حملة الأختام - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حملة الأختام

نشر فى : الإثنين 23 مارس 2015 - 10:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 مارس 2015 - 10:05 ص

إذا كنا باسم الحرية نرفض الرأى الواحد والموقف الواحد والصوت الواحد المفروضين على المجال العام فى مصر من قبل الدوائر الرسمية ونخب الاقتصاد والمال المتحالفة معها، فإننا لا نستطيع باسم الحرية أن نفرض على الناس الآراء والمواقف والأصوات التى نتبناها نحن وأن نعاقبهم بالنقد والتشكيك والهجوم اللاذع حال عدم امتثالهم لما نراه نحن صوابا. فحرية المواطن فى الاختيار، ومعها حريته فى التعبير عن الرأى دون خوف أو قيود أو قمع أو إيذاء مادى أو معنوى، يضحى بهما فى الحالتين.

كذلك، لا اختلاف جوهريا هنا يرتبه توظيف الدوائر الرسمية والنخب المتحالفة معها لوسائل الإعلام التقليدى واعتمادها لجهة الترويج للرأى الواحد والموقف الواحد والصوت الواحد وتشويه المغردين خارج السرب على ادعاء زائف مفاده امتلاكها الحق الحصرى للحديث باسم «الوطنية»، بينما يستخدم «حملة الأختام» وسائل الإعلام البديل ويوظفون زيفا تارة مقولات النقاء الثورى والالتزام التقدمى وتارة مقولات الديمقراطية والحقوق والحريات لنزع المصداقية عن المختلفين معهم، بل وتجرديهم من كل قيمة أخلاقية وإنسانية.

وعلى الرغم من أن الدوائر الرسمية والنخب المتحالفة معها لها دون «حملة الأختام» من الأدوات ــ العلنية والسرية ــ ما يمكنها من إلحاق فرضها للرأى الواحد والموقف الواحد والصوت الواحد بتهديدات «فعالة» بالتقييد والقمع والإيذاء باتجاه المغردين خارج السرب، إلا أن للإيذاء المعنوى الذى تلحقه حملات «حملة الأختام» بالمصنفين «ساقطين» ــ بالقطع، فقط وفقا لمقولات النقاء الثورى والالتزام التقدمى الزائفة ووفقا لمقولات الديمقراطية التى تتناسى شرطها الجوهرى المتمثل فى قبول الاختلاف ــ ضرره البالغ أيضا.

لا اختلاف جوهريا بين الممارستين. فهما عرضان لذات الداء العضال، العجز عن الحرية بما يصحبه من ادعاءات باحتكار الحقيقة المطلقة واستعلاء على الآخر وامتناع عن قبول الاختلاف والتعددية.

أجدد اليوم تسجيل رفضى للممارستين ــ الفرض الرسمى للرأى الواحد والموقف الواحد والصوت الواحد وتوظيف «حملة الأختام» لمقولات زائفة لمعاقبة المختلفين معهم وإلحاق الإيذاء المعنوى بهم ــ على خلفية ما يتعرض له الفنان محمد منير من قبل «حملة الأختام» من نقد وتشكيك وهجوم لاذع فى أعقاب بعض مواقفه العلنية الأخيرة.

لمنير، كما لكل مواطنة ومواطن، كامل الحرية فى تحديد قناعاته وأولوياته وانحيازاته فى الشأن العام، وله كامل الحرية فى التعبير العلنى عنها فى المكان والزمان اللذين يراهما مناسبين وعلى النحو الذى يراه هو مناسبا طالما أن لا يصادر أو ينتقص من حرية الآخرين فى الاختلاف عبر تبنى قناعات وأولويات وانحيازات مغايرة وفى التعبير العلنى عنها – ولم أقرأ أو أشاهد أبدا ما يدلل على أن منير تورط فى مصادرة حرية الآخرين فى الاختلاف.

لمنير، صاحب الإبداع الغنائى العظيم الذى شكل وجدان جيلى (أنا الآن فى النصف الثانى من الأربعينيات) وأجيال سبقتنا وأجيال كثيرة تلتنا، كامل الحق ــ شأنه هنا شأن كل مواطنة ومواطن ــ فى أن لا يرتب تحديده لقناعاته وأولوياته وانحيازاته بحرية أو تعبيره العلنى عنها تعرضه لحملة شرسة من النقد والتشكيك والهجوم من قبل «حملة الأختام»، هدفها الوحيد هو نزع مصداقيته ومصداقية إبداعه وتجريدهما من كل قيمة أخلاقية وإنسانية.

فليست هذه الممارسة الرديئة من الحرية فى شىء، وليس اختزال الإبداع والفن فى ثنائيات المع والضد المدفوعة بالموقف من الحكم/ السلطة وبحسابات السياسة المتهافتة سوى دليل عجز أخلاقى وإنسانى أصبح يحاصرنا فى كل زمان ومكان.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات