فى حالة غزو تايوان، من المرجح أن يستهدف المتسللون الصينيون (القراصنة) الشبكات العسكرية الأمريكية والبنية التحتية الحيوية الأخرى.
فى حين أن الكثير من اهتمام عالم الأمن السيبرانى ينصب على صد الاختراقات الروسية ضد أوكرانيا، فإن المسئولين الأمريكيين قلقون بشكل متزايد بشأن تهديد آخر: الهجمات التى تشنها الصين على الأراضى الأمريكية. حيث يصرحون بأنه «إذا غزت الصين تايوان، فمن المحتمل أن تطلق وابلا من الضربات الرقمية ضد الولايات المتحدة فى نفس الوقت».
جددت الصين التدريبات العسكرية حول الجزيرة ردا على اجتماعات تمت بين رئيسة تايوان وقادة مجلس النواب فى الولايات المتحدة فى 5 أبريل الحالى. وهو اجتماع وصفته الصين بـ«الاستفزاز».
حذر كبار المشرعين ومجتمع المخابرات الأمريكية ومسئولى الأمن السيبرانى فى الأسابيع الأخيرة من أنه فى حالة حدوث غزو، فمن المرجح أن تحاول الصين عرقلة الأنظمة الأمريكية المهمة بهجمات إلكترونية على أنظمة النقل العسكرية مثل الموانئ والسكك الحديدية، أو ضد الخدمات المدنية الرئيسية مثل المياه والكهرباء.
قال النائب مايك جالاجر، رئيس لجنة مجلس النواب للشئون الصينية، فى بيان: «إذا تحرك شى جين بينج إلى تايوان، فيجب أن نفترض أنه سيشن هجمات إلكترونية ضد الولايات المتحدة كجزء من العملية»... «ومن المحتمل أن يشمل ذلك الهجمات على شبكتنا الكهربائية وأنظمة المياه والبنية التحتية للاتصالات ــ خاصة بالقرب من المنشآت العسكرية الرئيسية».
يمكن للقراصنة الصينيين أيضا مهاجمة شبكات الشركات التى تقدم خدمات للجيش أو لمشغلى البنية التحتية الحيوية، مما يجعل أنظمتها رهينة لدفع الفدية.
يُنظر إلى الصين على أنها واحدة من أخطر الدول فى الفضاء الإلكترونى، وتعد عمليات التجسس الإلكترونى التى تقوم بها من بين بعض أهم التحقيقات الإلكترونية التى تجريها الحكومة الأمريكية. قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى كريستوفر وراى فى عام 2020: «إن وكالته تفتح تحقيقا جديدا فى جهود مكافحة عمليات التجسس الصينية كل 10 ساعات، ونصف تحقيقات مكافحة التجسس التى يقوم بها مكتب التحقيقات الفيدرالى تتعلق بالصين». وقد حذرت تقييمات التهديدات التى أجراها مجتمع الاستخبارات منذ فترة طويلة من أن الصين «قادرة على نحو شبه مؤكد» على شن هجمات إلكترونية تخريبية ومدمرة.
• • •
ومن خلال هذا الاحتمال المرجح من قبل المسئولين الأمريكيين يمكن توقع حدوث الغزو الصينى الإلكترونى على المجالات التالية:
فيما يتعلق بمجال الشبكات العسكرية والنقل، من المرجح أن تكون الأنظمة العسكرية وطرق النقل للقوات والإمدادات التى تأتى لمساعدة تايوان على رأس قائمة المتسللين الصينيين.
أعلن الرئيس جو بايدن عدة مرات التزامه بإرسال قوات أمريكية إلى تايوان فى حالة حدوث غزو صينى، وهو أمر تريد الصين إيقافه. يمكن أن يشمل ذلك استهداف شبكات الموانئ على الساحل الغربى والمطارات وشبكات النقل الأخرى التى تحرك القوات الأمريكية.
حذر تقييم التهديدات السنوى لمجتمع الاستخبارات الأمريكية، الذى صدر فى فبراير الماضى، قائلا: «إذا كانت بكين تخشى أن يكون صراعا كبيرا مع الولايات المتحدة وشيكا، فمن شبه المؤكد أنها ستفكر فى القيام بعمليات سيبرانية عدوانية ضد البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة والأصول العسكرية فى جميع أنحاء العالم».
وشدد التقرير على أن «مثل هذه الضربة ستهدف إلى ردع العمل العسكرى الأمريكى من خلال إعاقة صنع القرار الأمريكى، وإثارة الذعر المجتمعى والتدخل فى نشر القوات الأمريكية».
سيكون مقاطعة العمليات فى الموانئ أولوية قصوى. زار النائب غالاغر والنائب كارلوس جيمينيز أخيرا ميناء ميامى لتسليط الضوء على الاستثمار الصينى فى البنية التحتية للموانئ الأمريكية. وشمل ذلك ملاحظة أن الغالبية العظمى من رافعات الشحن فى الموانئ تأتى من شركة صينية واحدة.
وزعم المشرعون أن الصين قد تغلق الرافعات لتأخير المساعدات لتايوان. أرسل القادة الجمهوريون فى لجنة الأمن الداخلى فى مجلس النواب بعد ذلك رسالة إلى وزارة الأمن الداخلى يسألون فيها عن نقاط الضعف السيبرانية فى الموانئ البحرية.
وكتب المشرعون: «إذا استغل خصم ما نظام التكنولوجيا التشغيلية (OT) لهذه الرافعات، فقد تتوقف عمليات الموانئ تماما».
أما ما يتصل بمجال الطاقة، فمن المرجح أيضا أن يركز المتسللون الصينيون على البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة من أجل تقويض دعم الأمريكيين لتايوان.
يمكن أن يشمل ذلك ملاحقة مشغلى الكهرباء وموردى الوقود. فعلى سبيل المثال، تسبب هجوم 2021 ببرنامج الفدية على مورد رئيسى للبنزين فى الساحل الشرقى فى نقص واسع النطاق فى الغاز وأدى إلى طوابير طويلة فى المضخة، مما يوضح الاضطراب المجتمعى الذى يمكن أن يسببه هجوم إلكترونى.
توقع مدير وكالة الأمن السيبرانى وأمن البنية التحتية، جين إيسترلى، فى فبراير الماضى، «أن القراصنة الصينيين يمكن أن يلاحقوا أنظمة مثل خطوط أنابيب الغاز، محذرا من أن هذا النوع من الهجوم سيحاول تقسيم الأمريكيين». وقال إيسترلى، الذى تتولى وكالته حماية البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة من التهديدات الإلكترونية، إن الصين ستستخدم الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة لبث «الذعر والفوضى».
أما مجال الأمن المائى، فيمكن أن يتعرض قطاع المياه، الذى يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره إحدى أكثر المناطق المعرضة للهجوم، لتهديد من الصين. تم توضيح الآثار الكارثية المحتملة لهجوم إلكترونى على هذا القطاع فى عام 2021، عندما تمكن متسلل مجهول من الوصول إلى الشبكات فى مركز معالجة المياه فى أولدسمار بولاية فلوريدا، وحاول ــ لكنه فشل ــ فى تسميم إمدادات المياه.
بدأت إدارة بايدن فى معالجة نقاط الضعف الأمنية فى القطاع، لكن قد لا يكون ذلك كافيا لمواجهة تهديدات بكين، التى أبدت اهتماما باختراق قطاع المياه فى السنوات الأخيرة. وشمل ذلك الاستهداف المزعوم لمنطقة المياه فى جنوب كاليفورنيا، أكبر وكالة مياه فى البلاد، من خلال ثغرة أمنية واسعة الاستخدام.
ومما يزيد الطين بلة هو ضعف موارد العديد من مؤسسات قطاع المياه، حيث لا يوجد لدى العديد من المجموعات الأصغر التمويل أو الموظفين للصمود أمام التهديدات السيبرانية. هذا يجعل القطاع فريسة سهلة للهجمات.
أما مجال الأعمال والأسواق المالية، فى تاريخ الصين لاختراق الشركات الأمريكية غالبا ما أعطت الأولوية للمكاسب المالية وسرقة الملكية الفكرية. ومن المرجح أن تواصل الصين السعى وراء هذه الأهداف فى غزو تايوان، ومحاولة ضرب الأسواق المالية الأمريكية، فى محاولة لتقويض الدعم الأمريكى لتايوان وإحداث الفوضى.
فى السيناريو الذى مر به الجمهوريون فى مجلس النواب الشهر الماضى، كان القطاع المالى هو الضحية الرئيسية لتركيز قدرات الحرب الإلكترونية على التعبئة العسكرية بدلا من حماية الشبكات المدنية.
يمكن أن تلعب الهجمات الإلكترونية فى القطاع المالى، جنبا إلى جنب مع شركات مهمة لتعبئة القوات، دورا فى محاولة الصين لإبطاء العمليات العسكرية.
كما صرح أحد المسئولين الأمريكيين: «تعتمد وزارة الدفاع، لأغراض التعبئة العسكرية، على البنية التحتية الوطنية الحيوية، والطاقة، والمياه، والنقل، وحتى الخدمات المالية، وبقدر ما تكون البنية التحتية الوطنية الحيوية غير جاهزة، وبالتالى سيتم إعاقة الجيش الأمريكى».
• • •
إذا اتبعت الصين أيا من هذه السبل لشل الولايات المتحدة، فقد لا تخوض معركة سهلة.
بينما يحذر الخبراء من أن الولايات المتحدة لديها نقاط ضعف أكثر من معظم الدول الأخري بسبب الطبيعة المترابطة للغاية والمتصلة بالإنترنت لمعظم المنظمات والمؤسسات هناك، فإن هذا لا يعنى أن الولايات المتحدة لا حول لها ولا قوة.
يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها واحدة من أكثر الدول تقدما فى الفضاء السيبرانى، على الرغم من أن تفاصيل هذه القدرات هى أسرار استخباراتية تخضع لحراسة مشددة. منع الجيش الأمريكى الوصول إلى الإنترنت فى روسيا يوم انتخابات التجديد النصفى لعام 2018 لوقف انتشار المعلومات المضللة. وقبل أكثر من عقد من الزمان، من المحتمل أن تكون المخابرات الأمريكية والإسرائيلية قد نفذتا هجوما إلكترونيا مشتركا على موقع تخصيب نووى إيرانى أدى إلى تراجع البرنامج النووى الإيرانى.
قال رئيس العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بوب مينينديز: «على الصين أن تقلق بشأن قدراتنا، وعليهم وضعها كجزء من معادلتهم». «لكل فعل رد فعل».
يضع الكونجرس أعينه بحزم على الصين هذا العام، ولا سيما التهديدات الإلكترونية الصينية. وقال جالاجر فى تصريح صحفى فى فبراير الماضى إن لجنة مجلس النواب الجديدة بشأن الصين ستجعل تحديد التهديدات الإلكترونية الصينية المرتبطة بغزو تايوان ذات أولوية قصوى. وقال إن اللجنة الفرعية التابعة للجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب والمعنية بتقنيات الإنترنت والتكنولوجيا المبتكرة وأنظمة المعلومات، والتى يرأسها، ستنظر أيضا فى هذا الأمر.
مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة