الانتخابات ليست حلا للأزمة الليبية - يوسف محمد الصواني - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 5:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتخابات ليست حلا للأزمة الليبية

نشر فى : السبت 23 ديسمبر 2023 - 8:00 م | آخر تحديث : السبت 23 ديسمبر 2023 - 8:00 م
تتصاعد هذه الأيام الدعوات والجهود الدبلوماسية وخاصة للبعثة الأممية من أجل الاتفاق بين الأطراف الليبية على القوانين الانتخابية تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فى أقرب فرصة، لكن فشل إجراء الانتخابات فى ديسمبر من العام الماضى والفشل فى الاتفاق على القوانين الانتخابية، وتجذر الانقسام الذى أضافت له عمليات الأمم المتحدة أطرافا إضافية منذ اتفاق الصخيرات وما تبعه من حوار سياسى، جدير أن يجعلنا نطرح الأسئلة عن جدوى وفائدة بل والضرر الذى يمكن أن تجلبه الانتخابات على هذا البلد المسكين وأهله كما تؤكد للتجربة الانتخابية فى ليبيا ونتائجها عقب سقوط نظام القذافى.
تجربة ليبيا الانتخابية بعد سقوط نظام القذافى لقد شهدت ليبيا انتخابات برلمانية كانت الأولى فى 2012 وأدت إلى انتخاب المؤتمر الوطنى العام الذى لم يكتف بدور تشريعى بل قام بالوظائف التنفيذية وعين أعضاء أعلى هيئات البلاد القضائية. أما الانتخابات الثانية فقد نتج عنها فى 2014 برلمان جديد مارس هو الآخر ما قام به سلفه، الذى لم يعترف به، فحدث انقسام لا يزال قائما حتى اليوم. وإضافة إلى الانتخابات التشريعية فقد تم انتخاب هيئة لصياغة مشروع للدستور الدائم، لكنها صارت لاحقا هى ومشروعها محل جدل واختلافا لا يزال قائما.
1. انتخابات المؤتمر الوطنى العام
يمكن اعتبار الانتخابات التى جرت عام 2012 أول انتخابات حرة ونزيهة فى ليبيا منذ عام 1952. لذلك، تم الاحتفاء بها على نطاق واسع باعتبارها علامة فارقة للانتقال الديمقراطى فى البلاد. تم اعتماد نظام انتخابى يتألف من ثلاثة نماذج مختلفة، بما فى ذلك الفوز للأكثر أصواتا، والأصوات الفردية غير القابلة للتحويل، والتمثيل النسبى. كان هذا أمرا معقدا للغاية وصعب على الناخبات والناخبين فهمه، كما لم يراع المساواة بين الأصوات بحيث يكون لكل صوت وزن متساو تقريبا كما علقت بعثة مركز كارتر لمراقبة الانتخابات.
خصص 80 مقعدا للأحزاب السياسية و120 مقعدا للمرشحين الأفراد المستقلين. وعلى الرغم من فوز تحالف القوى الوطنية بأغلبية الأصوات، تم استبعاد الفائزين وغيرهم من القوى لصالح القوى المهيمنة، مما عزز الديناميات الحساسة وأجج احتمالات الصراع والحرب الأهلية. وبدلا من أن تكون هذه الانتخابات حجر الزاوية للاستمرارية السياسية والشرعية، أصبحت نكسة للانتقال الديمقراطى فى ليبيا، مما أدى إلى تفاقم الانقسام. ومع إقرار العزل السياسى وغيره من القوانين والإجراءات الاستبعادية أو الانتقامية، فقد المؤتمر الوطنى دوره كوسيط محايد، ومثل مصالح قوى وأطراف محددة بدل أن يكون معبرا عن عموم أبناء الشعب الليبى. هكذا ارتفعت الدعوات لإجراء انتخابات جديدة، وقاد حراك «لا للتمديد» الغضب الشعبى فى وجه المؤتمر الذى أراد تمديد ولايته بعد انتهاء المدة المحددة دستوريا، وأجبر فى نهاية المطاف على الموافقة على إجراء انتخابات برلمانية.
2. انتخابات مجلس النواب
شهدت لوحة انتخابات مجلس النواب لعام 2014، التى رسمت على خلفية من الخوف والصراع الأهلى، إقبالا منخفضا بنسبة 18٪ فقط، كما شهدت انخفاضا فى تمثيل المرأة (16 مقعدا) والجماعات الثقافية أو الأقليات (مقعدان). تغير هيكل القوة الذى كان سائدا فى المؤتمر الوطنى حيث فقدت القوى الإسلامية وحلفاؤها السيطرة فى مجلس النواب المنتخب. لكن هذا التغيير لم يجد استجابة على الأرض، إذ رفضت القوى المسيطرة وميليشياتها المسلحة نتائج الانتخابات. أجبر هذا مجلس النواب على الانتقال إلى طبرق، بينما تشبث المؤتمر الوطنى العام بالسلطة. بالإضافة إلى ذلك، تم انتخاب هيئة لصياغة دستور دائم، لكن الجدل والخلاف أحاط بكل من الهيئة ومسودتها. ووصل تصاعد الصراع إلى ذروته مع اعتبار المحكمة العليا الانتخابات البرلمانية غير دستورية وهو الأمر الذى أنتج توترا متصاعدا وانقساما سياسيا جعل الأرضية جاهزة تماما للمزيد من الانقسام والصراع.
هكذا شهدت البلاد ما يوصف عادة بأنه «الحرب الأهلية الثانية» بين ما عرف بمعسكرى الكرامة وفجر ليبيا، والتى خلفت آثارا مدمرة وانقساما لا يزال قائما حتى اليوم. لذلك عرقلت نتائج انتخابات عام 2014 الحوار والمصالحة وفتحت الباب واسعا أمام التدخل الخارجى بما جعل فرصة إيجاد حلول وتسويات وطنية أمرا مستبعدا، ناهينا عن تأجيل عملية بناء الدولة وخاصة التعامل مع القوى العسكرية والقطاع الأمنى. ومع أن كل القوى العسكرية والأمنية، شرقا وغربا، كانت دوما تعلن خضوعها للشرعية والقانون، فهى عمليا تتقاسم السلطة والثروة والنفوذ وتعترض أى محاولة إصلاحية تؤدى إلى تهديد وجودها ومصالحها. لدرجة أنه لا يزال من الممكن القول إن صراعات اليوم ناجمة عن صراع التحالفات التى أقيمت خلال هذه الفترة.
الانتخابات أم المصالحة؟.. درس التجربة
أوضح المبعوث الأممى فى إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن أن بعض القادة الليبيين يستمرون «فى المماطلة ولا يبدون التزاما حاسما بإنهاء الانسداد الذى طال أمده والذى تسبب فى معاناة جمة للشعب الليبى». ولعله من العجب أن ليبيا هى البلد الوحيد حيث الانتخابات البرلمانية تؤهل المرشح الخاسر ليكون عضوا بذات مؤسسة البرلمان بعد اثنى عشر عاما، أو أن يتم انتخاب هيئة تشريعية لكن سلفها لا يسلم السلطة فيقوم المجتمع الدولى بالاعتراف به كغرفة تشريعية ثانية. الأطراف المتصارعة ترفض الانتخابات وتعرقلها كلما كان ذلك ممكنا ولنا فيما جرى أخيرا بشأن القوانين الانتخابية التى أنتجتها لجنة 6+6 المشتركة بين البرلمان ومجلس الدولة، الذى نكص عن موافقته عليها، دليل جديد على أن المسار السياسى ناهينا عن إجراء الانتخابات سيؤدى إلى المزيد من عدم الاستقرار وتعميق الانقسامات القائمة. ويتصل هذا بالأطراف الذين يعرقلون إجراء الانتخابات أو يفسدونها حال إجرائها حيث لا يتعرضون إلا لضغوط محدودة للموافقة على المصالحة أو الانتخابات. الوضع الدولى الراهن والصراع بين القوى الدولية خاصة منذ حرب أوكرانيا، والتنافس الضار بين القوى الإقليمية، يستبعد قيام المجتمع الدولى بفرض تسوية مقبولة وتستجيب لمشاغل الجميع.
ومع خطاب الكراهية وممارسات الاستبعاد والإقصاء أصبحت أذن المواطنة والمواطن الليبى تألف سماع طروحات التقسيم بعد أن كان مجرد الحديث عن القبلية أو الفيدرالية مثلا يستدعى رفضا قويا. كل ذلك فى الحقيقة يطرح أسئلة عميقة وخطيرة عن الدور الذى يمكن للانتخابات أن تلعبه فى هكذا سياقات. إن درس التجربة الأهم والأقوى وضوحا هو أن استمرار السير فى هذا المسار سيقود إلى مزيد من الانقسام ويطرح شكوكا فى إمكان بقاء ليبيا دولة موحدة. هذا ما تؤكده نتائج الانتخابات السابقة والاتفاقات السياسية التى لم تتجاوز، ربما مع استثناءات قليلة، حالة الصراع على السلطة والمحاصصة وهدر الموارد الوطنية، كما يشهد بذلك استمرار الانقسام وتعمقه وتفشى الفساد الذى لم تظهر تقارير ديوان المحاسبة المتكررة سوى قمة جبل جليده.
هل الانتخابات ممكنة وهل هى الحل؟
تواجه ليبيا اليوم تحديات كبيرة فى السعى إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة، حيث الأمن والشفافية والمصلحة الوطنية أبرز الغائبين. وبصرف النظر عن الخلافات الدستورية والقانونية التى تطغى على المشهد السياسى الليبى، فإن عدم الثقة المتبادلة بين الأطراف والتمسك بالمصالح الخاصة هى سيدة الموقف. تثار شكوك كبيرة حول مدى التزام وقدرة حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها، عبدالحميد الدبيبة، والقوات العسكرية بقيادة خليفة حفتر على تأمين بيئة مناسبة لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، بينما يصر مجلسا النواب والدولة على تعميق الخلافات، ويعانى المجلس الرئاسى الانقسام الظاهر بين أعضائه الذين قلما يلتقون المبعوث الأممى والدبلوماسيين الأجانب مجتمعين.
وتثور تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية التى يصعب أن تحقق السلم والاستقرار مع تنافس محموم بين مرشحين مثل رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة وخليفة حفتر، كما لا يمكن إغفال سيف الإسلام القذافى الذى وصفه البعض بالقوة القاهرة التى عرقلت عقد الانتخابات فى الماضى. فعلى الرغم من أهمية إجراء انتخابات لتحقيق انتقال ديمقراطى، فهى كما بينت التجربة لا تعد مناسبة لمعالجة الأسباب الجذرية للاضطرابات وعدم الاستقرار بل ساهمت فى الواقع فى العنف والانقسام والصراع.
لا بد من التفكير فى بدائل أخرى لعل فى مقدمتها على المدى القصير والمتوسط إقامة حكم محلى يخفف من هيمنة المركز من ناحية بما يقلل من مجال الصراع عليه وعلى الموارد التى تدار مركزيا، وبما يزيد من أهمية الروافع المحلية للسلام والمصالحة كمقدمات ضرورية للديمقراطية. كما يسمح ذلك بمعالجة المعضلة الأمنية بحوار بين الأطراف المعنية بها وفى مقدمتها الجماعات المسلحة، علاوة على تحسين الوضع الاقتصادى والرفع من مستوى الخدمات. أما على المدى الطويل، فإقرار السلام يتطلب تسوية شاملة تركز على التوافق والمصالحة الوطنية من خلال حوار ليبى بقيادة محلية وبدعم دولى، دون تدخل خارجى مباشر.
يوسف محمد الصواني أستاذ السياسة والعلاقات الدولية، جامعة طرابلس - ليبيا
التعليقات