أدوات الصراع في الأزمة الأوكرانية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أدوات الصراع في الأزمة الأوكرانية

نشر فى : الثلاثاء 22 مارس 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 مارس 2022 - 7:15 م

لقد تنوعت أدوات الصراع التى استخدمتها الأطراف الضالعة فى الأزمة الأوكرانية وأخذ كل طرف فى اعتباره حدودا وقواعد معينة يلتزم بها، وأخرى يستخدمها بأقصى ما يستطيع دون الانتقال مما هو مسموح به ومتاح إلى ما هو محظور رغم أنه قد يكون ممكنا. واستلهمت القوى الكبرى فى هذه الأزمة تجاربها السابقة فى الحروب الإقليمية المحدودة، وفى الحروب بالوكالة، وباستخدام القوة الناعمة إلى جانب القوة العسكرية، كل ذلك سعيا وراء تحقيق أهداف معينة يسعى إليها كل طرف قد يكون بعض هذه الأهداف غير قابل للتنازل عنه، وبعضها يمكن الوصول إلى حلول وسط بشأنه.

ومن أهم هذه الأدوات، وبإيجاز، ما يلى:
1ــ التمويه المكشوف، حيث أجرت روسيا عدة مناورات عسكرية كبيرة على حدودها مع شرق أوكرانيا، وكانت تؤكد دائما أنها مجرد تدريبات وليست استعدادات للقيام بعمليات عسكرية ضد أوكرانيا. ولم يكن خافيا على الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى أن الهدف والاحتمال الأكبر لهذه المناورات هو الاستعداد الروسى لعمليات عسكرية مهمة على الأراضى الأوكرانية، وذلك بما لديهم من معلومات بالأقمار الصناعية والعملاء والتحليلات العسكرية، وقد بذلت مساعى وجهودا لمنع روسيا من القيام بعمليات عسكرية ضد أوكرانيا وباءت جميعها بالإخفاق، وقامت روسيا بما خططت له فى الموعد الذى حددته.

2ــ الدعم العسكرى من الناتو لأوكرانيا والمحكوم بقيود متعددة منذ بداية الأزمة إزاء اعتبار روسيا أن أوكرانيا خط أحمر بالنسبة لأمنها القومى وأن أى تدخل من أى دولة عسكريا سيواجه بقوة وحزم من جانبها. ولم تستجب دول الناتو لطلبات رئيس أوكرانيا بإمداده بطائرات حربية، وفرض حظر جوى على سماء أوكرانيا لعلمهم أن ذلك من المحظورات واكتفوا بتقديم بعض الأسلحة مثل الصواريخ المضادة للدبابات وللطائرات، وقدموا طائرات مسيّرة وغيرها من بعض المعدات العسكرية، ولم يمنع ذلك القوات الروسية من السيطرة التدريجية على عدة مدن أوكرانية.
ومما يثير الانتباه تحذير واشنطن للصين من تقديم أسلحة أو مساعدات عسكرية لروسيا علما بأن روسيا من بين أكبر الدول المصدرة للأسلحة فى العالم، كما أن لديها من الصواريخ ما يمكنها من إصابة المواقع المستهدفة فى أوكرانيا بإطلاق هذه الصواريخ من الأراضى الروسية.

3ــ التهديد المستبعد، حيث ردت روسيا على تصريح وزيرة خارجية بريطانيا بتشجيع انضمام متطوعين للحرب مع الأوكرانيين، بإعلان حالة التأهب النووى الروسية، وهو ما أدى إلى تراجع الحكومة البريطانية والوزيرة بالقول إن تصريح الوزيرة لا يعبر عن رأى الحكومة وإنما هو رأيها الشخصى وهو ما أكدته الوزيرة نفسها. هذا مع إدراك الجميع استحالة استخدام الأسلحة النووية إزاء التداخل السكانى الروسى الأوكرانى، وقرب حدود أوكرانيا من روسيا وبيلاروسيا ومولدوفا وغيرها، كما أن كارثة التسرب النووى من مفاعلات تشرنوبل فى أوكرانيا فى الثمانينيات من القرن العشرين لا تزال قائمة على الأرض وماثلة فى الأذهان. ولكن التهديد الروسى زاد دول الناتو اقتناعا باستحالة تدخلها العسكرى المباشر فى أوكرانيا واحترام الخطوط الحمراء الروسية.

4ــ العقوبات الاقتصادية والمالية ضد روسيا، وسبق أن استخدم هذا السلاح ضد روسيا فى عام 2014 عندما اقتحمت قواتها جورجيا، وضمت شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ومن ثم فهو ليس سلاحا جديدا بالنسبة لها من ناحية، كما أن ألمانيا ودولا أوروبية أخرى رفضت تطبيق العقوبات الاقتصادية على البترول والغاز الذى تستورده من روسيا، واكتفت ألمانيا بوقف، وليس إلغاء، افتتاح خط غاز الشمال الثانى الروسى إلى حين انتهاء الأزمة الأوكرانية. كما أن الغاز الروسى لا يزال يمر بالأراضى الأوكرانية وتحصل على حصة منه. والأبعد من ذلك كله أن العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا أصابت أضرارها وتبعاتها جميع دول العالم المتقدمة والنامية وفى المقدمة الولايات المتحدة ودول الناتو نفسها وكأنها تطلق النار على أقدامها. كما أن ارتفاع أسعار البترول والغاز حقق مكاسب كبيرة لروسيا تعوضها جزئيا عن خسائرها من العقوبات، كما أن عضوية روسيا فى مجموعة البريكس وتضم إلى جانبها الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا لن تلتزم بتطبيق العقوبات على شريكتها روسيا. وقد هددت روسيا الشركات الغربية العاملة فيها أنها إذا خرجت فلن تعود وستؤمم ممتلكاتها، وأعلنت روسيا أنها ستسدد أقساط ديونها بعملتها الروبل. وقد تسربت أنباء أن بعض الشركات الفرنسية العاملة فى روسيا أعلنت أنها لن تنسحب منها.
ومن ثم فقد أصبح سلاح العقوبات الاقتصادية على روسيا ذا حدين، ويمثل عامل ضغط على الجميع من أجل الدفع بقوه نحو التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية لتجنب كارثة اقتصادية عالمية.
•••
5ــ الزحف الروسى البطىء على الأراضى الأوكرانية والتركيز على تدمير البنية العسكرية الأساسية ومراكز الاتصالات والمطارات وبعض المرافق والخدمات والسيطرة على حدود أوكرانيا الشرقية والشمالية والجنوبية والعمل على محاصرة العاصمة كييف بخطوات بطيئة للضغط على رئيس أوكرانيا ومؤيديه سواء واشنطن أو دول الناتو للبدء فى مفاوضات جادة والاستجابة للمطالب الروسية الأساسية بالتعهد بعدم انضمام أوكرانيا للناتو وأن تكون دولة محايدة، والاعتراف بأن شبه جزيرة القرم روسية، والاعتراف باستقلال إقليمى لوجانسك ودونيتسك الأوكرانيين، والتخلص مما تسميه روسيا النزعات النازية فى غرب أوكرانيا.
وقد بدأت المفاوضات على عدة مستويات بين روسيا وأوكرانيا مع استمرار الضغط العسكرى الروسى فى كل الاتجاهات. وتدخل عدة وسطاء منهم تركيا وإسرائيل وألمانيا وفرنسا وقطر وغيرهم، وأعلنت روسيا أنها لن تقبل وساطة من اتخذوا موقفا عدائيا ضدها. وفى تصعيد أمريكى جديد وصف الرئيس الأمريكى بايدن الرئيس الروسى بوتين بأنه مجرم حرب، وهو ما لا يخدم الموقف الأوكرانى فى المفاوضات رغم محاولة المتحدث باسم الرئاسة الأمريكية التخفيف من حدة التصريح، وقال إنه كان تصريحا عاطفيا من بايدن. ورغم استمرار الضغوط العسكرية الروسية فإنها تحرص قدر الإمكان على عدم التورط بقواتها فى حرب مدن فى أوكرانيا.

6ــ سلاح اللاجئين، فقد أثارت الحملات الإعلامية الغربية عن الغزو الروسى لأوكرانيا حالة من الفزع لدى قطاعات كبيرة من الأوكرانيين خاصة من ينتمون إلى أصول بولندية، أو مجرية، أو سلوفاكية، أو رومانية وغيرها إلى جانب الطلبة الأجانب والجاليات الأجنبية فى أوكرانيا. وقد أدى ذلك إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الدول المجاورة خاصة بولندا؛ حيث بلغ إجمالى اللاجئين الأوكرانيين لدول الجوار نحو 3 ملايين لاجئ وتتوقع الأمم المتحدة وصول عددهم إلى نحو 4 ملايين لاجئ. ويستخدم الإعلام الغربى المآسى الإنسانية للاجئين ضد روسيا وبدأت دول الجوار خاصة بولندا تشكو من عدم قدرتها استيعاب كل هذه الأعداد، ولم تتردد روسيا فى فتح الممرات الآمنة لخروج اللاجئين الأوكرانيين والأجانب للضغط بهم على الدول الأوروبية، وأصبحوا سلاحا يستخدمه كل طرف بما يخدم أغراضه.

7ــ استخدام المتطوعين والمرتزقة وذلك إزاء تعذر تدخل قوات دول الناتو فى الحرب فى أوكرانيا مباشرة فلجأوا إلى فتح باب التطوع وتكوين «الفيلق العالمى» للانضمام إلى القوات الأوكرانية ومواجهة القوات النظامية الروسية بحرب ميليشيات ومرتزقة، وردت روسيا بالإعلان عن تسجيل نحو 40 ألف متطوع من سوريا ودول أخرى فى الشرق الأوسط والشيشان إلى جانب شركة فاجنر الروسية للمرتزقة وغيرها لتجنب استدراج الجيش الروسى إلى حرب ميليشيات ومرتزقة ممتدة كما حدث فى أفغانستان من قبل، خاصة وأن روسيا لديها خبرات طويلة فى هذا المجال فى سوريا وليبيا.

8ــ استخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى فى حرب إعلامية ونفسية شاملة من جانب دول الناتو وتعبئة الرأى العام الغربى والعالمى ضد روسيا، واستخدام كل التعبيرات المثيرة للقلق ومنها غزو روسيا لأوكرانيا، والتهديد النووى الروسى، وانتهاك حقوق الإنسان، وتهديد السلم والأمن فى أوروبا وأن روسيا أخفقت فى تنفيذ خططها العسكرية أمام المقاومة الأوكرانية الصامدة التى أوقفت تقدمها فى الأراضى الأوكرانية، بينما اتبع الإعلام الروسى منهجا متحفظا ويتسم بالغموض أحيانا وركز على تمسك روسيا بمطالبها التى تحقق أمنها، مع اتهام الإعلام الغربى بالكذب وتشويه الحقائق، وإظهار أن المقاومة الأوكرانية هى التى تدمر الكبارى والمرافق العامة خاصة فى إقليمى لوجانسك ودونيتسك، واكتفى الرئيس بوتين بالرد على وصف الرئيس بايدن له بأنه مجرم حرب، بأن تمنى لبايدن الشفاء.

وقد اتضح للجميع عدم قدرة دول الناتو على التدخل عسكريا ضد روسيا فى الأزمة الأوكرانية، وأنذرت روسيا بأن تقديم أسلحة من أى دولة مجاورة لأوكرانيا يعد عملا عدائيا ويجعلها ضمن الأهداف المشروعة للعمليات العسكرية الروسية والتى ستستمر إلى أن تحقق روسيا مطالبها التى تحقق أمنها.

وقد عجز مجلس الأمن عن إصدار أى قرار بشأن الأزمة الأوكرانية لوجود الفيتو الروسى، ولا يعدو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا أن يكون مجرد توصية لا فاعلية لها ولم تغير من مسار العمليات العسكرية الروسية شيئا.

وإزاء هذا الوضع البالغ التعقيد، والضغوط الاقتصادية على جميع دول العالم نتيجة العقوبات الأمريكية ودول الناتو على روسيا، فلا مفر من الدفع بالمفاوضات الروسية ــ الأوكرانية للتوصل إلى تسوية مرضية؛ لأنه كلما طالت مدة الحرب كلما ازداد الموقف تعقيدا وتتصاعد الأزمة الاقتصادية وتهدد بأزمة عالمية طاحنة حذر منها كل من صندوق النقد والبنك الدوليين.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات