الاستفتاء على الدستور .. و «خرافة» تقسيم مصر - حاتم عزام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاستفتاء على الدستور .. و «خرافة» تقسيم مصر

نشر فى : الخميس 20 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 20 ديسمبر 2012 - 8:00 ص

•اختلاف الآراء فى التصويت لا يعنى أننا منقسمون وهو دليل على تعافى مجتمع لم يتعود أن يقرر مصيره بنفسه لا فى التاريخ القديم أو الحديث 

 

•التوافق لا يعنى أن يصوت المصريون بنسبة 99.9٪ على الاستفتاء باتجاه معين وإنما يعنى قبول نتيجة الاستحقاق الديموقراطى

 

•لم يدع بعض الفرنسيين أن مشروع الدستور الذى أنجز فى 6 أشهر أو فى الـ3 أشهر فى المرة الثانية تم «سلقه»

 

استرعى انتباهى بشدة فى حملة الترويج بـ«لا» لمشروع الدستور،  وهو بكل تأكيد حق مكفول للجميع أن يدعو بحرية لما يراه صحيحاً، كم المغالطات ومحاولة لى الحقائق إذ إنه من غير المتصور لدى أن تشرف بعض النخب المصرية على حملة  كهذه بها قدر كبير من التشويه لوجه الحقيقة لتفزيع المصريين حتى يصوتوا باتجاه معين .

 

وقد دفعنى هذا الانزعاج لأسأل نفسى صراحةً لأحاسب ضميرى : هل ساهمت فى كتابة دستور يقسم مصر كما تزعم هذه الحملة ؟ هل هذا الجهد والاجتهاد البشرى الوطنى الذى وضعته هذه الجمعية يدفع إلى ذلك التقسيم؟  

 

فبحثت فى مواد الدستور لأجد إجابة وبدأت بالمادة الأولى ونصها «جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ونظامها ديموقراطى» والتى ترد على هذا الزعم وتنفى صراحةً بنصٍ لا لبس فيه مسألة أن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء للشعب المصرى يسمح بأى من مواده بتقسيم مصر. وبدأت أرد على هذا الزعم بهذا الشكل، إلى أن استوقفنى أحد المتحاورين، ويبدو أنه له علاقة بهذا الإعلان ولفت نظرى أيضا أن المقصود أنهم يطلقون على  هذا الدستور «دستور  تقسيم مصر» لأن الشعب المصرى لن يوافق على هذا الدستور بنسبة كبيرة كما أن هناك قطاعا كبيرا من المصريين سيصوتون بـ«لا» وبالتالى ستنقسم مصر فسطاطين وهذا لم يحدث من قبل.

 

وفى إحدى القنوات الفضائية الشهيرة، استمعت إلى حوار لأحد القضاة الرافضين للمشاركة فى الإشراف على الاستفتاء والذى أشار بدوره إلى أن هذا الدستور « سيقسم» المصريين لأن هناك من سيصوتون بـ«لا»، وهو منهم، فكيف لمن صوت بـ«لا» أن يعمل على قبول الدستور و«إنفاذه» فى المجتمع لو كانت النتيجة بـ«نعم» وزعم أنه حتى يجب على الجميع قبول الدستور يجب على الأقل أن تكون نسبة التصويت بـ«نعم» تتعدى الخمسة وسبعين فى المائة حتى يقبله الجميع، لذلك فإنه من منطلق رفضه لأن تُقسم مصر فلن يشارك هو وفريق معه فى الإشراف على الاستفتاء.

 

رأيت ذلك مخالفاً لكل قواعد الديموقراطية، فبحثت فى التاريخ السياسى للدول الراسخة والمستقرة ديمقراطياً لإجد إجابة موضوعية على هذه التساؤلات التى جاءت بهذه الحملة الإعلامية المذكورة والتى طرحها القاضى المحترم بتصريحاته. واخترت دولاً تشترك مع الحالة المصرية فى عدة نواح منها: دقة اللحظة وخطورتها كون مصر تؤسس لنظام ديموقراطى جديد عقب ثورة، وأن تكون دول ذات ثقافة وحضارة عريقة ممتدة الجذور مثل مصر بالإضافة إلى التعداد السكانى والقرب الجغرافى وأخيراً أن هذه الدول كانت دولاً موحدة وليست كونفيدراليات أو جزر توحدت.

 

ومن ثم وقع اختيارى على فرنسا وإيطاليا لأنهما دولتان أصحاب حضارة عريقة ومن الديموقراطيات الحديثة المستقرة وهما بالأساس دولاً موحدة ليست كونفيدرالية وتعداد شعوبهما كبير يقترب من تعداد الشعب المصرى كما أنهم كتبوا دساتيرهم الحديثة عقب الحرب العالمية الثانية فى فترة سياسية شديدة الحساسية، ثم أسست دساتير هذه الشعوب لأن تجعلها فى مصاف الدول الصناعية الكبرى الثمانى.

 

ففى فرنسا وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة وتحديدا فى الحادى والعشرين من أكتوبر ١٩٤٥ انتخبت فرنسا جمعية تأسيسية لوضع الدستور وعملت هذه الجمعية لمدة ستة أشهر تقريبا ثم أجرى استفتاء على مشروع الدستور فى الخامس من مايو ١٩٤٦ والذى تم رفضه بنسبة ٥٢.٨٪  من إجمالى أصوات الفرنسيين، فأعيد انتخاب جمعية تأسيسية جديدة فى الثانى من يونيو١٩٤٦ وعملت الجمعية لمدة ثلاثة أشهر تقريبا قبل أن يُطرح مشروع دستورها لاستفتاء حر مباشر فى الثالث عشر من أكتوبر ١٩٤٦ والذى أسس للجمهورية الفرنسية الرابعة بعد أن نجح للاستفتاء عليه  بـ « نعم» بنسبة ٥٣.٢٪.

 

لم يدع بعض الفرنسيين فى حينها أن مشروع الدستور الذى أنجز فى ستة أشهر فى المرة الأولى أو فى الثلاثة أشهر فى المرة الثانية أنه تم  « سلقه » ولم يذكر التاريخ أن نخب فرنسا تحدثت إلى الشعب الفرنسى بخرافات تقسيم فرنسا لأن ٤٦.٨٪ صوتوا بـ « لا » بل اصطف الشعب الفرنسى كله خلف دستوره الجديد  الذى أسس للجمهورية الرابعة.

 

وفى عام ١٩٥٨ أى بعد اثنى عشر عاما  من إقرار دستور الجمهورية الرابعة لفرنسا، قاد شارل ديجول جهد كتابـة مسودة دستور جديد لفرنسا الذى طرحه للاستفتاء فى الثامن والعشرين من سبتمبر من نفس العام وحصل هذا الدستور على  أغلبية بلغت ٨٣% وأسس هذا الدستور للجمهورية الخامسة لفرنسا, إلا أن هذا الدستور الذى صوتت الأغلبية الكبيرة له أعاق شارل ديجول ــ الذى قاد جهد صياغته ــ  عن تحقيق التطور الذى كان يأمله لفرنسا بعد، رئيسا للفرنسيين فى التاسع عشر من ديسمبر عام ١٩٦٥ بالانتخاب الحر المباشر ونجح بنسبة ٧٨% .

 

اكتشف ديجول وهو على رأس السلطة التنفيذية كرئيس منتخب أن هذا الدستور الذى قاد صناعته قيد من سلطات السلطة التنفيذية لحساب السلطة التشريعية فاقترح ديجول تعديلات دستورية مهمة وطرحها للاستفتاء فى السابع والعشرين من أبريل عام ١٩٦٩  أى بعد أرْبع سنوات من إقرار الدستور الجديد فكانت النتيجة أن رفضت التعديلات الدستورية التى طرحها ديجول وصوت عليها الفرنسيون بـ«لا» بنسبة ٥٢,٤% واضطر رئيس الجمهورية شارل ديجول الذى كتب الدستور إلى الاستقالة فى نفس اليوم.

 

وفى التاريخ القريب وبـالتحديد فى التاسع والعشرين من مايو ٢٠٠٥  أُجرى استفتاء فى فرنسا على قبول دستور أوروبى موحد ورفض مشروع الدستور هذا وصوت عليه الفرنسيون بـ«لا» بنسبة ٥٥% .

 

 لم يقسم الاستفتاء على هذا الدستور الأوروبى الموحد فرنسا، إذ لم يخرج الـ٤٥% من الفرنسيين الذين أرادوا دستورا موحدا لأوروبا ليتحدثوا عن أن فرنسا انقسمت بل على العكس عمل الشعب الفرنسى سويا يدا بيد لإنجاح دولتهم.

 

أما عن إيطاليا فالوضع لم يختلف كثيرا، ففى الثانى من يونيو عام ١٩٤٦ كان موعد الاستفتاء الدستورى المهم وأحد أهم الاحداث فى التاريخ الايطالى المعاصر، لأن إيطاليا كانت مملكة حتى هذا التاريخ  واختارت أن تؤسس للجمهورية الايطالية بعد أن صوت ٥٤.٣٪ من الايطاليين لصالح الجمهورية فى حين صوت ٤٥.٧٪ من الايطاليين  لصالح ايطاليا الدولة الملكية وتم انتخاب أول برلمان لإيطاليا فى نفس تاريخ الاستفتاء. لم يقسم هذا الاستفتاء ايطاليا ولم يقسم الشعب الايطالى ولم يذكر التاريخ أن النخب الايطالية أعلنت أن هذا الاستفتاء باطل أو ان النسبة التى صوتت لصالح  الجمهورية الايطالية نسبة بسيطة بل قبل الشعب الايطالى كله هذا التحول المحورى الجوهرى فى تاريخ ايطاليا بهذه الاغلبية البسيطة.  

 

تقدمت فرنسا وإيطاليا،  ولم ينقسما رغم أن نتيجة استفتاءاتهما جاءت بأغلبية بسيطة فى كثير من الأحيان، وأسستا مجتمعات ديموقراطية حديثة تناسب ثقافتهما وحضارتهما وتاريخهما وتقدمتا اقتصادياً وصناعياً وأصبحتا دولاً من الدول صاحبة أكبر اقتصاديات فى العالم والمعروفة بالـ (G8) حين وقفتا خلف إرادة شعوبهما الحرة. 

 

وأخيراً، إذا أردنا أن تلحق مصر بركب الدول الديمقراطية كما ننادى ليل نهار علينا جميعاً أن نطبق الديمقراطية برمتها نظريا وفعليا على المسئولين والنخبة والشعب دون ان نجتزئ ما يخالف هوانا...والسؤال لحضاراتكم بعد عرض نموذجين من أكثر الدولة ديمقراطية وأكثرهما تشابهاً بالواقع الذى نعيشه من النواحى المذكورة، هل ترون أن التصويت بنعم أو بـ لا المفترض أن يقسم مصر؟.

 

أتمنى على الذين يربكون المجتمع بالحديث عن «تقسيم مصر» أن يتحدثوا عن قبول نتائج الديموقراطية علناً وسراً والوقوف خلف هذا الدستور، وإن خالف آراءهم الشخصية، لتنهض مصر وتتقدم. هذا لا ينفى عن أى إنسان حر أن يعمل على تعديل أو تغيير بعض مواد الدستور، أو الدستور كله،  بكل الوسائل السياسية الديموقراطية ..لكن دون أن يفزعوا الشعب وينشروا روح الفرقة بين صفوف المجتمع بالحديث عن خرافة « تقسيم مصر»  أو أن يصرحوا تصريحات لا تحترم الديموقراطية وإرادة الشعب.

 

اختلاف الآراء فى التصويت تعنى أننا مختلفون فى الرأى،  ولا يعنى أننا منقسمون، وهذا دليل صحة وعافية وتعافى لمجتمع لم يتعود أن يقرر مصيره بنفسه فى التاريخ الحديث ولا القديم. التوافق لا يعنى أن يصوت المصريون بنسبة ٩٩.٩٪ على الاستفتاء باتجاه معين، ولكن التوافق معناه أن يتوحد المجتمع على قبول نتيجة الاستحقاق الديموقراطى بالاستفتاء على الدستور أياً كانت وأيا كانت نسبتها، وأن نمضى فى بناء دولة المؤسسات الديموقراطية المنتخبة ويحتفظ كل منا بأفكاره السياسية ويدافع عنها ويسعى إلى تطبيقها.

التعليقات