مقال العيد - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مقال العيد

نشر فى : الخميس 20 أبريل 2023 - 9:05 م | آخر تحديث : الخميس 20 أبريل 2023 - 9:05 م

من حسن حظ هذا المقال أنه سيُنشَر في العيد.. العيد الصُغّير كما اعتدنا أن نسميه وعيد رمضان كما يقال له أحيانًا، المهم أنه عيد. أما اعتبار أن المقال محظوظ لأنه سيُنشَر في العيد فهذا له مبررات كثيرة، أولها أنه سيكون مناسبة لبدئه أو ختامه بالتهنئة بكلمات لطيفة، والحقيقة أن جملة كل سنة وانتَ طيب أو وانتِ طيبة مع أنها روتينية جدًا وليس فيها أي إبداع وصارت تُمتَهن لأن الكل يقولها لك على مدار العام دون مناسبة لأسباب معروفة، نعم رغم كل ذلك إلا أنها عندما تقال في مناسبة حقيقية فإنها تكون مطلوبة وتحافظ على شَعرة الود والمحبة بين الناس. بالإضافة لذلك توجد مبررات أخرى للاحتفاء بنَشر المقال في العيد، منها مثلًا أن السياق العام يفرض أن تكون معظم المقالات قصيرة وبالتالي فإنها لن تسبب إرباكًا للمسؤولين عن تنسيق صفحات الرأي في الجرائد عندما تفاجئهم أحيانًا مقالات أطول من اللازم وتضعهم في مأزق. كما أن هذه المقالات ستكون من النوع اللطيف الخفيف على القلب، وبالتالي سوف نجد مقالات تتكلّم عن تقاليد الشعوب المختلفة في الاحتفال بالأعياد وعن دور البلالين الملوّنة والمراجيح والبُمب والثياب الجديدة في إدخال السعادة على قلوب الصغار. كما سنجد مقالات أخرى تتحدّث عن أنواع الكحك والبسكويت والغُرّيبة والبيتي فور والذي منه. بطبيعة الحال لا ننكر أن الأمر لن يسلَم من تنغيص القارئ بتذكيره بارتفاع السُعرات الحرارية في قطعة الكحك الواحدة لكن القارئ المدمن لن يهتم، وهناك مدمنون حقيقيون لأكل الكحك، لكن يخفّف من خطورة هذا الإدمان أنه موسمي فنادرًا ما يُقبل محبو الكحك على تناوله في غير الأعياد وبالتالي فإن التسيّب منضبط ومؤقت ومحكوم ويمكن التسامح معه. كذلك سيأتي بعض التنغيص من الحديث عن نار الأسعار وعلبة الكحك التي تباع بألفي جنيه وأكثر عند المحل إياه، لكن الذي سيذهب لشراء كحك بألفي جنيه لن يشعر أصلًا بالتنغيص لأنه يستطيع أن يشتري بدلًا من العلبة الواحدة علبتين وعشر عُلب، أما الذي ليس في مقدوره أن يشتري هذا النوع من الكحك وهو يمثل غالبيتنا فإنه لن يبتئس بل سيتعامل مع هذا الكلام وفق قاعدة "اللي معاه قِرش ومحيّره يجيب حمام ويطيّره"، وبالتالي فمَن يريد أن يطيّر الحمام سيدفع المطلوب منه عن طِيب خاطر حتى لو لامس السعر السحاب. المهم أن المقالات في معظمها ستدور في هذا الفَلَك، وسوف تنزوي جانبًا تلك المقالات الثقيلة التي تتحدث عن تطورات الحرب الأوكرانية وتسريبات المخابرات الأمريكية والعلاقات الفرنسية-الصينية والتغيّرات في المشهد الإقليمي. وقد ينوب مقالات العيد- كل المقالات- من الحب جانب عندما يتساقط فوقها بعض رذاذ السكر البودرة المرشوش على الكحك أو بعض فتافيت الغُرّيبة الناعمة فتظهر بقع الدسم والفرحة فيما بين السطور والكلمات مشيرة إلى أن هنا يوجد عيد. بالمناسبة هل يعرف أحد سبب تسمية الغُريّبة بهذا الاسم؟ لا ضرورة مطلقًا في الاجتهاد بحثًا عن إجابة، فهذا مجرد خاطر لذيذ من وحي المناسبة.

• • •

كذلك هناك حدّ أدنى من المزاج والروقان سيصاحبان قراءة مقالات العيد، فهناك فارق كبير جدًا بين أن تقرأ الجريدة من أولها لآخرها وأنت صائم وريقك جاف، وأن تقرأ الجريدة بتمعّن وتلذّذ وأنت تأخذ رشفة من كوب الشاي باللبن أو السادة أو النسكافيه، ولا تحدثني عن روعة الكوب الأول بعد الصيام، وصِفة الروعة هذه ما هي إلا تبسيط لما يسميه إخواننا الاقتصاديون "ارتفاع المنفعة الحديّة"، أي زيادة قيمة الشئ إلى منتهاها وبما يزيد حتى على سعره الحقيقي، وذلك عندما يتم فعل الشئ في موعده المناسب، وهذا الكوب بأي سائل يملأه عندما يُرتَشَف رشفة رشفة في صباح يوم العيد فإنه يكون في موعده المناسب تمامًا. نقطة أخرى وهي أنني صحيح لم أجرّب أبدًا شعور المدخّنين بل إنني كنتُ عجَبَة في بيتنا حيث كل مَن فيه بالمعنى الحرفي للكلمة يدخنون، لكني أقدّر مشاعر المدخنين وأتفهّمها جيدًا وأعرف أن هناك بينهم مَن يفطرون في رمضان على سيجارة وكان أبي الحبيب واحدًا من هؤلاء، ثم أنني أقدّر تلك المشاعر لأنني من أبناء ذلك الجيل من المصريين الذي غنّى له الملحّن محمد موجي كلمات الشاعر حسين السيد التي تقول "فنجان شاي مع سيجارتين ما بين العصر والمغرب، ونظرة شوق في نار قلبين مع السكّر بتتقلّب". هذه الكلمات كما نرى تجعل من فنجان الشاي مع سيجارتين جزءًا صميمًا من مشهد رومانسي رقيق التقى فيه الحبيبان وتحوّل قلباهما لسكر مذاب من فرط الهيام. إذن سيحظى مقالي ومقالات زملائي التي سوف تنشر في العيد بنفس المعاملة المَلَكية، وسوف نُقرأ، إن قُرِئنا طبعًا، مع فنجان شاي وسيجارتين وبعض المخبوزات الشهيّة الطازجة.

• • •

وأخيرًا فإن من بين مزايا مقالات العيد أنها ستعيش فترة أطول من غيرها، ليس لأنها لا سمح الله أهم من غيرها، بل لأن الجرائد التي تحتوي مقالات العيد لن تُستخدَم في الأغراض المنزلية لمدة أسبوع على الأقل، فلقد انتهت والحمد لله أعمال التنظيف التي اجتاحت البيوت المصرية في الثلث الأول من شهر أبريل مع الاستعداد لسلسلة الأعياد المتتالية مسيحية ومسلمة، ودخلَت كل الأُسَر المصرية في فترة سكون وراحة ونقاهة وإجازات كانت تحتاج إليها. وهكذا ضمنّا- دون أن نقصد- ألا تمتد الأيادي لتلك الجرائد لبضعة أيام مقبلة، فزجاج النوافذ مازال يلمع كالماس، وفرش الأرفف في المطبخ مازال جديدًا لمن يستخدمون الجرائد لهذا الغرض، وبالتالي ستظّل مقالات العيد متاحة لتلك الأُسر التي تتمسّك بقراءة الصحف الورقية حتى يومنا هذا، ولو أنها في تناقص مستمر.

• • •

الأعياد مناسبات استثنائية، والاستثناء له جاذبيته لأنه يعكس التمايز والاختلاف ويكسر الرتابة والروتين. كل عام وأنتم بخير، وكل عام وأعيادنا مبهجة باسثناءاتها المحببة في الطقوس والزينة والطعام وأيضًا في.. المقالات.

نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات