تعريب المونديال - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تعريب المونديال

نشر فى : الإثنين 19 ديسمبر 2022 - 7:00 م | آخر تحديث : الإثنين 19 ديسمبر 2022 - 7:00 م
لعلنا لا نغالى إذا ما زعمنا بأن مونديال قطرلكرة القدم، قد اكتسى مسحة عربية، لم يعرفها تاريخ المسابقة الرياضية الكونية الأبرز، منذ انطلاق نسختها الأولى فى أورجواى عام 1930.
بوصفها أول دولة عربية وإسلامية تحظى بهذا الشرف، أبهرت قطرالعالم بتنظيمها الرائع للبطولة الأسمى. فمنذ اقتناصها حق تنظيمها قبل اثنى عشر عاما، انبرت فى الارتقاء بإمكاناتها، وتهيئة بنيتها الرياضية واللوجيستية؛ وفقا لأعلى مستويات الحداثة والاستدامة، بكلفة هى الأضخم فى تاريخ المسابقة الدولية، بعدما ناهزت 220 مليار دولار حسب بعض التقديرات. وعلاوة على تكنولوجيا الجيل الخامس، استحدثت تقنيات غير مسبوقة، مثل الرصد الإلكترونى الدقيق لحركة الجماهيروالإعلاميين، ومواضع اللاعبين، ومسارات الكرة داخل الملاعب. ولأول مرة فى تاريخ كأس العالم، أتاح تطبيق «فيفا»+ للمشجعين، متابعة فورية لتفاصيل ما يدور فى الملعب. فيما ساعدت تقنية الواقع المعزز، على عرض اللقطات الخاصة من زوايا مختلفة، مرفقة بجميع بيانات المباراة، وأحدث الإحصاءات والخرائط الحرارية لتحركات اللاعبين والحكام فى الميدان. ومع وجود مستشعر قياس بالقصور الذاتى داخل الكرة، تمكن الحكّام من تحديد أدق حالات التسلل بشكل شبه آلى. وهو ما يفسرعدم احتساب العديد من الأهداف، خصوصا ثلاثية الأرجنتين فى شباك السعودية، الأمر الذى اعتبره «فيفا»، ثورة فى تفاعل الجماهيرمع الساحرة المستديرة.
مبكرا، تجلى حسن بلاء المنتخبات العربية المشاركة فى البطولة. فرغم خروجهما المبكر من دور المجموعات، تمكن منتخبا السعودية وتونس، من تحقيق إنجازات تاريخية، بالفوز على منتخبات مرشحة لحصد اللقب. حيث انتزع «الأخضر» فوزا ثمينا على نظيره الأرجنتينى، بهدفين مقابل هدف، لينهى سيمفونية «صفر هزيمة» التى بدأ منتخب «التانجو» عزفها قبل أكثر من ثلاثة أعوام، متضمنة 36 مباراة متتالية، تخللها 25 انتصارا، و11 تعادلا، ليحرم بذلك المنتخب الأرجنتينى من، تعادل أو فوز، كان يحتاج أى منهما لمعادلة الرقم القياسى لنظيره الإيطالى، الذى خاض 37 مباراة دون هزيمة بين عامى 2018 و2021. وفى الجولة الثالثة، اقتنص المنتخب التونسى فوزا غاليا على نظيره الفرنسى، حامل لقب نسخة 2018، بهدف دون رد، ليرتفع رصيد «نسور قرطاج» إلى أربع نقاط، لم تكن كافية للحيلولة دون خروجهم المشرف من المونديال.
فى حين تسنى لمنتخبات عربية التأهل لدورالستة عشر فى نسخ مونديالية سابقة، مثل: المغرب 1986، والسعودية 1994، والجزائر 2014، حفرالمنتخب المغربى اسمه بأحرف من ذهب فى تاريخ كأس العالم، بعدما أضحى أول فريق عربى أفريقى يتأهل لنصف النهائى، ويشكل ندا لأعتى المدارس الكروية العالمية. فقد خاض مسيرة وعرة ضمن مجموعة عتيدة، أطاح خلالها بمنتخبات أوروبية عريقة كمثل بلجيكا، وإسبانيا، والبرتغال، ليغدو، «أسود الأطلسى» أكثر فريق عربى يخوض مباريات فى تاريخ كأس العالم، بواقع 23 مباراة؛ وثالث منتخب، من خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية، يبلغ المربع الذهبى، بعد الولايات المتحدة فى النسخة الافتتاحية عام 1930، وكوريا الجنوبية عام 2002. وبات حارسه المميز، ياسين بونو، الذى خاض 52 مباراة دولية، أول حارس أفريقى يحافظ على نظافة شباكه فى ثلاث مباريات ضمن بطولة واحدة، منتزعا جائزة أفضل لاعب فى مباراة البرتغال. كما أصبح مديره الفنى، وليد الركراكى، أول مدرب مغربى، وعربى، وأفريقى، يقود فريقا إلى نصف نهائى كأس العالم. ورغم إطاحة المنتخب الفرنسى بحلم المغاربة فى بلوغ المباراة النهائية، واصل «أسود الأطلسى»، ضرب الأرقام القياسية عربيا وأفريقيا، باعتلائه المركز الرابع فى مونديال قطر، بعد الخسارة أمام المنتخب الكرواتى بهدف لاثنين.
من بين طرائق شتى التمسها منتخب المغرب لبلوغ إنجازه التاريخى، حرص على الاستعانة بكوادره الكروية المحترفة بالخارج. فإضافة إلى مدربه ومساعده الثانى، فإن 13 من لاعبىيه، ولدوا أو نشأوا فى دول غربية. وقد عكف اتحاد الكرة المغربى على متابعة أكثر من 400 موهبة كروية محترفة فى الدوريات الأوروبية، كما بذل جهودا مضنية لإقناعهم بالانضمام لصفوف منتخبهم الوطنى، مستعينا بمحيطهم العائلى.
لما كان جمهور الكرة يعتبر «اللاعب رقم واحد» داخل المستطيل الأخضر، فقد حظى المنتخب المغربى بدعم عربى جارف، سواء من المحيط إلى الخليج، أو من لدن الجاليات العربية حول العالم، حتى شعر وكأنه يلعب على أرضه. فما إن ودّعت منتخبات قطر والسعودية وتونس، البطولة من الدور الأول، حتى انضم مشجعوها إلى مناصرى «أسود الأطلسى». ولعل هذا ما دفع نقادا رياضيين أوروبيين إلى الادعاء بأنهم كانوا يواجهون المنتخب المغربى على أرضه ووسط جمهوره. وهو ما أشاد به المدرّب، وليد الركراكى، الذى اعتبر المساندة الجماهيرية العربية الغامرة، سببا رئيسا للإنجازالكروى المغربى. فلقد حقق المنتخب المغربى رقما قياسيا جديدا، لجهة عدد المشجعين على مستوى أفريقيا، وآسيا، وأوروبا. فعلى نحو غير المسبوق، توحدت مشاعر جماهير كروية بتفوق منتخب عربى أو أفريقى، على مستوى القارات الثلاث، حتى تجاوز الاحتفال بنجاحاته، الفضاءات التقليدية لمشجعى كرة القدم. ومن عجب أن يوحد منتخب عربى مشاعر الجماهير الكروية فى فلسطين وإسرائيل على السواء، إذ احتفل اليهود المغاربة بـ«أسود الأطلسى»، رغم تمسكهم برفع العلم الفلسطينى فى الملعب عقب المباريات.
يعتقد اختصاصيون أن الرياضة يمكن أن تداوى جراح السياسة. فقد ارتأى عالم النفس الأمريكى، وليام جيمس، أن منافسات كرة القدم، توفر «المكافئ الأخلاقى للحرب»، كونها تتيح نشاطا تنافسيا ينتج نفس التأثيرات النفسية والاجتماعية الإيجابية للحروب؛ كالحماس، والانتماء، واللُحمة الوطنية؛ مع تجنب الدمار الذى تخلفه. وفى كتابه: «كرة القدم فى الشمس والظل»، سلط إدوارد جاليانو، الضوء على ما تفرزه المنافسات الرياضية، من نماذج رائدة تجسدها إبداعات الأبطال النابهين. وقد ذهبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إلى أن الإنجاز الكروى للمنتخب المغربى، سيسهم فى توحيد الشعوب العربية.
فبرغم إحباطاتها الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والحضارية؛ أظهرت حيوية الجماهير العربية بمونديال قطر، روعة وعيها، وتأثيرها فى العمل العربى المشترك. إذ أكدت أن الحلم العربى، وبرغم ما يحاصره من تحديات، ليس بعيد المنال. فمنذ أغسطس 2021، تم تجميد العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، التى يشوبها توتر منذ عقود، جراء دعم الجزائر لجبهة «بوليساريو» المطالبة باستقلال الصحراء المغربية، التى يعتبرها المغرب، جزءا من أراضيه، ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته. بيد أن ذلك لم يمنع الجمهور الجزائرى من الانخراط فى تشجيع منتخب المغرب. فعقب مباراة ثمن النهائى التى فاز فيها المنتخب المغربى على نظيره الإسبانى، توافدت جماهير جزائرية للاحتفال بانتصار أشقائهم على جانبى الحدود، فى تكرار لمشهد مماثل جرى عام 2019، عندما هبت جماهير من الجانب المغربى لتهنئة جيرانها الجزائريين بفوز منتخبهم بكأس أمم أفريقيا.
ورغم أن «الفيفا» يسمح برفع أعلام الدول المشاركة فى المباريات فقط، انتشر علم فلسطين كأيقونة، لازمت المنتخبات العربية ومشجعيها فى مختلف مبارياتها. الأمر الذى اعتبر بمثابة استفتاء شعبى على مكانة فلسطين فى الوجدان العربى والإسلامى، كما عكس مركزية القضية الفلسطينية لدى شعوب المنطقة.
بموازاة حشده تعاطفا دوليا حيال أولئك القادمين من الخلف، ليتخطوا صعابا جمة، ويبلغوا منازل تفوق توقعات الجميع، سلط «أسود الأطلسى»، الضوء على عبقرية «التلاحم الأسرى»، وروح «العائلة الممتدة» فى البنية الاجتماعية العربية. فبينما كانت كاميرات النسخ المونديالية السابقة تتبارى فى إبراز المشجعين من الشباب المتحمس، والفتيات الجميلات وسط المدرجات، كأيقونات جماهيرية، فرضت الأسرة، والأم العربية، نفسها بقوة كأيقونة، وبطلة للمشهد المونديالى القطرى. إذ حرصت أمهات لاعبين مغربيين؛ كأشرف حكيمى، وسفيان بوفال، وحكيم زياش، على مرافقة أبنائهن خلال المباريات، ودأبن على معانقتهم وتقبيلهم عقب المباريات. فيما اضطلعت بعضهن بأدوار ملموسة فى إقناع المحترفين منهم بالانضمام إلى صفوف منتخبهم الوطنى. وهى الروح، التى أقر مراقبون غربيون بافتقادها؛ فيما أرجعه الروائى الانجليزى، ألدوس هاكسلى، فى رائعته «عالم جديد شجاع»، المنشورة عام 1932، إلى إغراق الغرب فى النزعة العلمية المادية، المتمردة على منظومة القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، إلى حد تشويه الحرية والمُثُل الحضارية.
التعليقات