حربٌ... وقودها وخطابها سوريون - سمير العيطة - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حربٌ... وقودها وخطابها سوريون

نشر فى : الأحد 20 أكتوبر 2019 - 10:00 م | آخر تحديث : الأحد 20 أكتوبر 2019 - 10:00 م

تصارعت إيران وتركيا بالوكالة فى سوريا. دعمت إيران السلطة القائمة بالمال والسلاح ونظمت ميليشيات وأرسلت لها مقاتلين. وفى المقابل دعمت تركيا مكونات «المعارضة» واحتضنت «مؤسساتها» السياسية، من «المجلس الوطنى» إلى «الائتلاف» إلى «الحكومة المؤقتة»، كما زودت الفصائل العسكرية بالمال والسلاح، وسهلت دخول آلاف المقاتلين الجهاديين إلى سوريا، انطلاقا من حساباتها الخاصة أو تبعا لأوامر الولايات المتحدة كما أشار الرئيس التركى إلى ذلك فى أحد مؤتمراته الصحفية.
على الرغم من ذلك، لم تتصادم إيران وتركيا عسكريا بشكلٍ مباشر، لا داخل سوريا ولا عبر حدودهما المشتركة، خلال حربٍ مستمرة منذ أكثر من ثمانى سنوات وشهدت تقلبات متعددة. بل بقيت الدولتان متعاونتين اقتصاديا بشكلٍ كبير. وبعد التدخل الروسى فى سوريا، انخرطتا كلتاهما فى مسارٍ توافقى فى الأستانة.
كانوا سوريين من قبلوا الاقتتال نيابة عن الاثنين، وبشراسة، وأن ينعت بعضهم البعض «بالصفوية» و«العثمانية». ما لم يتم سماعه على لسان مسئولٍ من الدولتين. سوريون كانوا هم وقود الحرب وأبواق الخطاب التقسيمى بينهم.
أما حزب الاتحاد الديمقراطى وحزب العمال الكردى فقد حافظا طويلا على الحياد فى الحرب الدائرة، على خلفية معرفتهما بمناوأة الطرفين لهما ولطموحاتهما. هكذا حتى جاءت «داعش» وبرز تدخل القوى الغربية فى الصراع وعلى رأسها الولايات المتحدة. بدت مقاومة داعش ضرورة بفعل شراسة مناهضتها لهما وللأكراد عموما، وهذا إرثٌ من حروب العراق، وكانت أيضا فرصة لجلب دعم الدول الغربية المعنية لمشروعهما الخاص. هذا فى حين لم تأبه «المعارضة» السورية المدعومة غربيا من توجه الدعم أيضا وبشكلٍ عسكرى مباشر لغريم داعمهم الأساسى... تركيا.
كانت تلك هى الصورة إلى أن انخرطت فصائل سورية منظمة ومدربة تركيًّا تحت مسمى «الجيش الوطنى الحر» فى حربٍ ضد «قوات سوريا الديمقراطية»، لتغزو مناطق الشمال الغربى السورى ومن ثم مناطق الشمال الشرقى. وساد فى الخطاب المتبادل تعبيرا «الانفصالى» و«العميل التابع». هكذا كان سوريون هم دوما وقود الحرب وأبواق خطابٍ تقسيمى.
***
ماذا بعد؟ وما المنطقة الآمنة التى ترغب تركيا فى إقامتها. من الناحية الجغرافية، تتواجد معظم المدن والقرى ذات التواجد الكردى ضمن الكيلومترات الثلاثين التى تشملها المنطقة الآمنة. وهو ما يعنى عزل «قسد» عن أية قاعدة شعبية ممكنة لها. وكيف سيكون خط المواجهة بين الطرفين حتى لو تم إبعاده عن الحدود التركية والتى كانت أصلا قد شُيدِ عليها جدارٌ عازل؟ هل سيتم تشييد جدار جديد ضمن الأراضى السورية؟
بالمقابل، تتوالى تصريحات الرئيس التركى أنه سيعيد إلى هذه المنطقة الآمنة أكثر من مليون لاجئ سورى استقبلتهم بلاده، وأنه سيستثمر فى البنى التحتية والخدمات هناك كما يفعل فى الباب وإعزاز وجرابلس وغيرها، مدن المحيط الحلبي، ضمن إجراءات تضم هذه المنطقة إلى المحافظات التركية. فهل يعنى ذلك أن مستقبل مهجرى حوران وحمص والغوطة وغيرها نتيجة الصراع السورى هى أن يستوطنوا مدن الشمال المحدثة دون أن يعودوا إلى مناطقهم؟ هل سيستوطن فقراؤهم رأس العين وتل أبيض وهل ستحصل نخبهم «كلها» على الجنسية التركية؟ هنا أيضا يتهم وسيتهم سوريون بعضهم الآخر بالتغيير الديموغرافى وبالعمالة، هذا للسلطة السورية وذاك لتركيا. كى يبقى سوريون هم أيضا وأيضا وقود حروبٍ وأبواق خطابٍ تقسيمى.
***
لقد أطلق الرئيس الأمريكى ترامب هذه الآلية الأخيرة عبر إعلان انسحاب قواته. وتم تدمير معمل أسمنت لافارج الذى بقى قائما طوال سنوات الصراع، فى حين بقى الجيش الأمريكى «المنسحب» يسيطر على حقول دير الزور للنفط. وتم توقيع اتفاقية وقف إطلاق نار لخمسة أيام، تنتهى فى موعد لقاء الرئيس التركى مع نظيره الروسي، وشريكه فى الأستانة، فلاديمير بوتين.
اللافت فى هذا المشهد هو انخفاض لهجة الانتقاد الإيرانية والروسية تجاه الغزو التركى، واللهجة الخطابية القاسية، غير المسبوقة دبلوماسيا كما أشير إليها، بين الرئيسين التركى والأمريكى. ما قد يعنى أن صفقة كبرى يجرى التفاوض عليها بين هذين البلدين الأخيرين، دون أن يكون هدف هذه الصفقة على سوريا والسوريين واضحا.
أوروبا الغربية وحدها مصدومة بهذه التطورات وتبدو خارج الصفقات القائمة. لم يكن دعمها لطرفين سوريين متناحرين، «قسد» من ناحية و«المعارضة السورية» المدعومة تركيا من ناحية أخرى، يُشكل أى حرجٍ لها. تفتح مكاتب تمثيل لهذه وتعترف بتلك «ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السورى». لتبقى مرتعدة أمام تهديد الرئيس التركى بإطلاق مئات آلاف اللاجئين السوريين للوصول إليها، كما فى 2015.
أما السلطة القائمة فى دمشق، المسئولة الأولى والأخيرة عما وصلت إليه سوريا من أحوال، فهى منشغلة فى صراعات أجنحتها وبمعاقبة أدنى صوت يرتفع ليحاسبها على أفعالها وفى نقض العهود التى أقامتها فى المصالحات. تلك التى وقعتها مع الذين ناهضوها.
أما أغلب السوريين فهم يهجرون من مكانٍ إلى آخر من جراء الحرب، كلٌ بدوره، ويعانون الأمرين كى يؤمنوا قوتهم ولقمة عيش أولادهم وكبارهم وسقفا يقيهم الشمس والمطر والثلج. كل هذا من جراء لعبة الأمم وانخراط سوريين فى هذه اللعبة بدعمٍ من هذه الدولة أو تلك، دون التساؤل عما إذا كان داعمهم سيرميهم يوما فى حضن غرمائهم لأن لعبة الأمم أكبر بكثير من اعتقاداتهم ومعاناتهم ومظالمهم على السواء.
خرجت لعبة الأمم فى سوريا من مسارٍ عبثى كان رمزه اتساع رقعة سيطرة «داعش» بشكلٍ كبير. ودخلت اللعبة مرحلة الصفقات الكبرى على مستقبل سوريا، بين القوى الإقليمية والقوى العظمى. صفقات رهاناتها الرئيسة بقاء سوريا وحدة جغرافية متكاملة وشعبٌ تشعر كل أطيافه بأن هذا الوطن بكامل ترابه هو وطنها جميعا.
فهل سيمنع السوريون قريبا أمراء حربهم على اختلاف توجهاتهم من جعلهم وقودا لحروبٍ ولصفقات الدول على أرضهم؟ وهل سيضعون حدا لخطابات شحنهم بكراهية لا تؤسس إلا لتقسيم أرضهم بين الدول؟!!!

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات