العدالة الانتقامية فى مصر - العالم يفكر - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العدالة الانتقامية فى مصر

نشر فى : الإثنين 20 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 يناير 2014 - 8:00 ص

كتب محمد الشيوى

باحث فى «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» فى القاهرة، ويركّز فى كتاباته على العدالة الانتقالية والمساءلة ــ مقالا تحليليا بنشرة صدى على الموقع الالكترونى لمركز كارنيجى للشرق الاوسط. تناول فيه صعوبة تحقيق العدالة الانتقالية فى مصر بنجاح فى مناخ الانقسام والاستقطاب الحالى.

جاء فيه: يزداد الاهتمام بالعدالة الانتقالية فى مصر نظرا إلى المناخ السياسى السائد حاليا فى البلاد. فقد وُصِفت هذه العدالة بأنها حيوية وتمدّ حبل النجاة للبلاد من أجل «السير قدما» فى تحوّلها نحو حكم أكثر ديمقراطية. بيد أن كثيرا ممّن يتحدّثون عن «الحاجة الماسّة» إلى العدالة الانتقالية فشلوا حتى الآن فى تحليل ممارسات الحكومة المؤقّتة فى مجال العدالة الانتقالية بطريقة صائبة. فالجهود التى انطلقت فى البداية من خلال المنظمات الأهلية اكتسبت الآن طابعا حكوميا رسميّا أكثر مع إنشاء وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة. بيد أن التدقيق عن كثب فى البيانات الوزارية يكشف أن الهدف الأساسى من إنشاء الوزارة هو معاقبة «الإخوان المسلمين» من دون سواهم، بدلا من السعى إلى إحقاق العدالة والمساءلة.

•••

على الرغم من الحاجة الملحّة إلى أن تضع مصر إجراءات تقود إلى محاسبة منتهكى حقوق الإنسان فى الماضى، إلا أن مطالبة الحكومة الحالية بتطبيق العدالة الانتقالية لا يأخذ فى عين الاعتبار السياق السياسى الراهن فى البلاد وتأثيره المحتمل فى مثل هذه العملية. فانطلاقا من بيانات وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة، غالب الظن أن مقاربة الحكومة الحالية للعدالة الانتقالية ستكون مشوّهة وإقصائية، وسوف تستهدف فئة واحدة.

ويصحّ القول إن عدم تحقيق تقدّم فى مجال العدالة الانتقالية يعود فى شكل أساسى إلى غياب الإرادة السياسية من جانب الحكومات المصرية المتعاقبة منذ العام 2011. فى المقابل، بدت الحكومة المؤقّتة الحالية ــ التى تعمد إلى التضييق على «الإخوان المسلمين» وتقرّ قوانين جديدة تجيز للشرطة استخدام الأساليب الهمجية ضد المحتجّين ــ متلهّفة للإيحاء بأنها تتّخذ الخطوات المناسبة بهدف المساءلة. ومن الأدلّة على ذلك إنشاء وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة، وتشكيل لجنة جديدة لتقصّى الحقائق بهدف التحقيق فى أعمال العنف التى وقعت بعد 30 يونيو الماضى. لذلك، من الضرورى فى إطار تحليل أسلوب تعامل الحكومة المؤقّتة مع العدالة الانتقالية، النظر فى الوزارة الجديدة التى استُحدِثت لمعالجة هذه المسائل منذ إطاحة مبارك من السلطة.

أنشئت الوزارة، وهى الأولى من نوعها، بعد فترة قصيرة من عزل محمد مرسى فى 3 يوليو الماضى. وقد أحيا قرار إنشائها الآمال بوجود مؤشّر عن التزام الحكومة الجديدة الجدّى بالمساءلة وبمحاسبة مرتكبى الجرائم السابقة. لكن مع مرور الوقت، يتبيّن أن دور الوزارة ليس أكثر من مجرّد فرصة لاستهداف السياسات التى طبّقها مرسى بدلا من السعى إلى إحقاق العدالة والمساءلة لجميع المصريين. وقد صرّح وزير العدالة الانتقالية محمد أمين المهدى، فى خلال إعلانه بأنه سيتم تشكيل لجنة لتقصّى الحقائق بهدف النظر فى كل الأحداث التى وقعت بعد 30 يونيو الماضى، أنّ الإخوان المسلمين «مسئولون بشكل غير مباشر عن كل ما يحدث فى الشارع المصرى من فوضى «...» ما يتعارض مع مفهوم المصالحة». كما أوضح فى مقابلة مع صحيفة محلية فى الثالث من يناير الجارى أن جماعة «الإخوان المسلمين» تُعتبَر منظمة إرهابية، وأنها تقف بلاشك خلف الانفجار الدموى الذى وقع فى المنصورة فى 24 ديسمبر الماضى. وفى المقابلة عينها، شرح المهدى أيضا أن دور الوزارة هو «إيجاد بيئة تشريعية مناسبة لتكون الأساس لوضع قانون العدالة الانتقالية»، ما يعنى أن مجلس النواب سيعتمد إلى حد كبير على خلاصات اللجنة الوزارية الحالية لإصدار قانون حول العدالة الانتقالية فى المستقبل.

فى هذا السياق، قد يصبح من الأسهل فهم الدوافع التى تقف خلف الحكم الصادر عن محكمة الإسكندرية فى 27 نوفمبر الماضى، والذى دفع بعض المحلّلين إلى المطالبة بتطبيق العدالة الانتقالية. يبدو أن الدولة تسعى إلى خنق كل مظاهر المعارضة للمنظومة التى قامت فى البلاد بعد 3 يوليو الماضى. ولا يقتصر هذا الاستهداف على «الإخوان المسلمين»، بل توسّع مؤخرا ليشمل مجموعات أخرى مثل حركة 6 أبريل التى سُجِن ثلاثة من أعضائها فى ديسمبر الماضى بتهمة «الاحتجاج من دون إذن». الإشكالية المطروحة فى هذا الصدد هى أن الجزء الأكبر من المطالبات بإحقاق العدالة الانتقالية يستند إلى الدولة باعتبارها الحكَم الأساسى، إلا أنه لا يأخذ فى عين الاعتبار كيف أنّ من شأن الموقف الأيديولوجى للحكومة المؤقّتة أن يؤثّر سلبا فى عملية من هذا القبيل. وخير دليل على ذلك أن وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة المسئولة عن هذه العملية أصدرت حكمها مسبقا حول الجهات التى تعتبرها مسئولة عن الجرائم التى ارتُكِبت فى الماضى.

•••

العدالة الانتقالية هى ممارسة عملية تقوم تقليديا على عناصر مرتبطة بالمحاكمات الجنائية، والبحث عن الحقيقة، ومنح التعويضات للضحايا. تشكّل هذه العناصر «عدّة» كاملة للعدالة الانتقالية، ويجب تطبيقها بطريقة شاملة وعلنية. لكن المقاربة التى تنتهجها الحكومة حاليا هى التركيز حصرا على فترة السنة التى أمضاها مرسى فى السلطة، بما يصبّ فى سياق الخطاب العام الذى يصوّر الإخوان بأنهم إما تهديد إرهابى وإما كيان «غير مصرى». فالاتّهامات الموجّهة إلى مرسى منذ عزله من الرئاسة تتحدّث عن تورّط خارجى فى هروبه من السجن فى العام 2011، وتدّعى مشاركته فى مؤامرة إرهابية واسعة النطاق ضد مصر. وتلتقى السياسات التى تنتهجها وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة إلى حد كبير مع الأسلوب المعتمد فى التعامل مع الدعاوى المرفوعة ضد مرسى. ففى أغسطس الماضى، دعت الوزارة إلى تغيير قوانين الجنسية، مدّعية أن عددا كبيرا من الفلسطينيين حصل على الجنسية المصرية فى عهد مرسى. علاوة على ذلك، حدّدت الوزارة فى مذكّرة صادرة عنها فى نوفمبر الماضى، خططها الهادفة إلى إعادة النظر فى مراسيم العفو الرئاسى التى صدرت فى عهد مرسى. ويُرجّح أن هذا القرار ينطلق من الاعتقاد بأن مرسى منح العفو لمقاتلين جهاديين سابقين يقفون الآن خلف الهجمات التى تستهدف الجيش فى سيناء. واقع الحال هو أن مرسى أصدر فى خلال رئاسته مراسيم بالعفو عن نحو 25 جهاديا سابقا، بيد أن غالبية مراسيم العفو صدرت فى خلال تولّى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد فى العامَين 2011 و2012.

•••

مما لاشك فيه أن مصر تحتاج إلى آلية تقود فى شكل خاص إلى المساءلة وكشف الحقيقة، لكن التركيز على دور الدولة فى تطبيق مثل هذه الخطة يطرح إشكالية فى الوقت الراهن. فالتدقيق عن كثب فى السياسات التى تعتمدها الدولة فى هذا المجال يكشف أنّ من شأن أى عملية لإحقاق العدالة الانتقالية فى ظل النظام السياسى الحالى أن يشوبها تسييس شديد. كما أنّ العمل على تطبيق العدالة الانتقالية ضمن إطار الوزارة الحالية وفى الأجواء الراهنة يمكن أن يُحوِّل مفهوم العدالة الانتقالية مطيّة لملاحقة الخصوم السياسيين، أى ما يُعرَف بـ«العدالة الانتقامية»، الأمر الذى من شأنه أن يلحق ضررا كبيرا بقدرة مجموعات الضغط على استخدام مفهوم العدالة الانتقالية للمطالبة بألا تمرّ الجرائم السابقة من دون عقاب.

التعليقات