لبست ثوبـًا فاسدًا دون خجل - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لبست ثوبـًا فاسدًا دون خجل

نشر فى : الأربعاء 23 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 23 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

لأننا اعتدنا أن اللون الأحمر فى مانشيتات الجرائد تعبير لا لبس فيه عن أننا إزاء أخبار مبهجة. فقد سبقتنى البهجة بعنوان نُشر باللون ذاته فى جريدة الأهرام يوم الأحد الماضى. ابتهجت من باب الاحتياط قبل أن أطالع عنوان الجريدة «قانون مكافحة الفساد خلال أيام». فعلا الخبر يستحق البهجة. فنحن فى انتظار قانون يحظر تعارض مصالح  كبار المسئولين فى الدولة. بل ويمنعهم من استغلال المنصب العام فى تحقيق مكاسب خاصة. ويحظر على المسئول الحكومى عضوية مجلس إدارة أى شركة خاصة غرضها تحقيق الربح. وهناك قائمة من المحظورات الأخرى عقوبة مخالفتها الحبس والغرامة. على أن يصاحب ذلك العزل من الوظيفة العامة وجوبيا.

ولم يقلل من بهجتى فى ذلك الصباح أن هذا القانون لم يعالج بابا واسعا للفساد، كان قد تم فتحه فى قانون قطاع الأعمال (سيئ الذكر والسمعة) وهو الذى سمح لرجال الأعمال، ولرؤساء شركات من القطاع الخاص بعضوية مجالس إدارات الشركات القابضة، وشركات قطاع الأعمال العام التى يقع نشاطها فى نفس نشاط رجل الأعمال أو المستثمر. وذلك تحت دعوى الاستفادة من خبراتهم فى تطوير القطاع العام. تلك الدعوى الخبيثة (والتى مازالت سارية حتى الآن) كانت من نتائجها المباشرة الإسراع بخصخصة ما يزيد على نصف شركات القطاع العام، و«التخسير» عمدا لما تبقى من الشركات. وربما حال قطاع الغزل والنسيج الآن هو خير شاهد على ما فعلته خبرة رجال الأعمال الخبيثة فى تدمير هذا القطاع.

فقد أتيحت لرجال الأعمال والمستثمرين من خلال عضويتهم فى مجالس الإدارات الاطلاع على تفاصيل أوضاع الشركات العامة المنافسة لهم عن قرب، بل والمشاركة فى وضع سياساتها الاستثمارية، بما يضمن سيادة القطاع الخاص وخروج العام من السوق.

●●●

ليس هذا فقط هو الفعل الفاضح، ولكن الأكثر فضحا لفساد فكرة عضوية ممثلى القطاع الخاص فى مجالس إدارات القطاع العام، هو أن «الشركة القابضة للصناعات الهندسية» وهى الشركة التى اتخذت قرارا بخصخصة «شركة المراجل البخارية» كان من ضمن أعضاء مجلس إدارتها المهندس محمد عبد المحسن هلال شتا كممثل للقطاع الخاص. وتم اتمام عملية البيع بالرغم من أن الشركتين المشتريتين لشركة «المراجل» كان من بين المساهمين فيهما اثنان من أبناء المهندس هلال شتا. ولم يعترض أحد أثناء البيع على فساد الصفقة، بالرغم من تضارب المصالح الواضح والصريح. ولولا أن المحكمة قد فضحت العلاقة بين البائع والمشترى فى تلك الصفقة الفاسدة، وأصدرت حكمها التاريخى بفسخ عقد شركة المراجل، وإعادتها للدولة. لما كنا قد انتبهنا إلى هذا الفعل الفاضح الذى تم تحت أعين كل الحكومات السابقة واللاحقة دون أن تخدش حياء أحد.

●●●

قلت فى ذلك الصباح إن عدم معالجة «قانون تضارب المصالح» لهذا الملف الخطير الذى مازال شائكا لم يقلقنى كثيرا. لأننى اعتقدت أن مشروع القانون مازال مطروحا، ومن المؤكد أن أحد المسئولين سوف يلتفت بالضرورة إلى تلك الجزئية ويعالجها قانونيا.

ولكن ما أقلقنى حقيقة فى مساء نفس اليوم هو ما قاله رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوى فى حواره مع الإعلامية لميس الحديدى. عندما كان السؤال حول كيفية التعامل مع قضية استرداد شركات القطاع العام التى تم الحكم لصالح ردها للدولة. فقد بدا الدكتور الببلاوى وكأنه لم يقرأ سطرا واحدا من حيثيات الأحكام القضائية.  وظهر وكأن  كل ما يعنيه فى هذه القضية الخطيرة هو ما ذكره بنفسه من أنه طلب من وزير العدل أن يعد تشريعا لحماية شخص المسئول العام (وفى هذه الحالة هو رئيس الوزراء) من السجن فى حال عدم رد الشركات. واستند فى ذلك على أنه ليس من العدل أن يتحمل المسئول الحالى أخطاء كان قد ارتكبها مسئولون سابقون. وبدا جليا بأن كل ما يحرص عليه رئيس الوزراء فى هذه القضية هو تجنبه للمصير الذى لحق بسابقه هشام قنديل الذى ُحكم عليه بالسجن بسبب عدم تنفيذ حكم استعادة شركة طنطا للكتان. 

والحقيقة التى غابت عن الدكتور الببلاوى هى أن المسئول الحالى لا يحاسب عن فعل فاسد قام به غيره. ولكن هو يعاقب على أنه مستمر فى الحفاظ على نفس الأفعال الفاسدة التى جاء بها المسئول السابق. ولذلك جاء حديثه متجاوبا، بل ومشاركا للسيدة لميس كل مخاوفها المتمثلة فى الأموال التى سوف تتكبدها مصر أمام التحكيم الذى ذهب إليه رجل الأعمال الكعكى المشترى لشركة طنطا للكتان، أو ما قد يسببه استرداد الشركات من خدش لمناخ الاستثمار وترويع للمستثمرين الآمنين.

●●●

ولو كان الدكتور الببلاوى قد اهتم بتكليف أحد مساعديه بالاطلاع على حيثيات الأحكام الصادرة لصالح الدولة لم يكن قد شارك الإعلامية لميس مخاوفها. لأن الحيثيات تأتى بالردود على تلك المخاوف المزعومة. فالقاضى فى الحكم النهائى الذى رد به شركة طنطا للكتان للدولة ذكر أن «عملية بيع الشركة قد تدثرت (دون خجل) بثوب من فساد لم يقتصر فقط على الإهدار فى قيمة الصفقة. بل امتدت إلى إهدار القيمة الاقتصادية والبشرية. وهذا لايستدعى فقط تطبيق احكام التشريعات المصرية. وإنما يخضع فى جلاء واضح لحكم المادة (34) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتى انضمت إليها مصر. تلك المادة التى تقضى بحق الدولة فى اتخاذ تدابير قضائية لفسخ العقود التى يشوبها فساد».

واعتمادا على تلك الحيثيات وبما أننا إزاء صفقات فاسدة بحكم قضائى فلا مجال للتخوفات من مزاعم التحكيم التى يرفعها المستثمرون فى وجه الحكومة المذعورة من خطر وهمى. بل إن عبد الإله الكعكى المشترى لشركة طنطا والذى تتخوف الحكومة من لجوئه للتحكيم كان قد أرسل خطابا بالفعل حتى قبل صدور الحكم النهائى يستعجل الشركة القابضة بموافاته بأسماء اللجنة التى شكلتها الحكومة لتسلم الشركة.

أما تكرار المخاوف المملة من هروب المستثمرين فيرد القاضى عليها فى حيثياته قائلا «صمت القضاء على هذه النوعية من الجرائم، وعدم القضاء بما هو حق، بدعوى الحفاظ على المستثمر، أو بذريعة الحفاظ على مناخ الاستثمار، لا يكون إلا إنكار للعدالة، مما يستوجب عقاب القاضى».

والحقيقة أن القراءة المتأنية لتفاصيل حيثيات الأحكام الصادرة باسترداد الشركات كافية لكى لا يرى النوم طريقه إلى جفون أى مسئول حكومى، قبل تنفيذ الأحكام. لذلك حرص جميع المسئولين على عدم قراءة الحيثيات. ولذلك أنا  أدعو لطباعتها فى طبعات شعبية حتى ينفذها كل أصحاب العيون التى تريد أن تنام مرتاحة البال.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات