الشرق الأوسط فى 2017: بين سيادة منتهكة وديمقراطية غائبة! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 4:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرق الأوسط فى 2017: بين سيادة منتهكة وديمقراطية غائبة!

نشر فى : السبت 23 ديسمبر 2017 - 9:05 م | آخر تحديث : السبت 23 ديسمبر 2017 - 9:05 م
شهد العام الذى سنودعه بعد أيام قليلة العديد من التطورات السياسية والتى كانت فى معظمها سلبية على منطقة الشرق الأوسط ما بين حروب داخلية وعمليات إرهابية واغتيالات سياسية وانتهاكات فجة لحقوق الإنسان. العناوين التالية تلخص أهم التطورات التى طرأت على الإقليم فى العام الذى أوشك على الانتهاء.

أولا، استمرار الحرب الإقليمية الباردة: استمرت الحرب الباردة فى المنطقة بين المملكة العربية السعودية وحلفائها فى المنطقة من جهة وبين إيران وأتباعها من جهة أخرى. أشعلت هذه الحرب العديد من المناطق وأحدثت المزيد من الخسائر للبشر. أبرز الدول التى دفعت ثمن هذه الحرب بالوكالة هى اليمن وسوريا ولبنان. اليمن مازالت تعانى من الشتات بسبب هذه الحرب، تمزقت الدولة تماما ما بين المذهبية والقبلية وتعرضت حقوق المواطنين فى اليمن للعديد من الانتهاكات. كما شهدت اليمن أيضا ومن جراء هذه الحرب اغتيال رئيسها السابق على عبدالله صالح والمزيد من التهميش لرئيسها الحالى عبدربه هادى منصور بحيث أصبح الأخير مجرد دمية تحركها أطراف إقليمية متعددة. ينطبق الأمر ذاته على سوريا، فما بين هجوم كيماوى على شيخون ارتكبه نظام يقوده رئيس أقرب لمجرمى الحرب منه لرئيس دولة، وانتهاكات فجة ارتكبتها أطراف مسلحة سورية وأجنبية تحت دعاوى الجهاد والثورة، فضلا عن تدخل أطراف إقليمية ودولية أخرى فى المعلب السورى، دفع الشعب السورى العظيم ومازال يدفع الثمن.

ثانيا، انتهاك سيادة الدولة الوطنية: فرغم كل الادعاءات التى تلوكها أنظمة المنطقة عن اتخاذ إجراءات استثنائية هى فى واقع الأمر انتهاكات فجة للحقوق والحريات تحت دعوى حماية الدولة الوطنية وسيادتها وهيبتها، فإن واقع المنطقة يقول إن عددا كبيرا من دول المنطقة قد تم انتهاك سيادته وهيبته ولم تعد القرارات بيده. لا سيادة ولا هيبة للدولة الوطنية فى سورية واليمن وليبيا والعراق، مع سيادات منقوصة للدولة الوطنية فى قطر والبحرين والسودان ولبنان، فضلا قطعا عن الأراضى الفلسطينية المحتلة. لعل لقطة العام تذهب للبنان الذى تعرض رئيس وزرائه لما يشبه الاختطاف والإقامة الجبرية فى المملكة العربية السعودية قبل تدخل أطراف أوروبية لتخفيف حدة الموقف البائس. 

ثالثا، تراجع النفوذ القطرى والتركى مقابل الصعود السعودى واستمرار الهيمنة الإسرائيلية: لا جديد فى استمرار النفوذ الإسرائيلى، فموازين القوة كلها لصالح الدولة العبرية ومحركاتها الصهيونية ليس فقط فى المنطقة ـ حتى لانجلد أنفسنا ـ ولكن فى العالم بأسره. استمر الدور السعودى الإقليمى فى التصاعد ومعه الدور الإماراتى وهى الأدوار التى خصمت من وحاصرت الأدوار الإقليمية القطرية والتركية وإلى حد ما الإيرانية وخصوصا مع انحياز الولايات المتحدة للمحور السعودى. 

رابعا، تحديثات سعودية غير مسبوقة: بعد مرور سنوات من التخلف والرجعية للدرجة التى جعلت المملكة تبدو وكأنها دولة قادمة من العصور الوسطى، إلا وأنه مع تولى محمد بن سلمان ولاية العهد، فقد اتخذت المملكة منحنى تحديثيا غير مسبوق فى تاريخها، تحدت المملكة السلطة الرجعية لهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مهدت الطريق أخيرا لتمكن السيدات من قيادة السيارات، وأعلنت استعدادها للتصالح مع الفن بكل أنواعه من غناء ومسرح وسينما، كما انخرطت فى الإعلان عن العديد من البرامج والإصلاحات الاقتصادية. ورغم أن كل هذه التطورات تبدو إيجابية للغاية، وهى كذلك بالفعل، إلا أن تاريخ المنطقة يقول دائما إن التحديثات المجتمعية والثقافية بالإضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية طالما ظلت فوقية ولم تقترن بإصلاحات سياسية فإن تأثيرها الحقيقى يظل محدودا، هل يقدم محمد بن سلمان على إصلاحات سياسية حقيقة يشارك فيها سلطاته مع مجلس نيابى منتخب ديمقراطيا وسلطة تنفيذية تتمتع باستقلال نسبى وتتعرض للمساءلة أمام البرلمان والشعب؟ لايبدو هذا قريبا على أى حال!.

خامسا٬ انهزام داعش وانتصار الإرهاب!. صحيح أن عام ٢٠١٧ شهد هزيمة دولة داعش الإرهابية أو هكذا أعلن فى سورية والعراق، لكن لم يكن يعنى هذا على أى حال انهزام الإرهاب! هزيمة الدولة لا تعنى ـ حتى الآن ـ هزيمة التنظيم والذى مازال حاضرا ويضرب بقوة فى المنطقة. الإرهاب مازال له أساس فكرى وثقافى وشرعية دينية وسياسية فى المنطقة. جزء من الأزمة يرجع لعدم تحديث فهم الدين المعاصر وتخلف البنى الدينية فى ضوء التطورات المعاصرة، وبعد آخر يتعلق باستمرار الانتهاكات الفجة لحقوق المواطن العربى وحرمانه من حقوقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعد أخير يتعلق بالتدخلات الغربية فى المنطقة وهى تدخلات فى معظمها منحازة لأجندات سياسية تهدف إلى دعم الاستقرار على حساب الحريات مع العمل على استمرار الانقسام والأزمات فى دول المنطقة ومعظمها تابع وغير مستقل فى صنع قراره. بعد سورية والعراق وليبيا، كانت مصر هى أكبر المتضرين من العمليات الإرهابية فى ٢٠١٧ والتى ضربت ومازالت تضرب سيناء وتسللت بقوة إلى الوادى.

سادسا، عسكرة سياسات المنطقة: ليس تطورا جديدا فى سياسات الشرق الأوسط، ولكنه استمرار لظاهرة موجودة دائما فى التاريخ الحديث للمنطقة وتزايدت بشدة بعد ثورات الربيع العربى. الآلة الأمنية والعسكرية مازالت هى التى تصنع الفارق لإسرائيل على الأرض، مازالت الهيمنة الأمنية والعسكرية على نظيرتها المدنية فى عملية صنع القرار قائمة فى مصر والسودان مع تصاعد تدريجى للهيمنة الأمنية فى دول الخليج العربى وإيران بالإضافة للجزائر ولا داعى قطعا لذكر سوريا واليمن والعراق وليبيا. وحتى تركيا التى ضربت دائما النموذج الأبرع بين دول المنطقة فى موازنة علاقاتها الأمنية / العسكرية والمدنية منذ مطلع الألفية، حيث هيمن المدنيون بشكل ديمقراطى لنحو عقد ونصف من الزمان، ورغم هزيمة محاولة الانقلاب العسكرى فى ٢٠١٦، فإن أردوغان لم يفوت الفرصة لاستغلال هذا الفشل الانقلابى ليقوم هو بانقلاب مدنى حاصر الديمقراطية وانتهك حقوق الإنسان ليدشن بذلك فصلا جديدا لنموذج تقليدى عرفته دول المنطقة دائما حيث السيطرة المدنية غير الديمقراطية وهو النموذج الذى عرفته فى السابق دول عديدة مثل تونس ومصر والجزائر والعراق وغيرهم. 

سابعا، القضية الفلسطينية إلى الأضواء ثانية: رغم تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية بشكل كبير منذ ٢٠١١ وبشكل أكبر منذ ٢٠١٣ إقليميا ودوليا، فقد عادت الأضواء ثانية فى ٢٠١٧ إلى القضية الأكثر عدلا فى المنطقة. مصر لعبت دورا هاما فى إعادة الاضواء بشكل تدريجى إلى المنطقة من خلال تضمين القضية ضمن الأجندة الخارجية لصانع القرار المصرى وطرحها فى كل المحافل الدولية ثم بالدور المصرى الجوهرى فى طرح قضية المصالحة الفلسطينية على المائدة والدفع فى اتجاه حكومة واحدة متجاوزة بشكل رشيد موضوع الإخوان المسلمين داخليا، بعد التواصل وإعادة المياة إلى مجاريها مع حركة المقاومة الفلسطينية «المشروعة» (حماس) ، ثم بعد قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. ورغم انتهاك القرار الأمريكى للمواثيق الدولية بخصوص القضية الفلسطينية، إلا أنه كان مفيدا من نواحى عدة. فالقرار لا تأثير كبير له على أرض الواقع، فالقدس هى «واقعيا» عاصمة إسرائيل منذ احتلال الأخيرة للمدينة التاريخية فى ١٩٦٧، وبشكل «رسمى» منذ أن مرر الكنيست «قانون القدس» فى ١٩٨٠ ليجعل من المدينة العربية عاصمة رسمية لإسرائيل وجعلها مقرا للحكومة ورئيس الدولة والبرلمان، وعلى العكس من التأثيرات السلبية للقرار إلا أنه ورغم ذلك، أو لنقل بسبب ذلك، فقدعادت الأضواء للقضية وأصبحت محل نقاشات أممية وعربية بعد أن كاد العالم ينساها.

عناوين كثيرة يمكن رصدها لوصف التطورات فى الشرق الأوسط خلال عام ٢٠١٧، إلا أن العنوان الأكبر والأهم فى رأيى هو استمرار تغييب الديموقراطية وانتهاك حقوق الإنسان ومحاصرة المجتمع المدنى، وهو العنوان الذى يدفع ومازال يدفع المنطقة إلى المزيد من الانهيارات والانقسامات فى ٢٠١٨ بكل أسف.
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر