ماذا بعد إسقاط بالون التجسس الصيني؟ - مروة صبحي منتصر - بوابة الشروق
الثلاثاء 5 أغسطس 2025 11:52 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

ماذا بعد إسقاط بالون التجسس الصيني؟

نشر فى : الإثنين 20 فبراير 2023 - 7:30 م | آخر تحديث : الإثنين 20 فبراير 2023 - 7:30 م

يبدو أن المنطاد الصينى الذى اخترق المجال الجوى الأمريكى فى الثالث من فبراير الحالى، واستمر فى التحليق فوق سمائها ثم أسقطته وزارة الدفاع الأمريكية بواسطة طائرة أمريكية من طراز ((Fــ22 Raptor قبالة ساحل ولاية كارولينا الجنوبية، لم يكن الأول من نوعه.
فقد ادعت الولايات المتحدة أن بالونات التجسس الصينية قد طارت عاليا فوق أربعين دولة فى خمس قارات، كما طارت أربع مرات فى السابق فوق الأراضى الأمريكية، آخرها فى عهد ترامب، قبل أن يتم رصدها. ولا يصرح المسئولون الأمريكيون متى وكيف علموا بهذه الرحلات الجوية الأخرى، لكنهم يقولون إنهم يتشاورون مع الحلفاء والشركاء المتضررين، لحشد استجابة عالمية لعمليات البالون التى تقوم بها الصين ووضع حد لها.
حسب إعلان مسئولين أمريكيين يوم الجمعة الماضى، أنهت الولايات المتحدة جهود استعادة بقايا البالون الكبير الذى أُسقط قبالة ساحل ولاية كارولينا الجنوبية، ويعزز تحليل الحطام حتى الآن الاستنتاجات القائلة بأنه بالون تجسس صينى.
توج الإعلان بثلاثة أسابيع مثيرة شهدت إسقاط الطائرات المقاتلة الأمريكية أربعة أجسام محمولة جوا ــ البالون الصينى الكبير فى 4 فبراير وثلاثة أجسام أصغر بكثير بعد نحو أسبوع فوق كندا وألاسكا وبحيرة هورون. إنها أولى عمليات إطلاق النار المعروفة فى وقت السلم لأجسام غير مصرح بها فى المجال الجوى للولايات المتحدة.
وصرح المسئولون الأمريكيون أيضا بأن البحث عن الجسم الصغير المحمول جوا الذى أُسقط فوق بحيرة هورون قد توقف، ولم يتم العثور على أى شىء. وفشلت الولايات المتحدة وكندا أيضا فى استعادة أى حطام حتى الآن من الجسمين الآخرين اللذين تم إسقاطهما فوق يوكون وشمال ألاسكا.
• • •
وخلال حرب المناطيد هذه نجد أنفسنا أمام روايتين. الرواية الصينية القائلة بأن المنطاد الكبير هو مدنى للأرصاد الجوية انحرف عن مساره ودخل المجال الجوى الأمريكى بالخطأ. بينما الرواية الأمريكية الأحدث التى جاءت وفق تقرير للصحيفة الأمريكية نيويورك تايمز، التى كشفت عن القصة السرية لإسقاط البالون الصينى. فما هى تلك الرواية؟
فحسب مسئولين أمريكيين لم يتم الكشف عن هوياتهم، نظرا لحساسية المعلومات الاستخباراتية، فإن بالون التجسس الصينى الذى تم إسقاطه قبالة سواحل كارولينا الجنوبية فى أوائل فبراير كان من المفترض فى الأصل أن يقوم بمراقبة القواعد العسكرية الأمريكية فى جوام وهاواى، وهى مركز استراتيجى للبحرية والقوات الجوية الأمريكية فى غرب المحيط الهادئ، لكن الرياح أبعدته ــ عن غير قصد الصينيين ــ عن مساره إلى ألاسكا وكندا وأخيرا البر الرئيسى للولايات المتحدة.
يتمثل البعد السرى للقصة فى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على علم منذ اليوم الأول من مغادرة البالون الصينى من جنوب الصين فى مقاطعة هاينان، وأنها كانت تعلم بأنه بالون تجسس ولكنه لم يوجه للأراضى الأمريكية. ولكن أثناء انحرافه ودخوله أجواء الولايات المتحدة الأمريكية قابل دبلوماسيون أمريكيون كبار مسئولين صينيين على انفراد.
اتفق الدبلوماسيون الأمريكيون مع نظرائهم الصينيين على أن الصين ستقوم بتفجير البالون، لأنه يحتوى على آلية للتفجير الذاتى عندما يصل فوق منطقة خالية من السكان.
استغرق الأمر ما يقرب من ثلاثة أيام بعد الأزمة العامة التى اندلعت حول البالون حتى يخبر المسئولون الصينيون نظراءهم الأمريكيين أن المتحكمين فى المنطاد كانوا يحاولون تسريع خروج البالون من المجال الجوى الأمريكى، فى محاولة واضحة لنزع فتيل التوترات التى حيرت مسئولى إدارة بايدن.
وفى ذلك، يرى الأمريكيون أنهم لم يتأكدوا من نوايا الصينيين حول أن آلية التدمير الذاتى قد تعطلت ولم يستطيعوا تفجيره فى الجو، أم أن الصينيين ماطلوهم كى يكسبوا مزيدا من الوقت حتى يستطيعوا رصد المزيد من المعلومات العسكرية عن الترسانة الأمريكية.
عند هذه النقطة، كان البالون قد وصل إلى الساحل، وكان الرأى العام والسياسيون الأمريكيون قد أعربوا عن غضبهم منذ أيام لأنه انكشف أمر وجود بالون صينى فوق الأراضى الأمريكية من قبل وسائل الإعلام بعد أن كانت إدارة بايدن تخفيه عن الرأى العام ــ وانتقد البعض الرئيس بايدن لعدم إسقاطه على الفور ــ وعزم المسئولون الأمريكيون على وضع أيديهم عليه لدراسة أجهزة الاستشعار الخاصة به من خلال فحص الحطام الناتج عن ضربة صاروخية فقط.
تناقضت تصريحات الرئيس الأمريكى بايدن حول حادث البالون الصينى فعند الإعلان عن وجوده داخل أمريكا، صرح بلهجة تهديد واضحة موجهة للصين أثناء خطابه عن حالة الاتحاد. ولكن سرعان ما تراجعت حدة لهجته فى خطابه يوم الخميس الماضى. حيث صرح: «انتهاك سيادتنا أمر غير مقبول، لكنه قال إنه «يتطلع إلى الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة مع بكين». كما أضاف: «أتوقع أن أتحدث مع الرئيس شى وآمل أن نتمكن من الوصول إلى حقيقة الأمر»، مضيفا، «لكننى لا أعتذر عن إنزال هذا البالون».
يمكن أن نستدل من حادثة بالون التجسس الصينى ورد الفعل المتضارب للرئيس الأمريكى بعد إسقاطه حقيقة أنه من الصعب توقع حدوث حرب تقليدية مباشرة بين القوتين، ولكن يمكن القول إن الحرب الباردة المعلنة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت للتو. ومن المحتمل أن نشاهد الأيام المقبلة مزيدا من البالونات التى قد تضل طريقها فى سماء الولايات المتحدة وحلفائها أو الصين وحلفائها.
لا تزال هناك أسئلة حول البالون الأصلى دون معالجة، بما فى ذلك قدرات التجسس التى يمتلكها، وما إذا كان يرسل إشارات أثناء تحليقه فوق مواقع عسكرية حساسة فى الولايات المتحدة؟
• • •
إلى جانب البالون الصينى، انضم كبار المسئولين الأوكرانيين الأسبوع الماضى إلى التركيز العالمى الجديد على تهديد المناطيد الجوية غير المأهولة واستخدامها المحتمل للتجسس والتعطيل. قال المسئولون إنهم يسقطون بشكل روتينى الأشياء الصغيرة التى يمكن أن تستخدمها روسيا للتجسس ولكن يبدو أنها فى الغالب خدع تهدف إلى جذب انتباه الجيش الأوكرانى والذخيرة من أهداف أكثر أهمية.
وقالت الإدارة العسكرية فى مدينة كييف يوم الأربعاء الماضى على قناتها على Telegram إنه تم رصد «نحو ستة أهداف جوية للعدو» فوق العاصمة الأوكرانية، مما أدى إلى إطلاق أجهزة الإنذار الجوية. وبحسب المعلومات الأولية، قال البيان إنها «بالونات تتحرك تحت تأثير الرياح» و«يمكن أن تحمل عاكسات زوايا وأجهزة استخباراتية معينة، وقد تم إسقاط معظمها».
حيث حذر يورى إحنات، المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، من وجود الكثير من أوجه التشابه بين البالون الصينى الضخم الذى تسبب فى الهيجان الأخير والبالونات الروسية المزعومة التى تم رصدها فوق كييف، وهى أصغر بكثير ــ يبلغ قطرها نحو خمسة أقدام ــ ويبدو أنها مصممة بشكل أساسى على شكل أفخاخ. ويزعم أنه قد تم إطلاقها من أراضى روسيا أو بيلاروسيا.
بينما استخدمت روسيا تلك البالونات فى الحرب الدائرة فى أوكرانيا لغرض عسكرى، بغية تشتيت انتباه الجيش الأوكرانى ورغبة منها فى استنزاف المزيد من صواريخ الجيش الأوكرانى فى إسقاطها. لم تستخدم الصين بالوناتها للغرض ذاته بل تنوعت أهدافها. تكمن الغاية الأولى من الصينيين، إلى جانب أغراض التجسس، أن يكون له غاية تحذيرية مفادها أن تعلن الصين أنها «على مسافة قريبة جدا من الولايات المتحدة الأمريكية».
إلى جانب ما سبق فلدى الصين هدف آخر. فبالرغم من عدم تمكنها حتى الآن من إنشاء قواعد عسكرية حول البر الرئيسى للولايات المتحدة الأمريكية كما تفعل الولايات المتحدة بإنشاء العديد من قواعدها العسكرية حول البر الرئيسى للصين، وكان آخرها توقيع اتفاقية عسكرية مع الفلبين لإنشاء قاعدة جديدة لها هناك، إلا أنها تستطيع بأقل التكاليف اختراق المجال الجوى الأمريكى ذاته.
كذلك تعتبرها الصين ضمن سياسة رد الاعتبار ضد واشنطن، حيث أعلنت بكين أن الولايات المتحدة الأمريكية هى من لها السبق فى مسألة مناطيد التجسس والتى بلغت نحو 11 بالونا فوق الأراضى الصينية منذ بداية عام 2022.
وختاما، تنبئنا حوادث بالونات التجسس بين الصين والولايات المتحدة باستمرار عن حالة التوتر بين الدولتين، لكنها لا تتطور إلى حالة الحرب المباشرة، وذلك كى يبرهن الطرفان لبعضهما البعض القدرة على المناورة والردع بشكل تنافسى. وهذا ما يدفعنا إلى توثيق المرحلة الحالية بأنها «حرب باردة معلنة» بين الجانبين لا يمكن توقع تداعياتها فى المستقبل القريب.

مروة صبحي منتصر مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة
التعليقات