نفقات ترشيد الإنفاق! - محمد يوسف - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 10:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نفقات ترشيد الإنفاق!

نشر فى : الثلاثاء 21 فبراير 2017 - 9:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 فبراير 2017 - 9:15 م
ليس هناك خلاف على ضرورة التصدى لعجز الموازنة الحكومية، ليس لأن هذا العجز قد تخطى الحدود الآمنة فحسب، ولكن لأن تفاقمه أصبح يشكل قيدًا رئيسيًا على خطط التنمية الاقتصادية التى تتبناها الحكومة حاليا.

دعنا نقرر فى البداية أن نمو الإنفاق الحكومى يعد هو المسئول الأول عن نشوء وتفاقم العجز فى موازنة الحكومة، ولذلك فإن إجراءات ترشيد هذا الإنفاق تصبح هى المدخل الصحيح لمحاصرته. ودعنا نقرر أيضا أن مسئولية هذا الإنفاق عن تفاقم العجز لا تختلف فى حالة إذا ما وجهت تلك النفقات لبنود الأجور أو أُنفقت على شراء السلع والخدمات لوحدات الحكومة أو حتى خصصت لبنود الدعم المختلفة. ثم دعنا الآن نتساءل، هل يمكن لبعض النفقات الحكومية أن تساهم فى ترشيد الإنفاق الحكومي؟ وبمنطق آخر، هل يمكن أن نزيد الإنفاق العام بهدف وبغية ترشيده؟

للوهلة الأولى، إن تساؤلًا كهذا يتعارض مع المنطق الرياضى بل ويتعارض أيضًا مع أصول علم المالية العامة. ذلك أن كل زيادة تحدث فى الإنفاق دون أن يواكبها نمو مقابل فى الإيرادات، ستزيد من القيمة المطلقة للعجز. مع ذلك بيد أن إمعان النظر فى بعض أوجه الإنفاق الحكومى يظهر أن تلك النفقات لا تخضع لهذه المعادلة الرياضية المذكورة، بمعنى أن كل زيادة فى تلك النفقات يمكن أن تُرشد من الإنفاق الحكومى الإجمالى.

***
على هذا الأساس فإننا نجد تأييدا على ما نقول عندما نرى الآثار الايجابية لنفقات تنظيم بنود الأجور ونفقات الرقابة على المشتيرات الحكومية ونفقات التطوير التكنولوجى لمنظومة «الدعم الرقمي» كى يُضمن وصوله لمستحقيه. ويمكننا أن نوضح ذلك بأن نعدد فى النقاط الثلاث التالية أهم الآثار الإيجابية لهذه الأنواع من النفقات والتى تؤيد رأينا السابق:

إن أول بند من بنود النفقات التى نقترحها لترشيد بنود الأجور التى تشمل (الرواتب والمكافآت والبدلات) فى القطاع الحكومى، تتمثل فى التوسع فى نفقات التنظيم الأفقى للأجور. ويمكن أن يحدث ذلك بتطوير نظام تكنولوجى يعمل على تعميم سياسة أُجرية واحدة على جميع الجهات الحكومية دون استثناء (وحدات الإدارة العامة والهيئات الاقتصادية ووحدات القطاع العام) بل ولابد أن يتم ربطه بوزارة المالية. ويمكن لهذا النظام فى حالة تطبيقه أن يساهم فى كبح نمو نفقات الأجور فى موازنة الحكومة، وفى الربط بين هذه الأجور وبين الإنتاجية الكلية للأجهزة الحكومية وموظفيها، ويمكنه كذلك أن يعزز الرقابة على الأداء الحكومى فى حالة معاملة كل وحدة حكومية كمركز تكلفة مستقل.

مع ذلك فإن الآثار الإيجابية المتوقعة لهذا التنظيم الأفقى للأجور تزداد إذا سلمنا بأن النمو فى نفقات الأجور يرجع، ضمن ما يرجع، للتباين الشديد بين الوحدات الحكومية فى نظام الأجور والرواتب المطبق فيها. وبالتالى فإن الربط التكنولوجى سيكشف مكامن الخلل فى هذه المنظومة، ويعيد الانضباط لسلم الرواتب فى جميع الوحدات الحكومية مع ربطه بالإنتاجية.

***
أما البند الثانى لنفقات ترشيد الإنفاق هو المتعلق بنفقات تطوير آلية تكنولوجية للمشتريات الحكومية من السلع والخدمات، والتى يمكنها أن تضمن الحد الأعلى من التنسيق فى عمليات الشراء، بل والحد الأدنى فى تكاليف الشراء والتوريد. وقد يكون من الملائم الاعتماد على أدوات التجارة الالكترونية المتطورة من أجل تحقيق هذا الهدف، ويمكن أن يتم ذلك بإنشاء بوابة حكومية على الانترنت لجميع الإعلانات والمناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية.

أما إذا انتقلنا الآن إلى نفقات الدعم، باعتبارها البند الثالث من النفقات المقترحة لترشيد الإنفاق، فليس من شك أنها من أكثر بنود الإنفاق الحكومى قاطبة إثارة للجدل. خاصة وأن الحديث عن اشتراطات صندوق النقد الدولى لتقليص نفقات الدعم، بل والسعى الحكومى لأن تصل لمستحقيها، هو مما تسير به الركبان. ومع ذلك فإن الجهد الحقيقى لترشيد هذا النوع من النفقات لن يحدث عندما تكتفى الحكومة بتقليل هذا الإنفاق كرقم مطلق وكنسبة من إجمالى الإنفاق، ولكنه يحتاج أيضًا للإنفاق على تطوير منظومة متكاملة ومترابطة خاصة بهذا الدعم. وأقصد بذلك ضرورة ربط جميع أطراف منظومة الدعم بتكنولوجيا رقمية حتى نضمن وصوله لمستحقيه فقط.

ويمكننا القول فى ذلك إن «منظومة الخبز» التى طبقتها وزارة التموين تعتبر مصداقا على ما نقول. فعلى الرغم مما يعترى تلك المنظومة من أوجه قصور، فإننا لا ننكر الإجماع على ما حققته من انجاز فى تقليل الهدر فى فاتورة دعم الخبز. يعنى ذلك أن المبالغ التى أُنفقت على تطوير تلك المنظومة تصبح زهيدة إذا ما قورنت بحجم الوفورات المالية التى حققتها.

إننا حين ندعو للإنفاق على تطوير منظومة الدعم الرقمى لترشيد نفقات الدعم، لا نقصد استثناء نفقات دعم الطاقة، سواء منها المقدم للمنتجين أو المقدم للمستهلكين، بل إننا نؤمن بأن تلك المنظومة لن يكتب لها النجاح فى ترشيد الفاتورة الإجمالية للدعم إلا إذا صممت خصيصا لتوجيه دعم الطاقة لمستحقيه، لما يشكله ذلك من أهمية نسبية مرتفعة فى فاتورة الدعم الإجمالية. ويحدث ذلك بتوسيع الإنفاق على الربط التكنولوجى بين موردى الطاقة وبين مستحقيها فقط.

***
هناك إذن ثمة نفقات حكومية تحتاج للزيادة، وهى النفقات التى تساعد الحكومة على ترشيد الإنفاق، وهى كما رأينا متعددة ومتنوعة. ولئن كان الترشيد هدفًا نبيلًا فى حد ذاته، إلا أن نبل الهدف لا يُغنى عن سلامة وسيلة تحقيقه.

 

محمد يوسف باحث رئيسي في مركز تريندز للبحوث والاستشارات بدولة الإمارات
التعليقات