أحد الدروس المستقاة من الهجوم المباغت الذى نفّذته حركة حماس قبل نحو عام، هو أنه علينا أن نصيخ السمع والانتباه الشديدَين لما يقوله أعداؤنا، لكى نتمكن من إدراك نياتهم بصورة جيدة. وبناءً عليه أيضًا، علينا أن نصغى لأصدقائنا فى الإقليم بجدية.
حصلنا الأسبوع الماضي على مثالين لخطاب مهم، ينبغى لنا الانتباه إليه. ففى بداية الأسبوع الماضي، استمعنا إلى وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد، فى ذكرى مرور أربعة أعوام على اتفاقيات أبراهام. لقد كتب وزير الخارجية الإماراتى، أن بلده لن يكون مستعدًا لدعم الجهود بشأن اليوم التالى للحرب فى قطاع غزة، من دون إقامة دولة فلسطينية. جاء هذا على خلفية التوقعات الإسرائيلية فيما يتعلق بمشاركة الإماراتيين فى تمويل إعادة إعمار غزة.
من جهة، تعكس كلمات وزير الخارجية الإماراتى دعمًا ضمنيًا واستعدادًا للمشاركة فى عملية تهدف إلى إقامة نظام بديل من نظام حركة حماس فى قطاع غزة، وإعادة إعمار القطاع، فى حال التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار. ومن جهة أخرى، وضعت الإمارات شرطًا واضحًا يتمثل فى مطالبة إسرائيل، مرة أخرى، بترسيم رؤية واضحة واستراتيجية لِما بعد الحرب.
تعبّر كلمات وزير الخارجية الإماراتى عن إحباطه جرّاء استمرار الحرب، من دون توفُّر حلول سياسية ملموسة تلوح فى الأفق. إن الإمارات العربية المتحدة لاعب لا يمكن تجاهُله؛ فهى الدولة العربية الأكثر نشاطًا من النواحى السياسية والإنسانية فى غزة، ويواجه قادتها انتقادات من بعض الأوساط فى العالمَين العربى والإسلامى لاستمرارهم فى التطبيع مع إسرائيل، على الرغم من الدمار الكبير فى القطاع.
شعور مشابه عبّر عنه فى نهاية الأسبوع الماضي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلى للسعودية وولى عهدها. ففى خطاب ألقاه أمام مجلس الشورى السعودى، قال بن سلمان، الذى تسعى إسرائيل للتوصل إلى اتفاق تطبيع معه، إن السعودية لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية. وأضاف ولى العهد: «لن تتوقف المملكة عن العمل من أجل إقامة دولة فلسطينية.. نحن ندين جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى».
تعكس هذه الرسائل المهمة، والتى ربما جرى تنسيقها بين الإمارات والسعودية، ازدياد الإحباط من استمرار الحرب، ومن تصرفات وتصريحات بعض المسئولين فى الحكومة الإسرائيلية. فما يُقلقهم بشكل خاص هى التصرفات والتصريحات المتعلقة بالحرم الشريف، وبصورة خاصة تصريحات الوزير بن غفير بشأن إقامة كنيس بجانب المسجد الأقصى.
فالدول العربية التى تربطها علاقات بإسرائيل فعلًا، وتلك المستعدة لإقامة علاقات بشروط معينة، تغيّر شروط هذه العلاقات الآن، لأن الحرب تؤثر فى الرأى العام العربى، وهؤلاء لا يستطيعون تجاهُل ذلك، والنتيجة أن حساباتهم تتغير، ويوجهون رسالة إلى إسرائيل، مفادها أنهم غير مستعدين للعودة إلى الوضع السابق قبل الحرب. إن دول الخليج غير مستعدة لاستثمار موارد ضخمة فى إعادة إعمار القطاع، فقط لتذهب هباءً فى الحرب المقبلة - وهذا أحد الأسباب التى تدفعهم إلى الإصرار على إقامة نظام بديل فى القطاع.
فى أعقاب الحرب، باتت إسرائيل تُعتبر كريهة، وهناك رغبة واضحة فى الابتعاد عنها وتبريد العلاقات معها. ومع ذلك، من غير المستبعد أن تتغير مواقف الدول العربية، مثلما عبّرت عنها هذا الأسبوع؛ بمرور الوقت، بعد انتهاء الحرب، قد تبدى الدول العربية مرونة فى التعامل مرة أخرى، والعودة إلى مواقفها السابقة. لكن، من غير الواضح متى ستنتهى الحرب، إذ من الممكن أن يتسبب ذلك بأضرار كبيرة بالعلاقات القائمة وفرص تحقيق تقدُّم مع السعوديين.
لا يمكن لإسرائيل التعامل مع اتفاقيات أبراهام على أنها أمر مسلّم به، وبصورة خاصة العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، الدولة العربية الرائدة التى أثبتت استعدادها لتحمُّل المخاطر السياسية. فالسلام الذى تحقق مع الإمارات، وهو السلام الأكثر دفئًا الذى تحققه إسرائيل مع دولة عربية، قد يتحول فجأة إلى سلام بارد.
يوئيل جوزنسكى
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية