انقلاب النيجر.. والصراع الإقليمى والدولى - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 1:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انقلاب النيجر.. والصراع الإقليمى والدولى

نشر فى : الثلاثاء 22 أغسطس 2023 - 7:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 أغسطس 2023 - 7:30 م

لقد جاء الانقلاب العسكرى فى النيجر فى 26 يوليو 2023 ليكون كاشفا لعدة أمور كانت متوارية إلى حد كبير عن أجهزة الإعلام، سواء على المستوى الداخلى أو الإقليمى أو الدولى، وكاشفا الوجود العسكرى لدول غربية غير الوجود الفرنسى الذى كان معروفا، على أراضى النيجر تحت مظلة التعاون من أجل مكافحة الإرهاب والمنظمات الإرهابية العابرة للحدود فى منطقة الساحل الأفريقية، وفى مقدمتها تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، وبوكو حرام، حتى وإن كان السبب الرئيسى لوجود هذه القوات الغربية هو حماية مصالحهم الاقتصادية والتجارية القائمة، والحفاظ على مراكز وجود لهم وتطلعهم لأن يكون لكل منهم نصيب فى الاستثمارات الجديدة فى مجال التعدين وخاصة اليورانيوم، وما ينتظر اكتشافه من موارد طبيعية أخرى فى النيجر، إلى جانب عدم ترك فراغ تسارع قوى أخرى لشغله.
كشف الانقلاب العسكرى على المستوى الداخلى أن ثمة صراعا مكتوما كان قائما بين قيادات الحرس الرئاسى والرئيس محمد بازوم، وسبق توجيه إشارة قوية له بمحاولة انقلاب قبيل توليه السلطة عقب فوزه فى الانتخابات الرئاسية عام 2021، لإظهار أنه كان فى متناول العسكريين إلغاء نتائج الانتخابات بانقلابهم السابق الذى لم يتم. وكان واضحا أن الصراع المكتوم قد بلغ مداه بما قاله الرئيس بازوم فى خطاب له قبيل الانقلاب بأيام بأنه يتعين على القادة العسكريين أن يكونوا فى المقدمة وسط جنودهم بدلا من مكوثهم فى أماكن مكيفة الهواء. وكان واضحا أنه يقصد قائد الحرس الرئاسى الذى استمر فى منصبه نحو 11 سنة. كما أعلن بازوم أنه سيحارب الفساد واستغلال السلطة من أجل مصالح خاصة. وقد تسرب أن مجلس الوزراء سيتخذ عدة قرارات فى اجتماعه يوم 27 يوليو 2023 من بينها تغيير رئيس الحرس الرئاسى الجنرال عبدالرحمن تيانى، ما جعله يسارع بالقيام بالانقلاب العسكرى واعتقال الرئيس بازوم وزوجته وابنه فى أحد أجنحة القصر الجمهورى قبل اجتماع مجلس الوزراء بيوم واحد.
يقف إلى جانب قادة الانقلاب العسكرى مجموعة من الضباط من مختلف التشكيلات العسكرية، وقوى مدنية، إلى جانب دعم سياسى ودبلوماسى من جهات خارجية. واستغل الانقلابيون حالة الاستياء الشديد لدى شعب النيجر جراء سوء الأوضاع الاقتصادية المتأزمة وإلقاء اللوم على الرئيس المعزول محمد بازوم، ومطالبته بالاستقالة وتنظيم مظاهرات شعبية مؤيدة للانقلاب، والمطالبة بخروج القوات الفرنسية، والتنديد بموقف فرنسا المؤيد للتدخل العسكرى لإجهاض الانقلاب وإعادة بازوم إلى منصبه. وأدى ذلك إلى إعلان المجلس العسكرى إلغاء اتفاقيات التعاون الأمنى والعسكرى مع فرنسا، ومطالبتها بترحيل قواتها من النيجر خلال شهر، ورفض فرنسا لهذا القرار واعتبار أن وجود قواتها فى النيجر بناء على موافقة سلطات شرعية وهى التى من حقها إلغاء الاتفاقيات وليس الانقلاب العسكرى غير الشرعى. وأعلنت فرنسا ترحيل رعاياها، رغم تأكيد قادة الانقلاب وسلطات الأمن فى النيجر أنه لم يقع أى أذى على أى مواطن فرنسى. وقد تأثرت الدول الغربية الأخرى بقرار فرنسا ترحيل رعاياها وبدأ بعضها فى الاستعداد لترحيل رعاياهم أو نقلهم إلى قواعدهم العسكرية فى النيجر حيث توجد قوات عسكرية لكل من إيطاليا وألمانيا. كما توجد قاعدتان عسكريتان للولايات المتحدة الأمريكية، إحداهما للاستطلاعات الجوية وإطلاق الطائرات المسيرة، والأخرى أرضية، وإجمالى القوات الأمريكية فى النيجر نحو 1300 جندى وضابط إلى جانب بعض أفراد القوات الخاصة.
• • •
واضح أن إنذار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكرى إذا لم يتراجع الانقلابيون ويعيدوا الرئيس بازوم إلى السلطة بمهلة أسبوع واحد، كان إنذارا غير محسوب من عدة جوانب أولها أنه من الصعوبة البالغة تجهيز قوات من عدة دول للقيام بالتدخل العسكرى فى النيجر خلال مهلة أسبوع حتى فى الظروف العادية. وثانيها أن دول الإيكواس الخمسة عشر ليست متفقة كلها على هذا التدخل العسكرى، حيث تعارضه بقوة بل وتعرض تقديم مساعدات عسكرية لقادة الانقلاب فى النيجر لمواجهة هذا التدخل العسكرى حال وقوعه، كل من مالى وبوركينا فاسو، وتشاركهما غينيا فى معارضة التدخل، وتعارضه من خارج الإيكواس كل من الجزائر وليبيا، كما لا تحبذه تشاد التى حاولت القيام بدور وساطة بين قادة الانقلاب والرئيس بازوم لم تنجح. كما أن نيجيريا ذاتها التى ترأس حاليا مجموعة الإيكواس، ويدفع رئيسها بولا أحمد تينونو للتدخل العسكرى فى النيجر وإعادة الرئيس المخلوع إذا لم يستجب قادة الانقلاب للمساعى السياسية والدبلوماسية لإعادة الرئيس بازوم إلى الرئاسة، يواجه معارضة مجلس الشيوخ فى نيجيريا، ومع أنها ليست معارضة ملزمة للرئيس إلا أن لها مردودا سياسيا داخل نيجيريا مع موقف المعارضة الرافض للتدخل العسكرى، وكذلك ولايات نيجيريا السبع على الحدود مع النيجر يعارضون التدخل العسكرى ويرون أنه يلحق أضرارا بالغة بالعلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والسكانية التى تربط هذه الولايات مع شعب النيجر، هذا إلى جانب مخاطر نشوب صراعات عسكرية تعصف بالأمن والاستقرار فى المنطقة. ويضاف إلى ذلك أن قائد الانقلاب فى النيجر عبدالرحمن تيانى سبق أن تولى قيادة قوات مجموعة إيكواس لحفظ السلام فى السنغال، ومن ثم لديه خبرة ودراية عملية بما تشكله إيكواس من قوات سواء بغرض التدخل أو حفظ السلام. تستند مجموعة إيكواس المؤيدة للتدخل العسكرى إلى أن اتفاق تأسيس المجموعة يتضمن فرض عقوبات اقتصادية وتجارية وسياسية على الدول أعضاء المجموعة التى يتم تغيير نظامها المنتخب بالانقلاب، كما يتيح إمكانية التدخل العسكرى لإعادة الشرعية الدستورية. بينما الاتحاد الأفريقى يعطى مهلة زمنية معينة للقائمين بالانقلاب لتصحيح الوضع بالعودة إلى الشرعية الدستورية، وإذا لم تتم الاستجابة تعلق جميع أنشطة الدولة فى الاتحاد الأفريقى. ولكن يلاحظ أنه فى حالة النيجر، فقد أيد المفوض العام للاتحاد الأفريقى ما تتخذه مجموعة إيكواس من قرارات، سواء العقوبات التى فرضتها على النيجر، أو المساعى السياسية والدبلوماسية، ودون أن يتحفظ على التدخل العسكرى فى حال عدم نجاح المساعى السياسية والدبلوماسية. ولكن حدث انقسام فى الرأى بين مؤيد ومعارض للتدخل العسكرى فى الاجتماع الذى عقده مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الافريقى وبدون موافقة صريحة منه على التدخل العسكرى سيكون من الصعب للغاية القيام به وسيحدث انقساما آخر على مستوى القارة الأفريقية.
• • •
إذا كانت فرنسا تؤيد اتخاذ جميع الوسائل لإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة وإنهاء الانقلاب سواء بالوسائل السياسية أو التدخل العسكرى، فإن دولا أوروبية لها وجود عسكرى فى النيجر، ومنها ألمانيا التى ترى أن الاعتراض على الانقلاب لا يعنى الحرب عليه، وإنما العمل على حل سياسى يعترف بسلطة الأمر الواقع، مع الحصول على ضمانات بإجراء انتخابات جديدة ونزيهة، والإفراج عن الرئيس محمد بازوم وضمان عدم تعرضه للأذى. كما يرى وزير خارجية إيطاليا أن الطريقة الوحيدة للخروج من الأزمة فى النيجر هى الدبلوماسية، وأنه من الضرورى استبعاد أى تدخل عسكرى.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد اتخذت موقفا غير مؤيد للتدخل العسكرى فى النيجر، وأن الحلول السياسية هى الأفضل. ويلاحظ أن قادة الانقلاب العسكرى لم يشيروا فى أى من تصريحاتهم إلى الوجود العسكرى الأمريكى رغم قرار الإدارة الأمريكية بفرض بعض العقوبات المالية البسيطة، إلا أنها حتى الآن لم تصنف ما حدث على أنه انقلاب عسكرى حتى لا تضطر إلى تطبيق جميع العقوبات الاقتصادية والتجارية على النيجر. وتدرك واشنطن أن خروج قواتها والقوات الفرنسية من النيجر يفتح المجال أمام روسيا ودخول قوات فاجنر رغم تصريح رئيس الوزراء ــ الذى عينه قادة الانقلاب وشكل حكومة جديدة ــ مؤكدا أنهم لن يستعينوا بروسيا ولا فاجنر رغبة فى كسب ود واشنطن لتحول دون التدخل العسكرى، وكذلك طمأنة كل من ألمانيا وإيطاليا، ولدى الدول الثلاث تجربة ما حدث فى كل من مالى وبوركينا فاسو، ويعملون بحرص شديد على أن لا يتكرر مع النيجر مع ازدياد مساحة تراجع الوجود الغربى فى منطقة الساحل وغيرها فى أفريقيا.
وقد أبدت روسيا عدم موافقتها على الانقلاب العسكرى وذلك للتوافق مع أغلبية الدول الأفريقية فى عدم قبول الانقلاب العسكرى على النظم الديمقراطية، ولكنها لم تؤيد التدخل العسكرى. ومن ناحية أخرى، فقد أبدت مجموعة فاجنر الروسية استعدادها لدعم قادة الانقلاب العسكرى فى النيجر إذا طلبوا ذلك، خاصة أن هذا الدعم يمكن أن يمر عبر مالى وبوركينا فاسو المؤيدين لقادة الانقلاب، وتسعيان بكل الوسائل للحيلولة دون تدخل مجموعة إيكواس عسكريا حتى لا تصبح النيجر ليبيا جديدة فى المنطقة على حد قولهم.
تعد الصين أكبر شريك تجارى للنيجر، وتعارض التدخل العسكرى، وترى أن على النيجر ودول المنطقة التحلى بالحكمة والعمل على إيجاد حل سياسى للوضع الحالى. وتلتزم الصين دائما بعدم التدخل فى الشئون الداخلية حفاظا على مصالحها وعلاقاتها مع النيجر، واستثماراتها فى التعدين والذهب والفضة لأن أى صراع مسلح يؤثر سلبيا على هذه المصالح، وتعمل دائما على أن تكون علاقاتها جيدة مع نظام الحكم القائم فى كل الدول.
• • •
يدرك قادة الانقلاب العسكرى فى النيجر حقائق الانقسام داخل مجموعة إيكواس ومعارضة دول الجوار للتدخل العسكرى إلى جانب معارضة قوى دولية مهمة فى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هذا كله أصاب موقف المطالبين بالتدخل العسكرى بالتراجع والتردد والتركيز على الاتصالات السياسية، وإن كان التدخل العسكرى لم يستبعد تماما حتى الآن رغم ترجيح عدم حدوثه. وإزاء رفض الرئيس محمد بازوم تقديم استقالته قرر المجلس العسكرى تقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة، ليكون ذلك وسيلة ضغط وإقناع للوسطاء بأنه يكفى الإفراج والعفو عنه وضمان سلامته وليس المطالبة بإعادته للسلطة. لذا يلاحظ تركيز واشنطن على ضرورة المحافظة على سلامة الرئيس بازوم وأسرته والوزراء المعتقلين والافراج عنهم.
إن الوجود الغربى فى أفريقيا ــ وخاصة فرنسا ــ يتراجع تدريجيا لصالح روسيا والصين المعتمدين على أنه ليس لهما تاريخ استعمارى فى القارة السمراء، وتعتمدان على العلاقات التجارية والاقتصادية وبعض الاستثمارات، ومبيعات الأسلحة للدول الأفريقية، فى إطار إعادة صياغة موازين القوى الدولية فى المرحلة الحالية. وفى كل الأحوال لا يتوقع عودة الأوضاع فى النيجر إلى ما كانت عليه.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات