أزمة سد النهضة: إلى أين؟ - عزت سعد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة سد النهضة: إلى أين؟

نشر فى : السبت 20 يونيو 2020 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 20 يونيو 2020 - 9:10 م

منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية الحكم فى مصر قبل ستة أعوام تبنَّت مصر مقاربة تعاونية واضحة تجاه إثيوبيا استهدفت أساسا بناء الثقة مع الشعب والقيادة الإثيوبية والسعى لتغيير بعض من الإرث التاريخى المضطرب بين البلدين. وفى هذا السياق، كان الرئيس هو أول من بادر إلى زيارة إثيوبيا ومخاطبة البرلمان فيها والتأكيد على أن مصر تدعم تماما عملية التنمية الشاملة فيها وأنها ليست ضد بناء سد النهضة. فى الوقت ذاته، وبدعمٍ من الحكومة المصرية أقبل القطاع الخاص وقطاع الأعمال فى مصر على الاستثمار فى إثيوبيا فى مجالات متنوعة بما فيها الزراعة والأمن الغذائى والصناعة، كما قدمت مبادرات عديدة لتعاون تنموى واسع مع إثيوبيا.
وكان الهدف من المقاربة المصرية هو بناء الثقة وتوجيه رسالة قوية بأنه كما تعترف مصر بمصالح إثيوبيا فى مياه النيل إلا أنها تتوقع اعترافا مماثلا بمصالحها فيه. والحال على ما تقدم، تبنَت إثيوبيا منذ البداية موقفا متعنتا لا أساس له من القانون وبات واضحا ومنذ البداية أن كل ما تريده القيادة الإثيوبية هو الاحتفاظ بالحق الحصرى فى التحكم الكامل فى تدفق مياه النيل كهدف استراتيجى تاريخى، تحت غطاء «توليد الطاقة الكهرومائية وتنمية البلاد»، ويتلخص المطلب الرئيسى لمصر من المفاوضات فى تأمين الحصول على الحد الأدنى من تدفق مياه النيل الأزرق، بما لا يؤثر جوهريا على قدرتها فى توفير احتياجاتها المائية من النيل، وهو ما لا يبدو أن إثيوبيا مستعدة لقبوله حتى الآن. حيث ترى أن ذلك ينطوى على اعتراف ضمنى منها بهذا الحق، الأمر الذى لا ترغب فيه. إذ أن هدفها الأول والأخير ــ والتاريخى ــ هو أن تكون وحدها صاحبة القرار الفصل فى كل ما يتعلق بمياه النيل. ولذلك رفضت إثيوبيا منذ البداية إجراء الدراسات الفنية ودراسات الجدوى الخاصة بالسد، وما كان قد بدأ منها عرقلته إثيوبيا وأفشلت عملية إتمامه. وبإيجاز ينطلق الموقف الإثيوبى المتعنت والثابت منذ عقود من اعتبارات سياسية وتاريخية محضة، هدفها تقويض الدولة المصرية وتطبيق الخناق عليها إلى أبعد حد. ولم تكتف النخبة السياسية بحشد الشعب الإثيوبى خلف مشروع السد، وتقديمه على أنه المفتاح السحرى للمشكلات المعقدة التى تعانى منها إثيوبيا منذ عقود. ولم يقتصر سلوك النخبة الحاكمة على الداخل، حيث قادت إثيوبيا الجهود التى انتهت إلى إبرام اتفاقية عنتيبى المعنوَنة بـ«اتفاقية الإطار التعاونى لنهر النيل»، والتى تمهد الطريق أمام دول المنبع الأخرى لبناء سدود خاصة بها فى المستقبل. وإدراكا منها لصعوبة الحصول على تمويل من المؤسسات المالية الدولية لبناء السد، حيث ستطلب منها هذه الأخيرة التشاور أولا مع البلدان المتضررة قبل الحصول على التمويل، اختارت الحكومة الإثيوبية، تمويل السد ذاتيا سواء من الموازنة أو طرح سندات محلية اضطر الإثيوبيون لشرائها لتمويل السد تحت هذا الحشد الشعبى الهائل بجانب تمويل ثنائى من عدد من الدول. وقد سرقت نسبة لا يستهان بها من هذا التمويل وقتل المشرف على بناء السد ارتباطا بفضائح فساد.
وهكذا، ومنذ البداية، اختارت إثيوبيا بناء واقع على الأرض ولم تقدر المقاربة التصالحية التى تبناها الرئيس المصرى والتمسك بالدبلوماسية كمبدأ ثابت على أمل أن يقود ذلك إلى توافق بين الجانبين يحقق مصالح الجميع.
***
ولقد أدى سوء نوايا الجانب الإثيوبى المتعمد إلى مقاومة أى وساطة لفترة طويلة، فى ضوء عدم سلامة موقفها، إلى أن نجحت مصر فى تأمين المحادثات التى استضافها وزير الخزانة الأمريكى وبمشاركة البنك الدولى كمراقب، والتى انطلقت فى 6 نوفمبر 2019 وحتى 28 فبراير الماضى. ويراعى اتفاق واشنطن مصالح الدول الثلاث واعتبارات العدالة، كما يأخذ الحالة الهيدرولوجية لمياه النيل فى الاعتبار، والقضايا البيئية والاجتماعية المرتبطة بملء السد وتشغيله، وآلية للتنسيق الدورى المشترك فيما بين الدول الثلاث على المستويين الوزارى والفنى للإشراف على تنفيذ الاتفاق.
وبما أن كل ذلك هو ما تتهرب منه إثيوبيا وترفض التزامها به منذ البداية، لم يكن أمامها سوى عدم المشاركة فى الاجتماع الذى كان مقررا توقيع الاتفاق فيه، حيث وجدت نفسها فى مأزق حاولت الخروج منه بطرح القضية فى أروقة الاتحاد الإفريقى بعيدا عن واشنطن، وهو ما لم يلق آذانا صاغية، كما اتهمت مصر ــ عبر إعلامها الموجَه ــ بتعمد تصعيد النزاع من خلال طلب الوساطة الأمريكية. وذهب وزير المياه الإثيوبى فى حملة تضليل للرأى العام إلى حد القول بأن «فريق التفاوض الإثيوبى تعرض لضغوطٍ هائلة من جانب الولايات المتحدة ومسئولى البنك الدولى»، مؤكدا أن إثيوبيا ستبدأ ملء السد هذا الصيف خلال موسم الأمطار. واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى بهاشتاج «إنه سدى» #It’s My Dam». ورد الجانب الأمريكى على ذلك بتحذير إثيوبيا من أن الاختبار النهائى للسد وملئه لا ينبغى أن يتم قبل توقيع الاتفاق. وسعت إثيوبيا إلى استقطاب السودان بعرض اتفاق ثنائى معها بعيدا عن مصر، الأمر الذى رفضه رئيس الوزراء فى منتصف مايو الماضى، وهو ما يؤكد سوء نوايا القيادة الإثيوبية على طول الخط.
وبالتوازى مع ملف السد والموقف الإثيوبى المتعنت، من الطبيعى أن تقلق مصر من التحركات المشبوهة لبعض الدول لاسيما تركيا وقطر لبناء قواعد عسكرية فى منطقة القرن الإفريقى حيث بات الحضور التركى واضحا فى الصومال، كما يتردد بقوة أن قطر ستضاعف من استثماراتها فى إثيوبيا لمساندة هذه الدولة فى موقفها المناهض لأية مبادرات مصرية لتطوير نموذج مستدام لإدارة مياه النيل.
***
ولعل السؤال الأهم الذى يطرح نفسه هنا هو: بماذا تستقوى إثيوبيا فى موقفها المتعنت من هذه القضية الحيوية؟. مما لا شك فيه أن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ساهمت بقدرٍ كبير فى تقوية هذا الموقف المتطرف للنخبة الحاكمة فى إثيوبيا، والتى استفادت بدورها من حال الفوضى وانتشار التطرف الدينى فى منطقة القرن الإفريقى، خاصة مع سقوط الصومال، وهنا لابد من التأكيد على أن كل ما أعلنه آبى أحمد، الذى حصل على جائزة نوبل للسلام العام الماضى، من وعود ومبادرات لتحسين علاقات إثيوبيا بجيرانها لم يتحقق على أرض الواقع. فبجانب السجل السىء لنظام آبى أحمد فى مجال حقوق الإنسان وجرائم القتل والاعتقال الجماعى على أيدى القوات الحكومية وصعود التوتر العرقى والعنف الطائفى، ماتزال القوات الإثيوبية تحتل أراضى إريترية، كان آبى قد وعد بتنفيذ حكم التحكيم بشأن أحقية إريتريا فيها، علما بأن هذه الخطوة كانت السبب الرئيسى لترشحه لجائزة نوبل للسلام. والغريب أن الشعب الإريترى مايزال يعانى من عقوبات غربية رغم صدور الحكم التحكيمى لصالحه. وتكرس السياسة الإثيوبية الانقسام والفوضى فى الصومال التى باتت موردا مهما من موارد الدولة الإثيوبية التى تلقى دعما غربيا غير محدود بدعوى محاربة الجماعات إرهابية فى تلك الدولة.
وقد تصل العملية التفاوضية الجارية حاليا فيما بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، إلى توافق يرضى الجميع، أو أن تستمر إثيوبيا على موقفها المتعنت، الأمر الذى لن تجد مصر معهــ ومعها السودان على الأرجحــ سوى اللجوء إلى مجلس الأمن الدولى باعتبار أن الأزمة هى تهديد للسلم والأمن الدوليين وهو المهمة الرئيسية التى أسند ميثاق الأمم المتحدة مسئولية حفظها إلى المجلس. وكانت مصر قد أحاطت المجلس علما بموقفها بمذكرة مفصلة فى الأول من مايو الماضى، ردت عليها إثيوبيا بموقفها المعروف. وقد يصدر المجلس قرارا بعودة الأطراف إلى التفاوض والالتزام بعدم اتخاذ إجراءات أحادية، إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق. وما ينبغى على القيادة الإثيوبية إدراكه هنا هو أن المضى قدما فى إجراءات الملء والتخزين دون التفاهم مع دولتى المصب، هو يقينا عمل من أعمال العدوان الذى يعطى الحق للدولة أو الدول المتضررة فى الدفاع المشروع عن نفسها بموجب المادة (51) من الميثاق.
وفى كل الأحوال، سواء جرى تجاوز الأزمة بالوسائل الدبلوماسية أو بغيرها، سيكون على مصر استخلاص الدروس منها. ومن ذلك: لماذا وجدت مصر نفسها وحيدة تقريبا فى وقتٍ نجحت فيه إثيوبيا فى استقطاب أغلبية دول الحوض لصالحها؟ وهل بذلت الدبلوماسية المصرية ما يكفى من الجهد لحشد دعم الأشقاء العرب المستثمرين فى إثيوبيا لقضيتها؟. ولعل الدرس الأهم هو كيف يمكن تبنى سياسة فاعلة مع كل دول منطقة القرن الإفريقى ذات الأهمية الاستراتيجية لمصر، بما فيها إثيوبيا، والتفكير جديا فى تبنى آليات منسقة مع الشركاء الخليجيين، الذين تعززت مواقعهم فى هذه المنطقة خلال العقدين الماضيين، بما يحفظ الاستقرار والتنمية المستدامة للجميع.
أخيرا، أود التأكيد على أن عدم التوصل إلى اتفاق منصف وعادل لأزمة سد النهضة هو فشل للمجتمع الدولى عموما، بما فى ذلك الاتحاد الإفريقى ومؤسساته والولايات المتحدة وحلفائها فى الاتحاد الأوروبى الذى انخرطت دوله فى دعم نظام مأزوم والإشراف على «عربدته» فى إريتريا والصومال وغيرها والسكوت على جرائمه الواسعة. لقد كان بوسع بروكسل جعل قضية تنمية حوض النيل قصة جذابة تعكس اهتمامها بتعزيز السلام والأمن فى إفريقيا، بدلا من الوقوف بعيدا وتبنى بعض أعضائه تحيُزا فاضحا للجانب الإثيوبى لمصالح قصيرة الأجل.

 

عزت سعد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية
التعليقات