بنـــــــاء الــذات لا الاعتماد على الخارج - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بنـــــــاء الــذات لا الاعتماد على الخارج

نشر فى : الخميس 20 مارس 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الخميس 20 مارس 2014 - 9:25 ص

فى نهاية هذا الشهر سيزور الرئيس الأمريكى دولة من دول مجلس التعاون الخليجى هى المملكة العربية السعودية. الهدف من الزيارة المعلن هو إصلاح الشقوق فى العلاقات الأمريكية ــ الخليجية العربية التى نتجت عن تباين فى وجهات النظر وعن اختلافات فى المواقف بشأن أمن الخليج ومواجهة حراكات الربيع العربى.

ويظهر، حتى الآن، أن الاجتماع سيكون ثنائيا، مع أن المواضيع التى ستبحث تخص، بصورة مباشرة أوغير مباشرة، كل دول المجلس ودون استثناء. فإذا كان ذلك يعنى، على الأقل فى الذهن الأمريكى، أن شرح المواقف الأمريكية وتقديم التطمينات والوعود وتأكيد العلاقات الاستراتيجية لهذه الدولة الخليجية أو تلك كافٍ أوتوماتيكيا لحل إشكالات أمريكا مع كل دول مجلس التعاون الأخرى، فإن ذلك تعامل أمريكى دبلوماسى خاطئ سيعكس نفسه سلبيا وضارا على تماسك ووحدة وفاعلية المجلس.

فالرئيس الأمريكى يجب أن يسمع الجميع ويستمع للجميع بسبب تعقد وسخونة وأهوال الوضع الخليجى والعربى والإقليمى فى هذه المرحلة التى تعيشها الأمة العربية وهى تحاول أن تخرج من مآسى ومظالم الماضى.

•••

أيا تكون طبيعة هذا الاجتماع وإلى أية وجهة يذهب فإن مجلس التعاون مجتمعا يحتاج أن يأخذ الجوانب التالية بعين الاعتبار، الآن ومستقبلا، فى علاقته مع أمريكا:

أولا، إن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكى ملىء بالتخلى المفاجئ، وأحيانا المأساوى، عن الحليف إذا كان ذلك التخلى يخدم المصلحة الوطنية الأمريكية. لقد حدث ذلك فى الماضى لقادة إيران والفلبين والعديد من دول أمريكا الجنوبية. ولذا فلا يظن قادة مجلس التعاون أنهم فى منأى عن مثل ذلك التخلى مستقبلا، إن تبدلت الموازين وتغيرت الأحوال فى المنطقة أو فى العالم.

ثانيا، إن مجلس التعاون هو جزء من الوطن العربى الكبير فى سرائه وضرائه. ولذا فإن أية محاولة للاعتقاد أو للتصرف وكأنَ العلاقات الخليجية العربية – الأمريكية يمكن أن تكون مستقلة عن مواقف أمريكا تجاه قضايا الأمة الكبرى ستكون محاولة كارثية وغلطة تاريخية.

فمثلا أن تتعامل دول مجلس التعاون مع أمريكا دون أى اعتبار لمواقفها الظالمة اللاإنسانية تجاه الوجود الصهيونى الاستيطانى فى فلسطين المحتلة أو لطرحها مشروع الفوضى الخلاقة الشهير من أجل إدخال الأمة العربية فى جحيم الصراعات الإثنية والمذهبية والدينية فإن ذلك يعنى ممارسة دول المجلس لعبة الاستخفاف بالروابط العروبية القومية والإسلامية، وفصل مصير مستقبلها عن مصير أمتها العربية وعالمها الإسلامى.

وينطبق نفس المنطق على عدم السَماح بأن تستعمل دول المجلس، مجتمعة أو منفردة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كأداة فى يد الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها لتنفيذ مخططات إمبريالية ــ صهيونية من مثل احتلال هذا البلد العربى أو إسقاط نظام ذلك البلد العربى. والأمثلة على ذلك كثيرة تدمى القلوب وتطرح ألف سؤال وسؤال.

ثالثا، لا يستطيع الإنسان أن يفهم هوس دول المجلس بالتفتيش عن مظلة أمنية أجنبية لحماية نفسها. والواقع أن هذا الهوس أصبح مرضا يهيئ لعودة الاستعمار المباشر، بكل تجلياته، لهذه المنطقة.

ولقد كان من المفروض، خصوصا بتوفر الثروة البترولية الهائلة، أن يصبح درع الجزيرة، بعد مرور حوالى ثلاثين سنة على إنشائه، قوة عربية خليجية ذاتية قادرة على حماية دول المجلس. لكن ذلك مع الأسف لم يحدث بسبب عدم الجدية السياسية الكافية داخل مجلس التعاون وهوس كل دولة بسيادتها الوطنية وخوفها من غدر الآخرين المتخيل.

رابعا، لابد من طرح هذا السؤال: ألا يرى قادة مجلس التعاون فى العلاقة مع أمريكا إلا مساعدتها على الهيمنة الكاملة على الساحة البترولية الخليجية وإلا استجداء حمايتها الأمنية؟ ماذا عن الاستفادة الكفؤة بالتقدم الأمريكى الهائل فى العلوم والتكنولوجيا كمبادلة لتعاون دول المجلس مع أمريكا فى قضايا البترول والأمن؟ هذا موضوع بالغ الأهمية لتنمية ومستقبل دول المجلس، لكننا لا نعرف متى سنفتح عيوننا على إمكانات تطويره الهائلة مع هذا العشق والولع الأمنى الذى نعيشه ليل نهار دون أن نحس بغيره.

•••

ما يحز فى النفس أن الجواب على الخلافات مع أمريكا، وهى كثيرة جدا، لا يتعدى فى أيامنا هذه إلا أخذ الصور مع قادة الصين وروسيا والهند وغيرهم والتهديد باستبدال العلاقات الغربية بعلاقات شرقية، بينما الجواب الحقيقى هو فى النظر الجدى إلى نقاط ضعفنا الذاتية وإجراء تغييرات جذرية بشأنها.

وفى النهاية فإن علاقة دول الخليج العربية، سواء مع أمريكا أو غيرها، تحتاج أن تتناغم مع مصالح الأمة العربية وتصب فى حل قضايا الوطن العربى الكبير، فأمريكا وغيرها سيذهبون ويهجرون، ولن يبقى لنا فى المستقبل إلا أمتنا التى تمتد فى التاريخ عبر القرون وفى الجغرافيا من المحيط الواسع البعيد إلى بحر خليجنا الصغير.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات