الاقتصاد والرومانسية الثورية - عمر الشنيطى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد والرومانسية الثورية

نشر فى : الثلاثاء 21 يناير 2014 - 10:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 يناير 2014 - 10:10 ص

من الصعب الجزم بأن أغلب المصريين دعموا ثورة ٢٥ يناير لأنه من الخطأ الوصول لمثل هذا التعميم بدون استفتاء أو استطلاع رأى منهجى، لكن مما لا شك فيه أن تفاعل الكثير من الناس مع الثورة ومطالبها كان مرتفعا فى البداية حين لاح فى الأفق حلم تحريك المياه الراكدة. ولعل مطالب الثورة المتمثلة فى الحصول على الحقوق السياسية والاقتصادية الأساسية من عيش وحرية وعدالة اجتماعية كانت بمثابة خلاصة آمال عوام الناس. لكن بعد مرور ثلاث سنوات، تراجع التأييد لهذه الثورة بعد الفشل فى الحصول على الحقوق السياسية والاقتصادية المتوقعة حتى أصبح بعض ممن أيدوا هذه الثورة سابقا يرونها الآن جزءا من المؤامرة الكونية على مصر وأن من أشعلها وشارك فيها خائن أو عميل أو ساذج وأن مصر لا تحتاج للتغيير ولكن للاستقرار.

•••

فعلى الصعيد السياسى، لم يتحسن وضع الحريات مع تنامى مستوى العنف فى الشارع وتصاعد عدد القتلى والمعتقلين والدخول فى عهد الاتهامات والتسريبات التى قد تطال الجميع. أما على الصعيد الاقتصادى، وهو المقصد من هذا المقال، فإن الوضع الكلى للاقتصاد منذ الثورة لم يتحسن، بل إنه شهد تراجعا على مستوى مؤشراته الأربعة الرئيسية.

أولا: مستوى الدخل: فبعد عدة سنوات من نمو الناتج المحلى بمعدل ٥٪ سنويا فى السنوات التى سبقت ٢٥ يناير، تراجع النمو الاقتصادى منذ الثورة ليحقق متوسط ٢٪ سنويا وهو ما يقارب نسبة زيادة السكان مما يعنى أن متوسط دخل الفرد لم يتحسن منذ الثورة فى أحسن الأحوال، بل قد يكون تراجع بالفعل لو أخذنا فى الاعتبار الزيادة فى أسعار السلع الأساسية. وما يزيد من تعقد المشكلة أن القطاع الخاص يعانى بشدة منذ الثورة بسبب الاضطرابات السياسية فى الأساس وما واكبها من إضرابات عمالية وارتفاع فى سعر الدولار مما أدى إلى تراجع الاستثمارات الخاصة وغلق الكثير من المصانع وكذلك تراجع الاستثمار الأجنبى المباشر مما قلل من مساهمة القطاع الخاص فى النمو الاقتصادى. وقد زاد ذلك من الاعتماد على الحكومة التى تعانى من ضعف القدرة على دفع الاقتصاد حيث إن ٧٧٪ من الموازنة تذهب للرواتب والدعم وخدمة الدين مما يقلل من الحيز المالى المتاح للحكومة لتنشيط الاقتصاد.

ثانيا: فرص العمل: فمعدل البطالة الذى كان فى المتوسط ٩٪ فى السنوات التى سبقت الثورة قد تخطى ١٣٪ بعد الثورة. وهذه الزيادة الكبيرة تزيد من تعقيد الوضع خاصة فى ظل فرص نمو اقتصادى محدودة، كما سبق ذكره، وتضعف من قدرة إيجاد فرص عمل جديدة على المدى القصير. كما أن حركة الإضرابات العمالية المتصاعدة، على الرغم من وجاهة الكثير من مطالبها، قد يكون لها أثر سلبي على فرص العمل على المدى القصير مما يزيد من تعقد المشكلة.

ثالثا: مستوى الأسعار: فعلى الرغم من انخفاض معدل التضخم الإجمالى بعد الثورة لقرابة ١٠٪ مقارنة بمعدل ١٣٪ فى السنوات القليلة التى سبقت الثورة إلا أن الزيادة فى أسعار السلع الرئيسية كانت أكبر من إجمالى معدل التضخم بسبب ارتفاع الدولار وانخفاض المعروض من بعض هذه السلع الأساسية نتيجة صعوبة الاستيراد فى الأساس. وقد أدى ارتفاع أسعار هذه السلع إلى زيادة الضغط على الفئات الأكثر فقرا فى المجتمع. رابعا: العدالة الاجتماعية: على الرغم من إقرار قانون الحدين الأدنى والأقصى للأجور إلا أن توزيع الدخل فى مصر لم يتغير بشكل حقيقى، حيث إن القانون لم يشمل الكثير من الفئات والمؤسسات وكذلك تأثيره على الفئات محدودة الدخل من العمال ضعيف. كما أن الجزء الأكبر من هذه الزيادة سيأكلها التضخم المتصاعد، بينما العدالة الاجتماعية وحقوق العمال بمفهومها الأوسع من تأمين وخدمات صحية وغيرها لم تتحسن. كما أن العمال والمشتغلين بالقطاع غير الرسمى لم تتحسن أحوالهم بل زادت فى الصعوبة بسبب تدهور الوضع الاقتصادى وعدم استدامة الدخل.

بناء على ما سبق، لم يحصل عوام الناس على طموحاتهم الاقتصادية من الثورة. ولكن هل من المنطقى التصور بأن ثورة قامت لإسقاط نظام دام لعقود تمكن أن يصاحبها تحسن اقتصادى على المدى القصير؟ على الأرجح الإجابة: لا، وقد أثبتت الثلاث سنوات الأخيرة أن الحصول على الحقوق السياسية هو عمل شاق ومكلف على أصعدة مختلفة منها الوضع الاقتصادى سواء على مستوى البلد أو الأفراد. وتصور حدوث عكس ذلك يمكن اعتباره شكلا من أشكال الرومانسية الثورية. ويمكن الاستنتاج أن نسبة ليست بالقليلة من عوام الناس الذين تفاعلوا مع الثورة فى البداية كانوا يحلمون بالحصول على حقوقهم السياسية والاقتصادية فى نفس الوقت، لكنهم لم يتوقعوا ولم يكونوا على استعداد حقيقى لتقديم التضحيات المطلوبة. ولذلك بعد ثلاث سنوات من التدهور الاقتصادى، فقد الكثير منهم الاهتمام بالثورة وعادوا للمطالبة بالاستقرار والحد الأدنى من الدخل الدائم.

•••

الخلاصة أن توقع الحصول على المطالب السياسية والاقتصادية للثورة فى وقت واحد وعلى المدى القصير يعتبر من عوارض الرومانسية الثورية. وكثير من عوام الناس الذين تعاطفوا مع الثورة وحلموا بالحصول على مطالبهم، ثم ما لبثوا أن سخطوا على الثورة بعد ذلك، كانوا على الأرجح غير مستعدين أو حتى مدركين لحجم التضحيات المطلوبة. وقد فوجئ هؤلاء بتراجع جوانب الاقتصاد المختلفة، من حيث مستوى الدخل وفرص العمل ومستوى الأسعار والعدالة الاجتماعية، ففضلوا الاستقرار على الثورة. للتغيير الحقيقى ثمن باهظ يجب أن يكون المجتمع فى عمومه، وليس فقط مجموعة محدودة من الشباب الحالم، على استعداد لتحمل الحد الأدنى من هذه التكلفة.

عمر الشنيطى المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار
التعليقات