على شفا الرحيل.. - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على شفا الرحيل..

نشر فى : السبت 23 يونيو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 23 يونيو 2012 - 8:00 ص

يأتى الموت أحيانا ليقدم حلا لكثير من معضلات الوجود.. وقد ظل الرئيس المخلوع رهين محبسين، أحدهما أمراض الشيخوخة والتقدم فى السن، والثانى محاكمته والحكم عليه بالفساد والاستبداد.

 

وكانت الضغوط السياسية من الخارج والضغوط الشعبية من الداخل تغل يد السلطات العسكرية التى تولت أمر تقديمه للمحاكمة من أن تحمله على دفع الثمن وإغلاق ملفه بالسرعة اللازمة، وربما رأى المسئولون أن المشيئة الإلهية قد تتدخل فترفع عنهم الحرج الذى وجدوا أنفسهم فيه.. وقد كانوا جزءا من نفس المؤسسة التى أنتجته ودانت له بالسمع والطاعة!

 

ولكن ظل هناك إحساس دفين بأن الله يمهل ولا يهمل. وقد مر على مصر منذ محمد على أربعة عشر حاكما، تم عزل أربعة منهم دون محاكمة. كان آخرهم الملك فاروق الذى عزله الضباط الأحرار وأجبروه على مغادرة البلاد. والرئيس محمد نجيب الذى عزلته ثورة يوليو فى سياق خلاف مع الرئيس عبدالناصر.

 

حتى جاء حسنى مبارك الذى أجبرته ثورة الشباب فى 25 يناير انطلاقا من ميدان التحرير على ترك الحكم فى 11 فبراير.

 

وحتى هذه اللحظة بقى مبارك فى محبسه إثر ثورة فريدة من نوعها لم يعرف مثلها الشعب المصرى على مر تاريخه، وأحدثت آثارا بعيدة المدى فى العالم العربى والمنطقة المحيطة. وكانت إيذانا بنهاية حقبة من نظم الاستبداد التى لونت مصير الشعوب العربية. فقضت على حكم الفرعون المستبد الذى اعتاد أن يخضع له المصريون، وعلى المفاهيم والرؤى التاريخية التى ظلت جزءا من ميراث قديم، قام على أساليب الفساد وخلق بطانة من الأتباع والمحيطين الذين استفادوا من النظام وحافظوا عليه من الزوال.

 

ومع كل ما ارتكبه حسنى مبارك من جرائم.. فقد انقسم المصريون على أنفسهم بين الذين يريدون تطبيق القانون بكل حزم وصرامة. وبين الذين انتابتهم مشاعر التساهل الذى يفضى إلى تعاطف كاذب مع إنسان يمر بمحنة قاسية.

 

ولكن بقى أن يطبق المصريون موازين العدالة التى انبنى عليها تاريخهم القديم، وكانت العدالة هى إحدى رموز الحكم فيها.

 

على أنه باختفاء، حسنى مبارك سوف يسقط أحد أهم الكنوز الاستراتيجية لإسرائيل. فلم يكن مبارك هو الزعيم العربى الوحيد الذى اختار أن يكون ظهيرا للسياسة الإسرائيلية، ولكنه أسس مدرسة فى السياسة العربية منحت إسرائيل مساحة من الأمن الاستراتيجى والاقتصادى لم تكن تحلم به، حين قاد العرب إلى فكرة أن حرب 1973 هى آخر الحروب. وظنوا أن خطر الحرب الشاملة مع إسرائيل قد زال. بينما كانت سيناريوهات الحروب الإسرائيلية على كل دول الجوار العربى مستمرة.. حرب مفاعل تموز العراقى 1979، واجتياح لبنان عام 1982، وقمع الانتفاضة الفلسطينية بوحشية أواخر الثمانينيات، واغتيال القيادات الفلسطينية فى تونس، وقصف المفاعل النووى السورى عام 2007 واجتياح غزة 2008 واغتيال قائد مخابرات حماس فى دبى 2009 فضلا عن عشرات العمليات الاستخبارية وشبكات التجسس فى مصر وغيرها.

 

وفى غضون ذلك حافظت مصر على علاقات سلمية وثيقة، وتدعمت الأواصر بين مبارك والقيادات الإسرائيلية.. الأمر الذى دعا بن اليعازر إلى وصف مبارك بأنه كنز استراتيجى لإسرائيل. وبالفعل فقد حققت إسرائيل منذ ذلك الحين صعودا اقتصاديا ملحوظا بفضل تخفيض نفقات التسلح. ونجحت فى عقد صفقة غاز خيالية مع مبارك ونظامه تدفق فيها الغاز على إسرائيل. واتضح أن ولدى مبارك جمال وعلاء كانا يتقاضيان عمولات سنوية سخية من تلك الصفقة.

 

لم يكن هناك من يشعر بتلك المعاهدات والاتفاقيات التى كانت تمر على مجلس الشعب دون أن يدرى أحد. ووضعت مصر بذلك نموذجا للتعامل مع إسرائيل من خلف ظهر أى رقابة شعبية، مما أتاح للديكتاتوريات العربية الأخرى أن تقيم علاقات سرية مع إسرائيل وتوسع التبادل التجارى معها. فأقامت إسرائيل علاقات مع موريتانيا وتعاملت مع قطر من تحت المائدة. ونجحت فى شق الصف بين دول الخليج وإيران. وحاولت إثارة الشقاق بين الشيعة والسنة!

 

فى عهد مبارك لم تنجح القوى السياسية المصرية فى إقامة أحزاب سياسية حقيقية أو بناء حكم ديمقراطى، وأدت السياسات الاقتصادية والاجتماعية إلى انهيار داخلى شديد فى التعليم والصحة ومستوى الدخل والتنمية.

 

وحين أجبر مبارك أخيرا على ترك منصبه وسلم سلطاته إلى المجلس العسكرى، لم يكن يخطر بباله أن النهاية اقتربت وأن حسابه على الماضى لن يفلت من قبضة التاريخ. وإذا كان مشهد الموت مشهدا مأساويا بطبيعته، إلا أنه يأتى فى لحظة يتم فيها تبادل المواقع. ويتسلم فيها حارس جديد مسئولية السلطة الرياسية.. وكل واحد يقول لنفسه: عسى أن يتعلم مرسى والذين معه الدرس!!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات