الخلافة لم تعد الإطار الأمثل للتعاون الإسلامى - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 8:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخلافة لم تعد الإطار الأمثل للتعاون الإسلامى

نشر فى : الأربعاء 22 سبتمبر 2021 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 سبتمبر 2021 - 8:10 م

منذ الخلافة الإسلامية الراشدة فى منتصف القرن السابع الميلادى ويوجد للمسلمين إطار عام يجمعهم؛ يصل فى مرحلة من المراحل إلى الحكم المباشر ذى النفوذ المسيطر على الأطراف المترامية، وفى أحيان أخرى ينكمش الإطار بحيث لا يتعدى الانتماء الرمزى والولاء الشكلى إلى الخليفة القابع فى عاصمة الخلافة دون ما سلطة فعلية.
ظل هذا الوضع قائما لقرون عديدة حتى الربع الأول من القرن العشرين، عندما قام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة الإسلامية رسميا عام 1924 بعد أن ألغى السلطنة عام 1922.
وقد كان لإلغاء الخلافة صدى قوى فى العالم ومعارضة قوية ونقاش ساخن فى جميع أرجاء العالم الإسلامى؛ فنشأت حركة الخلافة فى «الهند»، وعقدت مؤتمرات غير ناجحة للخلافة فى إندونيسيا عام 1924، وفى القاهرة عام 1926، وفى القدس عام 1931، وسعى العديد من الشخصيات الإسلامية الحصول على هذا الشرف من بينهم: الشريف الحسين بالحجاز، والسلطان يوسف بن حسن سلطان المغرب (والد السلطان محمد الخامس وجد الملك الحالى)، والملك أمان الله خان ملك أفغانستان، والإمام يحيى حميد الدين إمام اليمن، والملك فؤاد الأول ملك مصر.
ظلت فكرة إنشاء إطار جامع للعالم الإسلامى تراود الكثير من زعماء ورؤساء الدول الإسلامية، وقد دعا الملك فيصل بن عبدالعزيز فى عام 1965 إلى إنشاء حلف إسلامى، ولم يوافق عليه سوى إيران (الشاه) والأردن؛ حيث رآه الآخرون على أنه محاولة لتوسيع حلف بغداد الموالى للغرب ضد المد الثورى التحررى. إلا أن النكسة أو الهزيمة التى حدثت نتيجة للعدوان الإسرائيلى على كل من مصر وسوريا والأردن عام 1967 ثم حريق الأقصى على يد متطرف أو مختل يهودى عام 1969 أثار موجة عارمة من الغضب لدى الجماهير على اتساع العالم الإسلامى، مما شكل ضغطا شديدا على الزعامات التى سارعت بعقد مؤتمر قمة لرؤساء الدول الإسلامية فى الرباط تلاها اجتماع لوزراء خارجية العالم الإسلامى فى جدة عام 1970 الذى قرر استدامة انعقاد المؤتمر الإسلامى وإنشاء أمانة دائمة. واختيرت جدة مقرا مؤقتا لحين تحرير القدس التى نص الميثاق على أنها المقر الدائم للمنظمة الجديدة التى عرفت باسم منظمة المؤتمر الإسلامى (O .I .C).
وبالرغم من أن مؤتمر القمة التأسيسى الذى عقد بالرباط فى سبتمبر 1969 لم يحضره سوى 25 دولة إسلامية منها عشر دول فقط على مستوى الرؤساء، إلا أن عدد أعضاء المنظمة تزايد خلال العقود الماضية حتى وصل الآن إلى 57 دولة، فقد انضمت إليها جميع الجمهوريات السوفيتية المسلمة السابقة وهى كازاخستان وأزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأذربيجان وقرجيزيا، ودول أخرى بعد أن نالت استقلالها. وتتوزع العضوية على القارات الأربع وإن كانت معظم الدول تنتمى إلى القارتين الآسيوية والأفريقية، إلا أن هناك دولا أوروبية مثل ألبانيا ذات العضوية الكاملة، والبوسنة التى تحظى بعضوية المراقب ودولتين من أمريكا الجنوبية هما جويانا وسورينام حيث يوجد بهما أغلبية إسلامية من أصول جاوية نتيجة لعملية تهجير قامت بها هولندا لنقل بعض السكان من جزيرة جاوة التى كانت تحت الاستعمار الهولندى إلى مستعمراتها بأمريكا الجنوبية.
وهناك نوع آخر من العضوية وهى العضوية المراقبة التى لا يشترط فيها أن تكون الدولة مسلمة، وتحظى بها حاليا كل من الاتحاد الروسى وتايلاند والبوسنة وأفريقيا الوسطى ودولة قبرص التركية. وهناك طلبات أخرى للانضمام تحت هذه الفئة لم يتم البت فيها مقدمة من كل من الفلبين وجنوب أفريقيا ودول أخرى.
وموضوع العضوية يثير مشاكل خاصة بالتعريف وبالشروط فى كل من منظمة التعاون الإسلامى وجامعة الدول العربية، فبينما لا تواجه المنظمات الإقليمية التى تقوم على أساس جغرافى أى صعوبة فى هذا الصدد مثل الاتحاد الأوروبى أو الاتحاد الأفريقى أو الآسيان أو منظمة الدول الأمريكية، نجد أن المنظمتين الإسلامية والعربية تواجه صعوبات فى هذا الصدد.
فالجامعة العربية مثلا واجهت صعوبة تعريف من هو العربى؟ وبالتالى ما هى الدول التى تعد عربية وبالتالى يحق لها الانضمام إلى جامعة الدول العربية، حيث لا يوجد تعريف علمى يمكن الاستناد إليه فى هذا الصدد.. وأذكر أن جمال عبدالناصر سؤل هذا السؤال فى أوج تزعمه لتيار القومية العربية فقال إن العربى هو الذى لغته الأم هى العربية، وهو تعريف جيد بل يكاد يكون التعريف الوحيد ــ نظرا لعدم صلاحية اعتماد الاعتبارات الجغرافية أو الإثنية كمعيار للتعريف.
ولذلك فشروط العضوية بالجامعة العربية فضفاضة مما سمح لدول مثل جيبوتى والصومال وجزر القمر بالانضمام لمجرد تعهدهم على نشر اللغة العربية واعتمادها كلغة رسمية.
والمشكلة قائمة أيضا بالمنظمة الإٍسلامية حيث يشترط لقبول العضوية أن تكون الدولة ذات أغلبية مسلمة وعضو بالأمم المتحدة، وبالنسبة للشرط الأول فيكتنفه بعض الصعوبات فقد قبلت دول أفريقية مثلا لمجرد أن عددا ممن يعتنقون الإسلام بها أكثر ممن يعتنقون الديانات الأخرى بالرغم من الغالبية العظمى للسكان من غير المسلمين سواء لا ينتمون إلى أى ديانة أو إلى ديانات أخرى سماوية أو إلى ديانات الأقدمين Ancestoral، وقد كان حافز هذه الدول للانضمام هو الاستفادة من التمويل الذى يتيحه البنك الإسلامى للتنمية.
هذا ولم تتمكن دولتان من الحصول على العضوية رغم رغبتهما فى ذلك وهما الهند فى آسيا وكوسوفو فى أوروبا؛ فبالنسبة للهند التى تقدمت بطلب للحصول على عضوية المراقب فقد تصدت لذلك باكستان بشدة ونجحت فى إفشال المحاولة، بالرغم من أن الهند بها من المسلمين ما يكاد يساوى عدد المسلمين فى باكستان وما يفوق تعداد عشرات الدول كاملى العضوية، أما بالنسبة لكوسوفو فقد شكل اشتراط العضوية بالأمم المتحدة عائقا أمام قبول طلبها نظرا لأنها لم تتمكن من الحصول على عضوية الأمم المتحدة لاعتراض روسيا وصربيا على ذلك.
وهناك عقبة أخرى لم تكن متوقعة واجهت مسيرة التعاون الإسلامى، فعندما حاول د/ أكمل الدين إحسان أوغلو أمين عام المنظمة فى عام 2006 تغيير اسم المنظمة ضمن تغييرات كبيرة أخرى أحدثها، مثل تعديل الميثاق وإعداد خطة عمل عشرية لتنشيط المنظمة واستحداث مجالات جديدة لم تستطع اقتحامها من قبل مثل حقوق المرأة وحقوق الإنسان والإغاثة الإنسانية، واجهته صعوبات لم يكن يتوقعها.. فلم نكن نتوقع أن تغيير اسم المنظمة واختيار اسم بديل عن منظمة «المؤتمر الإسلامى» باعتبار أن كلمة المؤتمر توحى بمهمة مؤقتة مرتبطة بانعقاد المؤتمر وانقضاضه، لم يتوقع أن يثير اقتراحه هذا الجدل الواسع الذى أثاره عندما اقترح تغيير اسم المنظمة إلى منظمة الدول الإسلامية على غرار جامعة الدول العربية أو اتحاد الدول الأفريقية، اعترضت معظم الدول. بعضها لأسباب قديمة أو داخلية أو واقعية مثل اعتراض نيجيريا نظرا لوجود أعداد ضخمة من المسيحيين فى نيجيريا يصعب قبولهم وصف دولتهم بالإسلامية، كما أن دولة مثل لبنان لديها تحفظات وأسباب حقيقية للاعتراض، ولكن المدهش أن الاعتراض كان أيضا من دول ليس لديها مثل هذه الاعتبارات، ولكن كانت مخاوفها تدور حول «تهمة» انتمائها لمنظمة دول تسمى نفسها «دولا إسلامية».. إلى هذا الحد وصل الاجتياح الرهيب للعقول من جانب الإعلام العالمى الموجه والذى رسخ فى الأذهان ارتباط اسم الدولة الإسلامية بالإرهاب، وتعمد رفض استخدام الاسم الذى أطلقته المنظمة الإرهابية على نفسها وهو داعش بالعربية أو ISIS بالحروف اللاتينية. من حسن الحظ استقر الأمر على اختيار اسم منظمة التعاون الإسلامى وهو الذى مكنها من الاحتفاظ بنفس الحروف والاسم المختصر للمنظمة O. I. C. الذى استقر فى الأذهان لعقود أربعة.
•••
وبالرغم من الصعوبات الجمة التى واجهت ولا تزال تواجه التعاون الإسلامى، فإن قيام المنظمة واستمرارها يعد إنجازا فى حد ذاته، فلو لم يحدث حريق المسجد الأقصى وبالتالى لو لم تقم المنظمة فى عام 1969، ما كان يمكن لها أن تقوم بعد ذلك، فلولا أن تجمع الدول الإسلامية فى منظمة قائم بالفعل لما أمكن إنشاؤه فى القرن الواحد والعشرين.
وبالرغم من كل هذه المشاكل والتى قد تدعو البعض إلى التساؤل عن مدى جدوى استمرار مثل هذا التجمع، إلا أن هذا التجمع قد حقق الكثير خاصة فى المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية من خلال المؤسسات المتخصصة العديدة التابعة مثل: البنك الإسلامى للتنمية، ومثل مركز أبحاث التاريخ والفن والثقافة الإسلامية (IRCICA)، ومثل مركز الأبحاث والتدريب فى مجالات الإحصاء والاقتصاد والشئون الاجتماعية، ومثل صندوق التضامن الإسلامى. كما قامت المنظمة بخطوة كبيرة فى مجال تنقية التراث الإسلامى فاقتحمت هذا المجال بقوة بإصدارها «الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامى» التى دعت إلى تنقية التراث الإسلامى من خلال دراسته دراسة نقدية بلا وجل ولا محاذير وعدم الحرص على الحفاظ المتحفى على التراث بحجة أنه مقدس فلا شىء مقدس سوى وحى السماء وكل ما عدا ذلك هو فهم بشرى للتراث قابل للأخذ والترك.
•••
والخلاصة أن هناك أدوات عصرية للتعاون بين الدول.. فلماذا يصر البعض على استدعاء التاريخ بدلا من استخدام أدوات العصر.
مساعد وزير الخارجية الأسبق

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات