الحكومة الحديدية والرعشة الكدابة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحكومة الحديدية والرعشة الكدابة

نشر فى : الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

لا أعرف هل نوجه الشكر لأعضاء الحكومة على الجسارة ورباطة الجأش فى مواجهة عمال وعاملات شركة وبريات سمنود بالغربية منذ أيام، وفض اعتصامهم بقوات الشرطة المتحصنة بالمدرعات، والمستخدمة لقنابل الدخان، مع القبض على ثلاثة منهم. أم نحيى صمود الحكومة، وعدم ارتعاش أياديها، أو اهتزاز مشاعرها تجاه مطالب هؤلاء العمال الذين كانوا يقسمون بأغلظ الأيمان على أن مليما واحدا لم يتقاضوه من شركتهم منذ ثلاثة أشهر. وإن اليأس وحده هو ما دفعهم إلى قطع طريق السكة الحديد لعل مسئولا لديه رحمة يرفق بحالهم وحال أولادهم. فى وقت يطالبهم الجميع بعدم قطع الطريق احتراما لمصالح وأرزاق أولاد الناس الآخرين.

أم أن العرفان بالجميل يجب أن يكون من نصيب هؤلاء الذين رفعوا سلاح الترهيب فى وجه الحكومة، ووصفوا أياديها بالمرتعشة. فكان عليها أن تثبت لهم أن أياديها صلبة كالحديد لا تلين ولا ترتعش عندما يكون الأمر متعلقا بهذه الحفنة من البشر التى لا تراعى المصالح العليا للبلاد. هؤلاء الذين لا يكفون عن المطالبة بمطالب مملة ومكررة وسخيفة مثل توفير مايسد رمق عائلاتهم، أو دفع المصروف لأولادهم للذهاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، أو تسديد إيجار مساكنهم، أو حتى شراء أنبوبة البوتاجاز، أوسداد فاتورة النظافة على ايصال الكهرباء أو الوفاء بأقساط المروحة والغسالة والدش بدلا من أن يصبحوا نزلاء السجون.

حقا الحكومة لم تعد مرتعشة فهى استطاعت أن تقف بالمرصاد لهؤلاء البشر الأنانيين الذين يستكثرون على الوطن أن يجوع أطفالهم، أو أن يتحملوا برد الشتاء القادم على الأبواب دون كساء يدفئهم. أو أن يصبروا ويقبلوا طواعية أن ينقطع أطفالهم عن مدارسهم، ويمهلوا الحكومة شهرا بعد آخر لعلها تستطيع أن تدبر لهم موردا ماليا لتوفير رواتبهم الشهرية. أليس الوطن فى خطر؟

 

ومادمنا تأكدنا أن الحكومة لم تعد مرتعشة وأن أياديها كالحديد فعلينا ألا نشك فى أنها لن ترتعش ثانية فى مواجهة رجال الأعمال. وأنها من المؤكد لن تسمح بعد الآن بأن يخرج رجل أعمال من اجتماع غاضبا فى حضرة وزيرين فى الحكومة دون أن يكمل الإجتماع معهما بسبب أعتراضه على تطبيق الضريبة العقارية على المصانع والتى تم تأجيلها أكثر من مرة. وحتما سوف تصر الحكومة الحديدية على أن يلتزم رجال الأعمال بهذه الضريبة الهزيلة التى لن تكلف الواحد منهم أكثر من 3500 جنيه عن كل منشأة قيمتها مليون جنيه.. أليس الوطن فى خطر؟

وحتما لن تعود الحكومة مرة أخرى بعد أن ارتدت الجوارب الحديدية ترتعش أمام أحد. فعندما يتقدم وزير الصناعة لها مرة أخرى، وهو ما فعله منذ ايام، بضغط من رجال الأعمال ويطالبها بزيادة مالية من موازنة الدولة من أجل دعم المصدرين الذين يحصلون من الموازنة الحالية على مايزيد على 3 مليارات جنيه ولا تكفيهم، ويريدون رفع المبلغ. حتما الحكومة ذات الجوارب الحديدية سترفض بمنتهى الحسم. حتى دون أن تكترث كثيرا بأن تذكرهم بأنها عجزت عن توفير 20 مليون جنيه لتسديد رواتب عمال وبريات سمنود فكيف لها أن توفر المليارات لحفنة من المصدرين. أليس الوطن فى خطر؟

ومخطئ من يعتقد أن الحكومة، التى لم تعد مرتعشة، سوف تستجيب لإصرار رجال الأعمال على رفض الضريبة التصاعدية بل حتما ستصر على تصاعدية الضرائب من أجل توفير موارد جديدة تكفى لتدبير الاحتياجات الأساسية حتى لو أغضب ذلك بعض أصحاب الحكومة عفوا (أصحاب المصالح). أليس الوطن فى خطر؟

 

ومغرض من يتصور أن الحكومة ذات القلب الحديدى سوف تتنازل عن تطبيق الحد الأدنى عند 1200 جنيه للعاملين فى القطاع الخاص أسوة بالعاملين فى الدولة، أو أنها سوف تؤجل هذا التطبيق حتى يأخذ القطاع الخاص فرصته كاملة فى التأثير على اتحاد العمال الرسمى بعد أن أصبح ممثلو العمال ورجال الأعمال يفضلون التفاوض مباشرة بدون الحكومة وبدون ممثلى النقابات المستقلة. وبالتأكيد هذه الحكومة ستسعى لكى تثبت أنها غير مرتعشة. وأول دليل ستقدمه على ذلك هو التراجع عن فكرة الاستعانة بجهة محايدة للوصول إلى اتفاق مع القطاع الخاص على الحد الأدنى. لأنها حتما ستقول بالفم المليان أنها لا تريد الحياد بين القوى الاجتماعية غير المتساوية فى قوتها. لذلك ستقرر فى النهاية الانحياز إلى الطرف الأضعف. وستفرض على القطاع الخاص الحد الأدنى ليصبح شاملا على المستوى القومى.

وربما أيضا من فرط جسارتها سوف تذكر رجال الأعمال بسنوات الانحياز الأعمى لهم عندما أغمضت كل الحكومات أعينها عن أصحاب المصانع الذين أستحلوا دعم الطاقة واستقطعوا المليارات من موازنة الدولة. ومازالت أسعار الطاقة لديهم تقل عن نصف الأسعار العالمية. وستذكرهم أيضا بأنه لم تحدث عليهم أى زيادات منذ قرار حكومة هشام قنديل بزيادة أسعار الغاز من 4 دولارات إلى 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية. وستقول لهم آن الأوان أن يدفعوا ثمن الطاقة كاملة.. أليس الوطن فى خطر؟

 

والحكومة سوف تقدم لنا دليلا آخر لن تخطئه العين على أنها قد عالجت مرض الرعشة الذى يعايرها البعض به. فهى سوف تعترف حتما بأنها أخطأت فى قرارها الأخير بتطبيق الحد الأقصى للأجور على العاملين بالجهاز الإدارى للدولة فقط، وانها استبعدت بقرارها هذا أجور العاملين فى شركات قطاع الأعمال والتأمين والكهرباء والبترول والبنوك والهيئات الاقتصادية. وستعترف بأنها فعلت ذلك مراعاة لخاطر العائلة البيروقراطية التى تضم كبار قيادات الدولة الذين ترتبط غالبيتهم بصلة الرحم مع رجالات السلطة. وستعلن الحكومة فورا عن أنه ليس هناك استثناء لأى قطاع من قطاعات الدولة، خاصة بعد أن ثبت أن من يعمل فى الجهاز الإدارى للدولة ويزيد دخله على الحد الأقصى لا يزيد على 8000 موظف فقط. بينما لو طبق الحد الأقصى على كل العاملين فى الدولة سنوفر 20 مليار جنيه طبقا لتصريحات مسئولى جهاز التنظيم والإدارة. ربما تكفى لدفع رواتب كل من ينوى قطع السكة الحديد.. أليس الوطن فى خطر؟.

والحكومة التى جمدت قلبها ولم تعد ترتعش ستثبت مرة أخرى للذين اتهموها بالرعشة الكدابة أنها كالأسد فى مواجهة ضغوط بعض رجال الأعمال من مصدرى الأرز الذين أصروا على فتح باب التصدير على مصراعيه من أجل تحقيق أرباح لحفنة من التجار. ولم يشغلهم كثيرا أنه فور الإعلان عن فتح باب التصدير قفزت الأسعار فى السوق المحلية بمقدار 500 جنيه فى الطن. وهو ما يهدد بعدم استطاعة الشركات العامة توفير الكميات المطلوبة للبطاقات التموينية بالسعر المتفق عليه قبل الزيادة. لذلك حتما الحكومة ستراعى مصلحة الغالبية العظمى من المصريين من عشاق الأرز، وستغلق باب التصدير.. أليس الوطن فى خطر؟

والحكومة ذات الأطراف الحديدية لن تعود تخشى بعد الآن من سطوة رجال الأعمال. فهى بكل تأكيد لن تكتفى بالإنذارات التى وجهتها إلى مايزيد على 20 من رجال الأعمال المشاهير الذين حصلوا على 10 آلاف فدان من أراض على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى لاستصلاحها وحولوها إلى منتجعات سكنية. الحكومة حتما سوف تصعد من إجراءاتها حتى ترد حق الدولة من هؤلاء المخالفين.. أليس الوطن فى خطر؟

وإذا لم تفعل الحكومة سيبقى الوطن فى خطر وسيقطع آخرون شريط السكة الحديد وستستمر الحكومة فى إثبات جسارتها.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات