أسئلة الماضى والحاضر والمستقبل فى مدينة القصير - نبيل الهادي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة الماضى والحاضر والمستقبل فى مدينة القصير

نشر فى : السبت 20 يوليه 2019 - 9:00 م | آخر تحديث : السبت 20 يوليه 2019 - 9:00 م

 

صورة لميناء مدينة القصير ويظهر في الخلفية مبنى مكثف المياه ومدخنته

 

صورة للواقع يونيه 2019
تصوير نبيل الهادي

 

فى إجازة عيد الفطر الماضية كنت قريبا من المدينة فمررت بها كعادتى.. منذ عشرين عاما وفى مواجهة المئذنة الأقدم لجامع الفران رأيت حوائط حديثة من الطوب الأحمر والأعمدة الخرسانية تحيط بما كان أول مكثف للمياه فى القصير(محطة تحلية لماء البحر) أنشئ فى عام 1893 فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى (والشهير بأغنية الله حى عباس جاي) ولعل هذا سبب وجود العديد من خزانات المياه الأرضيّة التى تحيط بهذا المبنى.. كان أحدها خزانا دائريا يطلقون عليه كنداسة بنى فى نفس العهد.. ولكن لأنه لم يكن كغيره من المبانى والمنشآت القديمة المزخرفة، فلم يهتم أحد بتسجيله كأثر وللأسف الشديد تم هدمه أثناء الشروع فى بناء مبنى المكتبة العامة فى القصير. انزعجت جدا لما رأيت وتساءلت هل تستطيع جامعة القاهرة أن تبادر وتسهم فى تعديل مسار ما يتم بناؤه وهل تستطيع تشكيل تحالف مع أولئك المهتمين بتلك المدينة الجميلة المنسية.
***
التعامل بحساسية واحترام مع ماضى المدينة الذى لها ولنا أن نفخر به لا يساعد أهل المدينة فقط، ولكنه يسهم بصورة فعالة فى الخطو للأمام لاستعادة الحياة للمدينة وسيكون ذلك بمثابة مركز للجذب للمنشآت السياحية جنوب وشمال المدينة بما يخلق الرابطة التى كان من المفترض وجودها بين تلك المشروعات السياحية وساكنيها وبين تنمية تلك المدن واستفادة أهلها من تلك الأنشطة وسيثمر ذلك حالة من المكسب المشترك للجميع.
***
المطلوب عمله لَيس ببساطة مشروعا معماريا لتعديل ما تنوى محافظة البحر الأحمر بناءه والذى يتضمن مجموعة من القباب والقبوات مختلفى الأحجام، والتى لا أصل مشابه لها فى عمارة مدينة القصير وربما تؤثر سلبيا على المبانى الأثرية المحيطة وتشابه العمارة التجارية للقرى السياحية فى جنوب وشمال مدينة القصير (تحتاج تلك العمارة لدراسة ونقد مستفيضين ربما فى وقت آخر). ولكن عملية البناء تتضمن السعى لربط المستفيدين المحتملين من المشروع فى تلك العملية التى ستعود عليهم بالفائدة، ليس فقط من خلال خلق مقصد على مستوى جيد لزيارات النصف يوم للمدينة والتى من خلالها يتعرف السائحون والزوار على التاريخ المركب والمثير للمدينة وأهلها. ما هو مطلوب أيضا أن يحتوى المبنى على تقنيات مستدامة ربما ليكون من المبانى الأولى المكتفية ذاتية من حيث المياه والطاقة، ولا شك أن ذلك سيكون مفيدا بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتلك المنشآت السياحية التى تهدف إلى تحسين بصمتها البيئية فى سعيها المستمر لجذب السياح المتزايدين الذين يضعون رعاية البيئة ضمن أولوياتهم المتقدمة.. ولا شك أن ذلك يدعم أيضا الجهود التى تبذلها محافظة البحر الأحمر فى الحفاظ على البيئة مثل منع استخدام البلاستيك أحادى الاستخدام والتى نأمل أن تتحول إلى استراتيجية متكاملة ومبنية على بيانات كافية للتحول إلى ما يسمى بالاقتصاد الدوار.
***

لدينا الآن فرصة لتصحيح جزء من المشكلة التى عرقلت ولو جزئيا تنمية المدن القائمة فى البحر الأحمر من خلال فصل النشاط والتنمية السياحية عن تلك المدن مما خلق جزرا معزولة للسائحين لا يستفيد منها إلا القليل، بينما تركت المدن القائمة لتواجه مصيرها حيث كان يمكن عمل الكثير مثل إلزام المنشآت السياحية بتدريب وتشغيل عدد معين من المواطنين المحليين وأيضا أن تحصّل جزءا من عائدات الضرائب لتنمية وتطوير تلك المدن.
تمثل العمارة تجسيدا ماديا للثقافة والمعرفة وتنتج البيئة التى تترجم مدى فهمنا لما يشكل وجودنا فى زمن معين، وهذه إحدى إشكاليات العمارة فى مصر عامة ولكنها فى مدينة القصير ومبنى المكتبة العامة المقترح تتبلور بصورة لا لبس فيها فهل يمكن للعمارة اللائقة لهذا المبنى أن تكون نقطة بداية للاهتمام ليس فقط بالمبانى التاريخية كموارد هامة جدا للمجتمع ولكن بكيف يجسد المبنى تعامله مع قضايا المجتمع الرئيسية مثل تحديات المياه والطاقة والطعام والتغير المناخى وغيرها.
ليس بالضرورة أن تكون المبانى مسجلة كآثار لكى نهتم ونعتنى بمصيرها لأن لدينا مفهوما معتمدا رسميا يسمى المبانى ذات القيمة، أنتجه عمل العديد من الخبراء لعدة سنوات فى الهيئة العامة للتخطيط العمرانى وشرفت أنى كنت من بينهم ويستخدم نفس المفهوم جهاز التنسيق الحضارى. ويدعم هذا المفهوم تحقيق التنمية المستدامة التى تعمل مصر لتحقيق ما تتطلبه.
***
من العظيم والرائع أن تكون المكتبة العامة هى المشروع الرائد فى المنطقة التاريخية فى مدينة القصير (ونتمنى أن تكون كذلك أيضا فى مدن مصرية عديدة) ولكن التعامل مع ذلك المشروع يتطلب الكثير من الحساسية لمحيطه المباشر، حيث المئذنة الباقية لجامع الفران من الشرق ومن الغرب ديوان مبنى محافظة القصير الأثرى والذى قد يصلح أن يكون فندقا بيئيا صغيرا يتماشى مع التطور العالمى فى مبانى الفنادق ويستفيد من المبنى التاريخى كرأس مال لا يقدر بثمن كما يجلب بعض الأنشطة ويخلق الوظائف التى تحتاجها مدينة القصير وأهلها بشدة. وبالرغم مما قد يبدو عليه المكان فى السنوات الماضية من بؤس لكن معرفتنا بتلك الأماكن والتى ألقى مركز الأبحاث الأمريكى عليها الضوء فى دراسة تمت بين نهاية القرن الماضى وبداية هذا القرن تخبرنا الكثير، وقد وثقت نتيجة تلك الجهود فى كتاب رائع.
قد يعرف البعض ظاهرة تأثير الدومينو التى تعتمد على استخدام تأثير محسوب على قطعة معينة فتؤثر بالتالى على جميع القطع المجاورة وينتج عن ذلك تأثير شامل وكبير. وأعتقد أن مكان ومبنى مكتبة مصر العامة فى مدينة القصير إن طور بالصورة الحساسة والصحيحة قد يكون لديه هذه القدرة، ولكن هل تقوم جامعة القاهرة متحالفة مع مكتبة مصر العامة ومحافظة البحر الأحمر والأطراف الأخرى بما يجب عليهم القيام به تجاه مدينة القصير هو السؤال الذى يتطلب إجابة سريعة قد يكون له إجابة محتملة فى دراسة قائمة أعدتها بالفعل الجامعة.

التعليقات