أزمة الكهرباء ودرس من كاليفورنيا - محمد القرمانى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الكهرباء ودرس من كاليفورنيا

نشر فى : الأحد 23 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 23 يونيو 2013 - 8:00 ص

نشرت جريدة الأهرام بصفحتها الأولى يوم الثلاثاء 28 مايو 2013 خبرا مفاده أن مجلس الشورى وافق على قانون يسمح لوزير المالية بضمان الشركة القابضة لكهرباء مصر فى تعاقدها مع القطاع الخاص لإنشاء محطات توليد كهرباء. ووفقا لنفس الخبر فقد طمأن وزير الكهرباء والطاقة المواطنين أن دخول القطاع الخاص لن يؤثر على تعريفة الكهرباء، حيث ستشترى الحكومة الكهرباء المولدة بأسعار السوق ثم تبيعها للمستهلك النهائى بالسعر المدعم.

 

والحقيقة أن الجزء الأول من الخبر والمتعلق بمشاركة القطاع الخاص فى مرحلة توليد الكهرباء يعكس توجها ايجابيا ومنطقيا من جانب الحكومة فى ضوء الأزمة الكبيرة فى مواجهة الطلب المرتفع على الكهرباء خلال شهور الصيف والتى تمثل ذروة الاستهلاك وهو ما ينتج عنه الانقطاع المستمر للتيار الكهربائى وبالتالى فإن دخول القطاع الخاص يعد حلا عمليا يعفى الحكومة من تحمل التكلفة الاستثمارية الضخمة لإنشاء محطات توليد الكهرباء فى الوقت الذى بات فيه الحصول على تمويلات سخية من مؤسسات التمويل أمرا محل شك. أما النصف الآخر من الخبر والخاص بشراء الكهرباء من محطات التوليد الخاصة بسعر حر (أى تحدده قوى العرض والطلب وتكلفة الإنتاج التى تتحكم فيها محطات التوليد) وبيعها للمستهلك النهائى بسعر مدعم وهو ما يعنى ضمنا أن الحكومة ستتحمل فارق السعر فهو ما يثير قلق ومخاوف كبيرة.

 

●●●

 

وقبل الخوض فى مصادر القلق من المهم إلقاء نظرة سريعة على بنية قطاع الكهرباء فى مصر والذى يعتبر نموذجا احتكاريا بامتياز تسيطر فيه الشركة القابضة لكهرباء مصر المملوكة للدولة على توليد ونقل وتوزيع الكهرباء بشكل شبه كامل. ولا تمثل مصر حالة شاذة فى هذا الصدد، حيث إنه من المعروف اقتصاديا أن مرافق الكهرباء (شركات التوليد والنقل والتوزيع) فى معظم بلدان العالم تخضع لمبدأ الاحتكار الطبيعى natural monopoly، حيث تتسم الصناعة ذاتها بما يعرف باقتصاديات أو وفورات الحجم economies of scale وتعنى أن تكلفة إنتاج وحدة إضافية تقل مع زيادة حجم الإنتاج وبالتالى يكون من الأفضل والأكفأ اقتصاديا أن يسيطر على هذه الصناعة عدد محدود من الشركات.

 

ولن تكون مشاركة القطاع الخاص فى مرحلة توليد الكهرباء جديدة على مصر، حيث سبق أن منحت الحكومة تراخيص لثلاث شركات قطاع خاص لإنشاء وادراة وتشغيل ثلاث محطات توليد كهرباء (بورسعيد والسويس وسيدى كرير) لمدة عشرين عاما بنظام BOOT دخلت الخدمة فى عامى 2001 و2003. وقد أبرمت الشركة المصرية لنقل الكهرباء باعتبارها الشركة الوحيدة المرخص لها بنقل الكهرباء عقودا مع المستثمرين لشراء الانتاج بالكامل أو دفع ثمنه فى حالة عدم الشراء take-or-pay، وذلك بأسعار ثابتة مقيمة بالدولار الأمريكى مقابل توريد الغاز الطبيعى بأسعار مدعمة وبالتالى ضمن المستثمرون عدم التعرض لتقليات أسعار الطاقة وكذا تشغيل المحطات بطاقتها القصوى وضمان بيع الانتاج بالكامل. أما بالنسبة للحكومة فقد تخلصت من عبء تمويل إنشاء وإدارة وصيانة وتشغيل المحاطات وأمنت الحصول على الكهرباء بأسعار ثابتة ورخيصة وبالتالى تجنبت أى ارتفاع مفاجئ فى الأسعار.

 

●●●

 

أما عن مصدر القلق فى الخبر فهو أن شراء الحكومة للكهرباء بأسعار حرة خاضعة لتكلفة الإنتاج فى حين أن سعر البيع للمستهلك النهائى سيظل هو السعر المدعم الثابت يعرض الحكومة لمخاطر تقلبات الأسعار وارتفاعها ويجعلها فريسة لممارسات شركات القطاع الخاص التى لا تلقى بالا سوى السيطرة على السوق وجنى الأرباح. ومن المهم فى هذا المقام التذكير بأزمة كهرباء كاليفورنيا والتى حدثت عقب إعادة هيكلة قطاع الكهرباء وذلك بتحرير سوق إنتاج الكهرباء ومنح تراخيص لمحطات توليد جديدة لتعزيز المنافسة مع بقاء مرحلتى النقل والتوزيع كمنافسة احتكارية monopolistic competition بين عدد محدود من الشركات. وتضمن قانون إعادة الهيكلة تحرير أسعار الشراء من محطات التوليد وفقا لتكلفة الإنتاج مع تثبيت سعر البيع للمستهلك النهائى retail prices بهدف السماح لشركات النقل والتوزيع تحقيق مكاسب تساعدها فى توفيق أوضاعها عقب إرغامها على بيع محطات التوليد التى كانت تملكها قبل إعادة الهيكلة وذلك بافتراض أن أسعار الشراء من محطات التوليد ستكون أقل من أسعار البيع المثبتة.

 

غير أن شركات التوليد مدفوعة برغبتها فى تحقيق أرباح مضاعفة قد استغلت ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى وخلقت عجز مصطنع عن طريق خفض إنتاج المحطات فى أوقات الذروة ورفعت أسعار البيع بنسبة 800% لشركات النقل والتوزيع التى تلتزم ببيع الكهرباء للمستخدمين بأسعار ثابتة وهو ما ترتب عليه خسائر فادحة (ما يقرب من خمسين مليون دولار يوميا ووصلت بنهاية الأزمة إلى 12 مليار دولار أمريكى وافلاس ثلاث من كبرى شركات الكهرباء) جعلتها عاجزة عن سداد فواتيرها لمحطات التوليد فامتنعت محطات التوليد بدورها عن ضخ الكهرباء وهو ما تسبب فى انقطاعات متكررة وأحيانا متواصلة فى كل أنحاء الولاية. واضطرت الحكومة أن تتدخل عن طريق شراء الكهرباء من شركات التوليد وبيعها للمستهلكين وهو ما كلفها حوالى ثمانية مليارات دولار أمريكى.

 

وفى ضوء التجربة القاسية لكاليفورنيا والتى تضافرت مجموعة من العوامل لحدوثها أرجع الخبراء أهمها إلى تحرير سعر الشراء وثبات سعر البيع، فإنه يتعين على الحكومة إعادة التفكير فى شكل التعاقد الذى ستبرمه مع محطات توليد الكهرباء المزمع إنشاؤها بواسطة القطاع الخاص خاصة مع يتعلق بالاتفاق على آلية لتحديد سعر الشراء بخلاف السعر الحر لتفادى تكبد الدولة لخسائر مالية ضخمة وبالدولار الأمريكى حال قررت الشركات المالكة للمحطات رفع أسعار البيع مع الوضع فى الاعتبار أن الدولة حينها لن تملك رفاهية الامتناع عن الشراء فى ضوء ما ستوفره المحطات من قدرات كهربائية لا غنى عنها للأغراض الصناعية والتجارية والاستهلاك المنزلى.

 

 

 

باحث اقتصادى أول بوزارة التعاون الدولى

محمد القرمانى مدرس مساعد السياسات العامة بجامعة أوريجون
التعليقات