل أن يحل اتفاق السلام المشكلة دون الإخلال جوهريا بمُخرَجات الحوار الوطنى الشامل.

التعليقات