عن مئوية التيه العربى بين ماضى الاستقلال ومستقبل التفكك نتفا! - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن مئوية التيه العربى بين ماضى الاستقلال ومستقبل التفكك نتفا!

نشر فى : الثلاثاء 23 أغسطس 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 أغسطس 2016 - 9:45 م

قرن واحد يكفى لتذويب الأحلام وتبخرها نتيجة الاصطدام بقسوة الواقع الذى أمده الزمن بمبررات الاستمرار والرسوخ..
وهكذا يعيش من تبقى من العرب مؤمنا بهويته حالة تمزق بين واقعه الصلب، مدمر أحلامه، وبين طموحاته التاريخية إلى بناء غده الأفضل بما يتسق مع فصول المجد من ماضيه الذى يكتسب أكثر فأكثر ملامح الحلم أو التمنى فى مواجهة الوقائع الصلبة للحاضر الذى يتمنى أن يرفضه فيعجزه افتقاده إلى عوامل القوة اللازمة لتحويل الأحلام إلى واقع معاش.
المسافة هائلة الاتساع بين تاريخ تصنعه بحضورك وقدرتك على الفعل، وتاريخ يصنع لك فى غيابك وفى ظل عجزك عن الفعل.
لقد استولدت معظم الكيانات السياسية، فى المشرق العربى أساسا، وهى تحمل فى قرار إنشائها ــ من خارج إرادة أهلها، أو حتى من دون استشارتهم حولها ــ أسباب عجزها عن الاكتمال بالوحدة. صار الانفصال واقعا ثقيلا وعاد الطموح إلى الوحدة حلما بعيد المنال يسترهنه الأجنبى (وصاحب المصلحة المحلى) لحماية واقع الانفصال.
كان لكل كيان سياسى أنشىء بعد سقوط السلطنة العثمانية ثم هزيمتها واندثارها فى الحرب العالمية الأولى، تبريرات وجوده من خارج مصالح الأمة.. فمرة هى الطائفية، ومرة ثانية هو النفط، ومرة ثالثة هى الجهوية والقبلية، ودائما هى توفير الضمانات المطلوبة لزرع الكيان الإسرائيلى فى قلب المنطقة، فاصلا بين «العربين « فى المشرق والمغرب.
كان المشروع الإسرائيلى هو الجامع المشترك بين مصالح الشرق والغرب، وعلى حساب أهل الأرض، العرب كلهم بعنوان فلسطين، والعالم كله بعنوان إسرائيل.
***
كان بين العرب كثرة جاهلة تعيش فى أحلامها المشوشة، وبعضها أساطير أو نتف مجتزأة من مراحل تاريخية متباعدة تختلط فيها الفتوحات الإسلامية الأولى التى أنجزها العرب مع الوقائع الصلبة التى توالت بعدئذ فاختلطت فيها أعراق العرب بالفرس والترك والكرد والشيشان والتتار والأوزبك إلخ وغيرهم ممن حكم باسم الخليفة أو ورث الخلافة أو بعضها تحت شعار الإسلام ولم يكن للعروبة أثر فى هذه «الممالك» التى تم تفتيت دولة الإسلام فى طياتها وتلافيفها.. وغاب عنها العرب أو غيبوا بقرار من صاحب القرار.
كان بين العرب كثرة جاهلة فى عصر الاظلام التى امتد طوال قرون، ربما عشرة أو أكثر، تعيش فى أحلامها، وقلة واعية تقدم مصالحها المباشرة على الهوية الجامعة.. وكان الانفصال استثمارا مجزيا.. واستنبتت بعد اندثار «السلطنة» وسيادة دول الاستعمار الغربى دول عدة لكل دولة «نخبتها» التى يؤهلها الأجنبى للحكم (المرتهن بطبيعة الحال لمن أوجده..) ثم تأتى المصالح فتأخذ هذا الحكم، مرة أخرى، إلى الأجنبى، بوصفه الضمانة ومرجعية القرار، أى قرار وكل قرار.
جرى تقسيم منطقة المشرق العربى دولا بحسب مصالح من استولدها. لكن ذلك التقسيم واجه اعتراضات شعبية بل انتفاضات بلغت حدود الثورة فى العراق (سنة 1920) وسوريا (سنة 1925).. لكن الأجنبى الذى كان يرى هذه البلاد بعيون مصالحه سارع إلى ضرب حركات الاعتراض: الشعب بالنار، والقيادات بالسلطة ومعها شىء من الذهب.. مكن فى دول لأقليات كى تحكم أكثرية مغلوبة على أمرها، وساوم الثوار فى دول أخرى على السلطة مقابل التسليم بالكيان المبتور جغرافيا وبشريا، كما كانت الحال مع سوريا وفلسطين والأردن والعراق ولبنان.. إذا ما استذكرنا سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب.. إذ إن الجغرافيا قد استولدت تنظيمات وحركات وأحزابا
سياسية لكل قطر (ولو مبتورة الجغرافيا كما فى حالة سوريا والأردن، أو حالة العراق والكويت إلخ..) ولقد استولدت الجغرافيا حركات وأحزابا سياسية تناضل من أجل وحدتها الطبيعية (سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب) فى حين أن مصالح «النخبة» التى رعاها المستعمر واعتمدها لحماية استمراره صاحب القرار قد قسمت الكيانات المقسمة أصلا، بما يتناسب مع مصالحه، وهو مصدرها ومتعهد حمايتها.
***
ذلك حديث فى الماضى؟!
ليس تماما.. فها هى الوقائع التى تكتب الآن بدماء شعوب المشرق العربى تؤكد أن ذلك الماضى يستخدم الآن لضرب الحاضر وخلخلة الكيانات السياسية القائمة لحساب مشروع أو مشاريع غامضة لكيانات عنصرية أو طائفية تشكل أسباب حماية ودعم للكيان الوحيد الذى زرع بالقوة فى قلب هذه الأمة، وما زالت قوى الاحتضان الدولى له بالقيادة الأمريكية توفر له ليس فقط أسباب الاستمرار بل وكذلك أن يكون الأقوى بين مجموع الكيانات الضعيفة، والتى غدت الآن أضعف ومهددة فى وجودها، نتيجة الاحتلال الجديد (أمريكيا كما فى العراق) أو الحروب فيها وعليها (كما فى سوريا واليمن..).
ليس سرا أن المشرق العربى الآن أمام مفترق طرق تاريخى: هل تبقى دوله التى أنشأتها ــ بحدودها الراهنةــ مصالح من تقاسم أرضه فى أعقاب الحرب العالمية الأولى (أى قبل قرن كامل) أم أن المشروع الإسرائيلى، المستفيد الأعظم من خراب هذه الدول سيكون «دولة هذا المشرق جميعا»، بكل أقطاره، من لبنان إلى اليمن.. هذا مع إخضاع مصر لوصايته وكذلك دول المغرب العربى بدءا بليبيا التى تفتقد دولتها، إلى تونس التى يتهددها الصراع السياسى بالتهالك، كدولة، إلى الجزائر المغيبة (مع رئيسها الذى يرفض أن يرتاح ويريح)، وانتهاء بالمغرب الذى كان السباق إلى «تطبيع» العلاقات مع إسرائيل، التى كانت عدوا، فباتت فى موقع القيادة فى هذا العالم العربى مفكك الأجزاء وكلها مرتهن لدى دولة أجنبية أو أكثر، ودائما بالقيادة الأمريكية؟!
هنا ينبغى التوقف أمام أوضاع الدول التى ينتظمها مجلس التعاون الخليجى بالقيادة السعودية، وهل ستخرج بكياناتها سليمة من نتائج هذه الحرب المفتوحة فى دول المشرق العربى، وصولا إلى اليمن، وعليها؟
هل يكفى النفط ومعه الغاز ضمانة استقرار لهذه الكيانات واستمرارها بدورها الذى يتجاوز ابتزاز «الإخوة الفقراء» فى الدول العربية إلى المشاركة فى الحروب الدائرة فى بعض المشرق (من سوريا إلى اليمن مرورا بالعراق..)، والتى تتهدد هذه الدول فى وحدة كياناتها بل ربما فى وجودها كدول؟!
وهل سيغفر أهل هذه الدول لإخوتهم الأمراء والمشايخ وصولا إلى الملك ذى وليى العهد (أول وثان)، ويتقبلون النتائج الكارثية مستسلمين، ومن دون أى رد فعل كمحاولة الحفاظ على الوجود والرد على التخريب بالتخريب والانتقام لتهديم دولهم أو إذلالها حتى المهانة بالمساعدات التى ترتهن إرادتها وتضعف حكمها وتلغى دورها وتأثيرها وحق شعوبها فى حياة كريمة؟!
وأين يكون العدو الإسرائيلى من كل هذه التداعيات المحتملة؟
وأين الإدارة الأمريكية ــ جمهورية كانت أم ديمقراطية ــ من هذه التطورات المحتملة؟! وأين روسيا التى تحاول أن تستعيد دورها كقوة كبرى (لا عظمى)، خصوصا أن لها الآن وجودها الوازن الذى قد يصل إلى حدود الشريك مع الغرب الأمريكى.. حتى فى العلاقة مع العدو الإسرائيلى؟!
***
قد تتبدى صورة الواقع العربى كالحة السواد، لكن صورة المستقبل العربى كما ترتسم ملامحها الأولى لا تبشر بالخير، بل هى تنذر بكوارث تذهب بدول الحاضر من دون القدرة على تخيل بديلها.
ومفهوم أن «دولة الخلافة الإسلامية» لن تكون البديل، وإن كانت «إنجازاتها» المدمرة قد أسهمت فى زيادة الغموض والتشويش على ما يمكن أن تكون عليه صورة المستقبل فى هذه المنطقة ذات الأهمية الاستثنائية بثرواتها ومعها موقعها الاستراتيجى، وشعوبها ذات التاريخ؟!
السؤال: من يقرر مصير العرب ودولهم فى هذه اللحظة، وبعد مائة عام من وجودها (أقله فى المشرق)؟ وهل هم شركاء أم أصحاب رأى فيما يقرر لهم، أم أنهم باتوا أضعف من ذلك، يقفون على أرصفة التاريخ ينتظرون من يقرر هل من حقهم أن يدخلوه ليعيدوا صناعته بإرادتهم وبحقهم فى غد يليق بماضيهم الذى تتناهبه الشكوك حتى أن بعضهم ينكره أو يتنكر له، والنتيجة واحدة!
من يعرف الجواب سيربح المليون، كما يعلن البرنامج التليفزيونى الشهير؟


رئيس تحرير جريدة «السفير»
تنشر بالتزامن مع جريدة «السفير» اللبنانية


الاقتباس
الماضى يستخدم الآن لضرب الحاضر وخلخلة الكيانات السياسية القائمة لحساب مشروع أو مشاريع غامضة لكيانات عنصرية أو طائفية تشكل أسباب حماية ودعم للكيان الوحيد الذى زرع بالقوة فى قلب هذه الأمة.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات