بَطَلُ الأبطَال - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بَطَلُ الأبطَال

نشر فى : الجمعة 23 أكتوبر 2020 - 8:30 م | آخر تحديث : الجمعة 23 أكتوبر 2020 - 8:30 م

في الولايات المتحدة الآن حالٌ مِن الفَوَرَان والمَوَران؛ الانتخاباتُ تقتربُ والأجواءُ ساخنةٌ مَشحونةٌ؛ لا بالمنافسةِ التقليديةِ بين ديمقراطيين وجمهوريين فقط؛ إنما بشكوكٍ وادعاءاتٍ واتهاماتٍ، ولقطاتٍ عديدةٍ مُربِكَة لا يُمكن حصرُها، ولا في استطاعةِ الناسِ غربلتُها لاقتناص الحقيقيّ؛ وتمييزِه عن الزائِف.
***
يزلزل الرئيسُ الأمريكيّ أركان مُجتمَعِه ويرجُّه رجًّا؛ فقد حَطَّم كثيرَ القِيَم الراسخة في سلاسةٍ وسرعةٍ لافتة؛ دون أن يلجأَ إلى خطابٍ مُعقَّد فيه مِن البلاغةِ والمتانةِ والتركيبِ ما يجعلُ الجماهيرَ تُفكِّر ألفَ مرَّة ومرَّة لتستَشِفَّ المقصود. رسائلهُ واضحةٌ وُضوحَ الشَّمسِ، وحديثُه مُباشرٌ لا استعارة تُزيِّنه أو تُبَدِّد حِدَّته، وكلماتُه لا تمُر أغلب الأحوال مِن مِصفاة العَقل؛ تلك التي تسمح للفردِ أن يتكلمَ بما يُلائم البيئةَ المُحيطةَ وتقاليدها، وبما يُراعي السياقَ ويأخذ في حسبانه المُستمعين، بينما تمنع هذه المصفاةُ ما يبدو عجيبًا صادمًا.
***
ينطقُ رئيسُ الدولةِ الكُبرى فيحصد النقائضَ مُجتمِعَة؛ دهشةً وسُخريةً واستحسانًا، ورفضًا وانبهارًا وغضبًا، وتأييدًا عارمًا واستفزازًا، وهو لا يعبأ بما يترك مِن أثرٍ في الآخرين؛ إذ ثقته في أدائِه وافرةٌ، وإيمانه بقدراتِه أصيلٌ لا تحدُّه حدود؛ شأنه شأن أصحابِ الذَّوَاتِ المُتَضَخِّمَة أجمعين.
***
العلامةُ التي يحفرها الرئيسُ في وَعي المُواطنين الأمريكيين بكُلّ مُثابرةٍ وإخلاص؛ قد لا يتأتى مَحوُها في المُستقبلِ القريب؛ فصدمةٌ تلوَ أخرى تُخَلخِلُ البِناءَ المُستَقِّرَّ وتدُكُّ الثوابتَ التي ظَنَّها المواطنون أبدية؛ لا تتأتى زحزحتُها، ولا يُمكِن التفريطُ عن عَمدٍ فيها.
***
الرئيسُ في عُرفِه لا يكذبُ؛ إنما يُقدِّم مَفاهيمَه الخاصة ويَصوغ حقائقَه البَديلة ويُعيد تشكيلَ المُعطياتِ مِن خلالِ رؤيتِه الخاصة، ويبتكرُ التعريفاتَ الجديدةَ، ثم يطلُب مِن النَّاسِ أن يستوعبوها وأن يتعاملوا معها؛ فتلك هي مُفرداتُ المَشهدِ السياسيّ التي ستسود؛ ربما لأعوامٍ قادمة.
***
هو في عُرف كثيرين بطلٌ؛ يؤكد أنه فعلَ ما لم يفعله مِن قبل أحد؛ والحقُّ أنه صادق. لم يكتم مشاعرَه تجاه أقلياتٍ أو مهاجرين، لم يتجمَّل كي ينالَ إعجاب المُعارضين أو يجتذب المُحايدين. لم يُخِف ضيقًا بصحفيّ أو مُراسل ولم يترفع عن مُهاجمةِ جَريدة، لم يعبأ بالحُريات وتقاليدِها، ولم يهتم بانتقاداتٍ مُتعاقِبةٍ عَنيفة؛ لو وُجِّهَت لآخر لأماتته خجلًا. الرئيسُ بَطَلٌ إذ يلتزم مسارَه ولا يخضع لمحاولات التَّهذيبِ والتعديل. هو أيضًا بَطَلٌ؛ إذ تحدى الفيروسَ وطعنه في وُجودِه، ونبذَ أساليبَ الوقاية ِالمُتداولةِ، بل ونصح مُواطنيه بعلاجاتٍ لم تُقِرَّها الجهاتُ الطبيةُ المَسئولةُ، وحين أُعلِنَت إصابتُه؛ لم يستقِرّ في المُستشفى سوى أيامٍ قليلة، خرج بعدها مُورد الوَجه، مُتباهيًا بانتصاره؛ ليتأكد أتباعُه ومريدوُه مِن بطولته ومِن صَوابِ اختيارهم له.
***
في سؤالٍ تلقاه مُنذ أيامٍ قليلةٍ بشأن تعامُله مع الفيروس الذي اجتاح الولايات وتربَّع فيها؛ قال ترامب إنه لا يجد الكثيرَ مما يمكن أن يُغيِّره لو عاد به الزمنُ إلى الوراء. تلقى المذيعون الصدمةَ الجديدةَ بالدهشةِ ذاتها التي لم تعُد تفارق وجوهَهم، وعلى قناة السي إن إن؛ راح أحدُهم يقرأ البياناتَ التي تُشير إلى أن الولايات المُتحدة الأمريكية تحتلُّ القِمَّةَ في مُعدَّل الإصابة بين مواطنيها، بينما ردَّ ضَيفٌ أبيضُ الشَّعر رفيعُ المَكانةِ، إن الكثيرَ يُمكن فِعله، وإن قياداتِ الدُّول تؤثر ولا شكَّ في مُجرياتِ الأمور؛ فدُول مثل نيوزيلاند خالية في الوقتِ الرَّاهنِ مِن الفَيروس، وأخرى مِثل الصين حالاتُ الإصابةِ فيها لا تتعدى الاثنتي عشرة حالة، بينما الإحصاءاتُ الأمريكيةُ تتحدَّث عن الآلافِ ما بين وفاةٍ وإصابة.
***
لو ظهر دونالد ترامب قبل عقود لكان فريدًا مِن نَوعه، مُستقِلًّا بشخصِيتِه وتصرُّفاتِه؛ لكن العالمَ يحظى اليوم بأشباه له، يسلكون مَسلَكه، ويخاطبون شريحة تجد فيهم نموذج البَطَل المُنقِذ العظيم، ويحققون نجاحات لم تكن أبدًا متوقعة.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات