الأوديسا العراقية فى رثاء الطبقة الوسطى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 16 يونيو 2024 1:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأوديسا العراقية فى رثاء الطبقة الوسطى

نشر فى : الأحد 20 سبتمبر 2015 - 8:50 ص | آخر تحديث : الأحد 20 سبتمبر 2015 - 8:50 ص

«الأوديسا العراقية» فيلم سمير جمال الدين ــ وكما فى فيلمه الذى طاف به المهرجانات السينمائية العالمية محققا الجوائز (انس بغداد) ــ يتناول موضوع الشتات العراقى الذى أصبح ظاهرة ملحوظة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.. فى فيلمه هذا يستعرض تاريخ عائلته البغدادية ابتداء من بداية القرن المنصرم من خلال الصور والوثيقة التى يبدو أن جهدا واضحا قد بذله فى الحصول عليها، وقد تطلب الفيلم منه أيضا أن يقطع السفر إلى عواصم الشتات التى يتناثر فيها أفراد عائلته. وقد اعتمد تقنية الأبعاد الثلاثة فى النسخة الإنجليزية للفيلم. وعلى الرغم من أن المخرج يسهب فى استعراض تاريخ هذه العائلة بالصور الفوتوغرافية ومراحل تاريخهم العائلى، فإنه يقدم ــ على خلفية ذلك ــ كشفا فى التاريخ العراقى المعاصر منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى سنوات قريبة خلت.. ويبدو الفيلم بهذه النوستالجيا، وكأنه يرثى موت الطبقة الوسطى فى العراق التى عانت الإقصاء والتهميش ابتداء عبر أكثر من أربعة عقود من الزمن.

وعلى مدى 160 دقيقة ــ وهى زمن الفيلم ــ نقف مع عائلة كان لها حضور اجتماعى ودينى واضح على مدى عقود طويلة مثلما لها إسهامات فى تاريخ بناء العراق وهى تستعرض الأسباب التى دفعتها لاختيار الهجرة عن البلد.

كأن مجمل ما أنجزه سمير جمال الدين يلخصه فى هذا الفيلم.. عن الماضى، ماضى العائلة، وماضى البلد، والذى لم يتبق منه سوى الذكريات.. هو من الطبقة الوسطى فى العراق التى بدأت تتلقى الطعنات منذ منتصف القرن الماضى.

بعمر 6 سنوات وفى بداية الستينيات تهاجر به عائلة إلى سويسرا.. ويصبح الوطن والآخرون مجرد ذكرى، سيسعى جاهدا ــ وفى خمسة أعوام هى الزمن الذى استغرقه ليصنع أوديسته ــ كى يلم شتات عائلته.. الصور والوثائق.. الإبحار عبر العواصم للقاء شخصيات بأجيال مختلفة، تتحدث عن الزمن العراقى.. عن الغربة وعذاباتها عن قمع الحكام.. عن الحياة البغدادية، موسكو، نيوزيلندا، أبوظبى، باريس، بغداد.

عائلة بغدادية نموذج للمعاناة، ماذا يعنى أن تتحدث عن عائلتك؟.. أو ما الجديد فى أن تتحدث عن هذه العائلة؟.. ماذا يعنى ماضى العائلة وجذورها وسفر الغربة والعذاب والشتات الذى عاشته؟.

كان يمكن أن يقع المخرج فى أسر التقليدية، لولا الطريقة التى عالج بها الموضوع والتى سيلمسها المشاهد مع العبارة المتحركة على الشاشة بمصاحبة موسيقى عراقية، «لا يمكن أن يتشكل مستقبلك من دون أن تعرف ماضيك». يأخذنا المخرج إلى الماضى بطريقته ــ الصور الفوتوغرافية القديمة واللقطات الوثائقية ــ وكأننا نقرأ أفكار هذه العائلة التى تتحدث عن الوجع العراقى، وأيضا عن أحلامها ونتعرف على افراد العائلة: الجد الأكبر والعمة والأعمام وأبنائهم.. فى البداية يتناول سيرة الجد الأكبر ونسبه ودوره فى النضال ضد البريطانيين، ثم يبدأ فى بحث أفراد الأسرة عن مناف آمنة بسبب الانقلابات المتتالية فى ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم وتسلط الدكتاتوريات، ويركز بعدها على حديث الأقارب وشهاداتهم مصحوبة بصور ولقطات سينمائية لم تعرض سابقا.

صور بالأبيض والأسود لعراق الخمسينات والسّتينيات: نساء وطالبات بأزياء جميلة، يبدو أنهن مُتحررات ومُبتهجات، فى الوقت نفسه الفيلم يتضمّن أيضا صورا بالألوان للعراق المعاصر، صورا للموت والتفجيرات بالأحمر ونساء باللون الأسود يبكين ضحايا العنف المستمر.

يقول سمير : «ولكن كيف كان لى أن أتحدّث عن كل هذه الأمور دون رفع شعارات نسائية؟ لذلك فكّرت فى تقديم أمى، وعمّاتى وخالاتى وكل هؤلاء الأقرباء من خلال تلك الصور الجميلة من الأيام الخوالى. إن الحنين فى فيلمى هو بمثابة سلاح ضد التعصب. الحنين يُنقّـب فى الذاكرة ليُظهر أنه كان ممكنا لأديان وثقافات مختلفة العيش معا فى نفس البلد. الحنين يذكرنا بالاحترام الذى كان موجودا تجاه النساء، وعاداتهن كإناث. لم يكن عليهن إخفاء جمالهن. أعتقد أن الصور أقوى من أى كلام».

الفيلم اختير كأفضل فيلم أسيوى فى أبوظبى، ورشحته سويسرا ليمثلها بالأوسكار كأفضل فيلم أجنبى.


المدى ــ العراق
علاء المفرجى

التعليقات