الذكاء الاصطناعي والطاقة البديلة - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الذكاء الاصطناعي والطاقة البديلة

نشر فى : السبت 21 يناير 2023 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 21 يناير 2023 - 8:20 م

مع التقدم التكنولوجى الذى يعيشه العالم والتوسع الكبير فى استخدام التكنولوجيا فى جميع مناهى الحياة زاد استهلاك الطاقة بكميات مرعبة حتى أنه تقريبا لا توجد دولة فى العالم يمكنها الاعتماد على نفسها فقط فى توليد واستهلاك الطاقة أو ما يطلق عليه (energy independence)، وأغلب الطاقة فى العالم حتى الآن يتم توليدها من الوقود الأحفورى وهو من أهم مسببات التلوث البيئى نتيجة الانبعاثات الكربونية وبالتالى من أهم مسببات الاحتباس الحرارى ناهيك عن أنه من أهم أسباب قيام الحروب وإن سرعة استخدام هذا الوقود قد يؤدى إلى استنزاف مخزون البترول والغاز والفحم إلخ، لكل ذلك بدأ العالم البحث الجدى عن الطاقة البديلة المتجددة (أى لا تنفذ مع كثرة الاستخدام) والنظيفة (أى بدون انبعاثات كربونية).
حيث إن الذكاء الاصطناعى أصبح فاعلا فى أغلب مناحى الحياة فإنه متواجد أيضا فى مجال الطاقة، وهذا موضوع مقالنا اليوم. كيف يصبغ الذكاء الاصطناعى قطاع الطاقة بصبغته؟
نبدأ بمهمة تشغيل شبكات نقل القوى الكهربائية، مهمة هذه الشبكات هو توزيع الطاقة المتولدة سواء من الوقود الأحفورى أو الطاقة البديلة وتوزيعها على المناطق المختلفة من المدن، الذكاء الاصطناعى يمكنه متابعة الاستهلاك فى المدن على مدار الساعة وتوزيع الطاقة بحيث تحصل المناطق عالية الكثافة على ما تحتاجه وفى نفس الوقت يتم توزيع الأحمال بحيث تقلل أو تلغى قطع إمدادات الطاقة لمناطق معينة على حساب مناطق أخرى. الذكاء الاصطناعى أيضا يمكنه التحكم فى كيفية الحصول على الطاقة التى تغذى الشبكات، فمثلا يمكنه استخدام الطاقة الشمسية فى المناطق المشمسة وطاقة الرياح فى وقت آخر عندما تتواجد الرياح والطاقة المتولدة من الوقود الأحفورى عندما لا تتواجد أى مصادر أخرى للطاقة، الذكاء الاصطناعى يتخذ القرار المتعلق باستخدام نوع الطاقة بحسب كثافة الاستخدام وحالة الطقس والموقع الجغرافى إلخ، بما يؤدى إلى تقليل استخدام الوقود الأحفورى (مما سيغضب حتما شركات البترول والغاز الكبرى) وبالتالى الانبعاثات الكربونية. الذكاء الاصطناعى يمكنه المساعدة فى تصميم شبكات نقل القوى الكهربائية ووسائل تخزين الطاقة، ليس هذا فقط، بل إنه قادر على التنبؤ بالأعطال قبل وقوعها بوقت كاف حتى يتخذ القائمون على الصيانة باتخاذ الإجراءات المناسبة بحيث لا يشعر المستخدمون بأى تدهور فى خدمة توصيل الطاقة.
من الأمور الهامة فى قطاع الطاقة الأبحاث العلمية المتعلقة بالطاقة البديلة مثل زيادة كفاءة الخلايا الشمسية وتحسين وسائل نقل الطاقة وهما من أكبر العقبات فى الاستخدام المتوسع للطاقة الشمسية، هذه النوعية من الأبحاث تعتمد فى أجزاء منها على نظم المحاكاة التى تستخدم فى تجارب كثيرة فى الكثير من المجالات مثل الكيمياء والفيزياء والطب إلخ، الذكاء الاصطناعى دخل مجال نظم المحاكاة ليجعلها أكثر دقة وأسرع، هذا له تأثير إيجابى فى الإسراع من تجارب تحسين كفاءة الأجهزة المستخدمة فى توليد الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
نحن فى عصر البيانات الكبيرة، هناك بيانات ضخمة يتم توليدها كل ثانية من شبكات توزيع الطاقة وكمية الطاقة المتولدة من المصادر المختلفة وكم الاستهلاك فى المناطق المختلفة بكل مدينة وكفاءة الأجهزة إلخ، تأتى هذه البيانات عن طريق مجسات توضع فى أماكن مختلفة من الشبكات والأجهزة تجمع المعلومات وترسلها لأجهزة كمبيوتر فائقة السرعة لتحليلها، هذه العملية هى مثال على ما نطلق عليه إنترنت الأشياء، هذه الأشياء هى تلك المجسات (sensors) وترسل القياسات لأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة عن طريق الانترنت، أجهزة الكمبيوتر عندما تأتيها كل تلك القياسات فإنها تبدأ بتحليلها بدقة باستخدام برمجيات الذكاء الاصطناعى لاتخاذ قرارات مثل التى ناقشناها أعلاه عندما تحدثنا عن شبكات توزيع الطاقة وكيف تتعامل مع الأحمال وتختار طريقة توليد الطاقة (أحفورية أو نظيفة) إلخ. أيضا تلك البرمجيات تتنبأ بالأعطال فى كل تلك الأجهزة قبل أن تقع كما أشرنا وكلما كانت القياسات عن طريق المجسات دقيقة وكثيرة فإن التنبؤ يكون أكثر دقة لأن برمجيات الذكاء الاصطناعى «تتغذى» على البيانات حتى تقوم بعملها.
إذا قرأنا هذا المقال مرة ثانية ستجد أننا تكلمنا عن الذكاء الاصطناعى وأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة وانترنت الأشياء والمعلومات الغفيرة (big data) أى إن تلك التكنولوجيات والتخصصات تتكامل مع بعضها البعض وهذا ما يجب أن نعلمه لطلابنا فى الجامعات، يجب أن يعلم كل باحث كيف تتكامل العلوم مع بعضها وكيف نستفيد من هذا، كلما تقدم العلم سيتغير محتوى بعض المواد الدراسية وتختفى مواد أخرى وتظهر مواد جديدة فإذا لما يتابع الأساتذة فى الجامعات تلك التطورات وبالتالى طوروا المناهج فإن الطلبة ستتخرج بمعلومات قديمة وهذا ليس فى صالح تقدم أى بلد.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات