تصفيق حاد.. للشرس - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 3:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تصفيق حاد.. للشرس

نشر فى : الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 9:25 ص

كما لم يحدث مع أى فيلم آخر، فى مهرجان أبوظبى السينمائى، التهبت أكفّ الجمهور بتصفيق متوالٍ أثناء عرض «التحرير» أو «الطيب والشرس والسياسى»، المكون من ثلاثة مقاطع، أو ثلاث رؤى، أو ثلاثة أفلام، تتعرض بالرصد والتحليل، لوقائع الثورة المصرية، اعتمادا على تلك الوثائق المصورة، صوتا وصورة، على نحو يتجاوز خيال، وربما قدرات، أى مخرج روائى.. المادة الوثائقية بالغة القوة والثراء، تم عرضها على الشاشات كافة، مئات المرات. سواء على الشاشات الفضية أو التليفزيونية أو «اليوتيوب». ولكنها هنا، فى «التحرير»، توضع فى سياقات تأملية، تحولها إلى ثلاثة أفلام، منفصلة متصلة، تخاطب، بصدق وعمق، عقل ووجدان مشاهدين، يتابعون بشغف، أثر اللحظات الحرجة، الدامية، أثناء اندلاع الثورة، حيث يمتزج الموت بالحياة، واليأس بالأمل، والحزن بالفرح، والتراجيديا بالكوميديا..

 

فى مقطع «الطيب» الذى أخرجه تامر عزت، نتابع معه، وقع ما نراه من مشاهد وثائقية، على نفوس الذين شاركوا فى الحدث، فها هى الفتاة المصرية، تروى معركة كوبرى الجلاء، حين ازداد الضغط والضرب على متظاهرين أنهكتهم قنابل الغازات، ومدافع المياه، والرصاصات الحية، وضربات العصى، وبالتالى بدت الهزيمة محققة.. ولكن فجأة، تأتى أمواج بشرية من الثوار، الآلاف من الشباب والرجال والنساء، بعضهن معهن أولادهن وبناتهن. ومع قدومهم الكبير، تنهض الإرادة من جديد، ويبدو النصر قريب المنال، فقط يحتاج لدقائق من الصبر والصمود.. مع الصورة، تحكى الفتاة بكل ملامح وجهها المصرى تماما، عن إحساسها المتبدل، من الفشل القاتل إلى النجاح المرموق، حين رأت جحافل الثوار الجدد، المتقدمين نحو الكوبرى.. ولا يفوتها أن تذكر، بمحبة لا تخلو من أسى، عن تلك الأم التى تمسك ببنتيها، وقد أصيبت بطلق نارى، وبينما الدم ينزف منها، تصرخ فى بنتيها، طالبة منهما ألا ينظرا لها، وأن يستكملا مسيرتيهما. ويغطى تامر عزت صورة الفتاة بلقطات وثائقية مع الإبقاء على صوتها.. هنا تتحول الوثيقة إلى مشاعر نابضة بالمشاعر.

 

سأحدثك عن المقطع الثانى، ربما لأنه الأهم، بعد أن أتلمس المقطع الثالث، المتمتع بقدر غير قليل من المرح، بل بالكوميديا إن شئت، فالعبقرية المصرية، حقيقة، تجلّت أيام المجد، حين تنفست، وسط الدخان والدم، بالغناء والرسوم الضاحكة والشعارات الساخرة، وتمكنت أن تدير ميدان التحرير، وكأنه دولة كاملة، مدنية، عادلة، يتآخى فيها أبناء الطبقة الوسطى بالفقراء، والنساء مع الرجال، والمسلمون مع الأقباط، ويتحول جامع عمر مكرم إلى مستشفى ميدانى، ويجرى توزيع الطعام القليل على الجميع، ولا يفوت المخرج عمر سلامة، تسجيل شهادة طبيبة نفسانية، تتحدث عن نوبة الاختناق التى انتابت البعض، ليس بسبب الدخان والغازات، ولكن لأن الخطاب الثانى للمخلوع، لم يعلن فيه تنحيه كما كان متوقعا.. وها هو أحد الثوار، ممدود على الأرض، لا يستطيع أن يتنفس بسهولة.. واللقطة الوثائقية التالية، نرى مئات المعتصمين فى الميدان، وقد رفعوا أحذيتهم فى الفضاء. إنه التعبير البليغ عن الرفض والاحتقار.

 

فى صالة العرض، تماهى الجمهور مع الثوار، صفق لهم مرارا، ولكن فيما يبدو أن المقطع الثانى، الذى حققته أيتن أمين، بعنوان «الشرس»، أجاب عن أسئلة ترددت على أن أذهان الكثيرين.. ذكاء المخرجة قادها إلى منطقة مهمة، مبهمة، مسكوت عنها للعديد من الأسباب.. منطقة الخصم ــ ولا أقول وهى أيضا لا تقول «العدو» ــ منطقة ضباط الأمن المركزى، وأمن الدولة، مخالب السلطة الفظة، الظالمة، المنوط بها القضاء على الثورة. أيتن أمين، تلتقى بعدد منهم. بعضهم، يرفض، بصلف أن يتحدث معها. والبعض يتهرب منها، وثمة من يدافع عن مؤسسته، ولكن أهمهم، ذلك الضابط الذى كان فى قلب الميدان، يحكى بصدق عن عناء أيام المواجهات الدامية، الأمر الذى يثبت أن الخصم أيضا ينتابه الإرهاق، وإنه وإن بدا قويا، مدعما بالسلاح، فإن الوهن، مع عزيمة الطرف الآخر، يتسلل لكيانه.. ولعل من أكثر اللحظات درامية، تأتى حين يعترف، بأنه فى لحظة تنوير، أدرك أنه، وعساكره، لن يستطيع تشتيت هذه الجموع الغاضبة، فغرق فى هوة اليأس، وبالضرورة، تشتت رجاله المرعوبين، واختفى هو من الميدان.. إن أيتن أمين، تتوغل فى مناطق جديدة، لذا تمتع مقطعها بدرجة عالية من النضارة، فحق له، مع المقطعين الآخرين، هذا التصفيق الحاد.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات